سناء العاجي
منذ بضعة أيام، انتحر شاب مغربي بعد أن كان قد أعلن نيته تلك عبر “فيسبوك”.
خبر حزين ومؤلم. لكن الموجع أكثر، هو التغريدات والرسائل التي انتشرت لاحقا على المواقع الاجتماعية، من تذكير بفتاوى تحرم الانتحار وإعلان أن هذا الشاب سيذهب إلى جهنم. رسائل ومنشورات أخرى قامت بتحليل نفسية الشاب المنتحر وتفسيرها وتأنيبها، حتى بعد الموت.
خبراء علم النفس والأخصائيون الذين اشتغلوا على ظاهرة الانتحار يعتبرون أن التحولات النفسية التي تؤدي إليها معقدة للغاية ومن الصعب رصدها بسهولة. كما أن محاولة الانتحار لا تترجم بالضرورة مرضا أو أزمة نفسية، لأنها قد تكون رسالة أو تسجيل موقف من واقع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، وقد تكون أسلوب استغاثة موجها للوسط القريب، ينبه عبره الشخص المعني إلى كونه ليس على ما يرام؛ إلى غير ذلك من الأسباب الكثيرة والمعقدة.
باختصار، كيف لنا ونحن نجلس خلف حواسبنا وشاشاتنا، أن نتهم أو نخون أو نكفر شخصا، لعله تعرض لمعاناة نفسية كبيرة، لعله كان مريضا، لعله كان يحتاج لنجدة من حوله حتى لا يقدم على فعلته، لعله بلغ حدا من اليأس لم يحتمله.. باختصار، كيف نعطي لأنفسنا الحق في الحكم عليه وعلى صحته النفسية وعلى تدينه؟
بل وأكثر من ذلك، هل نعي أن لذلك الشاب أسرة وأشخاصا يحبونه، فجعوا في موته وفي انتحاره؟ هل ندرك أن والديه وكثيرين حوله يحملون ثقل الألم لأنهم لن يعرفوا يوما الأسباب الحقيقية التي دفعت به لوضع حد لحياته؛ وأنهم سيعيشون مع الإحساس بالذنب لأنهم لم ينتبهوا له ولألمه المحتمل، قبل أن يقدم على فعلته؟ هل ندرك أي ألم نخلف لديهم إذا قرأوا ما يكتب عن ابنهم في لحظات مثل هذه؟
هل نحن ساديون مجرمون إلى هذا الحد؟ إلى حد العبث بمشاعر الغير والتعدي على حيواتهم وعلى موتهم، لمجرد إرضاء بعض غرور الأنا بحصد اللايكات؟
بل، وبعيدا عن انتحار هذا الشاب، متى سنعي أننا، بكل بساطة، لا يمكننا أن نكون خبراء في كل شيء؟
أنت، مهما كنت تعتبر نفسك ذكيا ومثقفا، فأنت لا تستطيع أن تكون خبيرا دينيا، وخبيرا في التحليل النفسي، وخبيرا في الاقتصاد، وخبيرا في كرة القدم، وخبيرا في تحليل الخطاب السياسي، وخبيرا في الإعلام، وخبيرا في جوائز نوبل في كل التخصصات، وخبيرا في الدبلوماسية، وخبيرا في الموضة، وخبيرا في الفن، و”خبيرا في التحليل النفسي للمجتمع العربي” كما كتب أحدهم في توقيعه (علما أن التحليل النفسي يهتم بالأفراد، وليس المجتمعات؛ خلافا لعلم الاجتماع).
من المؤكد أن المواقع الاجتماعية فتحت اليوم الفرصة لملايين عبر العالم للتعبير عن مواقفهم وآرائهم، دون الحاجة لأن يكونوا بالضرورة صحافيين أو كتابا. هذا في حد ذاته أمر إيجابي لأنه يغني النقاش العمومي ويطور مساحات النقاش والحرية والتعبير. هذا إيجابي أيضا لأنه يسمح بفتح نقاشات ما كانت لتفتح لولا توفر هذه الإمكانيات التكنولوجية الجديدة؛ كما يسمح بتوفير فرصة التعبير للجميع دون استثناء (تقريبا).
لكن هذا لا يمنع أن الكثير من العبث يرافق هذه الحرية في التعبير. عبث يجعل العنف سمة مميزة لـ”النقاش العمومي” على المواقع الاجتماعية؛ والتهكم على الآخرين، والسخرية القاتلة..
هل نعي أن تغريدة عابثة نكتبها، قد تسبب كثيرا من الألم لغيرنا، رغم أنها لا تساعد كثيرا في تطوير النقاش العمومي؟
الحرة