سناء العاجي
بعض التيارات الدينية وبعض الفقهاء الذين ابتلينا بهم، يعتبرون أن التأمين… هو ممارسة محرمة؛ لأنها تعني تحدي الإرادة الإلهية: “إذا أراد الله لك مرضا أو حادثة، فكيف تؤمن نفسك منها وتتحدى إرادته؟”، وهم يُنَظّرون في ذلك ويصدرون الفتاوى والبرامج.
يمكننا أن نمعن في العبث فنقول مثلا إن زيارة الطبيب كذلك حرام…. لأن فيها تحد لإرادة الخالق. فإن أراد لك الله مرضا، كيف تسعى لعلاجه؟ ولماذا أساسا تسعى لعلاجه وهو قد أصابك بإرادة الله؟ كليتك فقدت القدرة على ممارسة وظائفها؟ انتظر الموت ولا تتعالج، فذاك قدر الله… كسر لك عظم؟ ذاك أيضا قدر من الله. تطعيم الأطفال ضد مختلف الأمراض هو أيضا تحدّ لمشيئة الخالق…
قد يبدو الأمر كاريكاتوريا… لكننا، للأسف، لسنا بعيدين عن الواقع. حين يفتح الباب في وجه رجل الدين (باعتباره “عالما”) ليتحدث في الطب، تحدث الكوارث. منذ بضعة أشهر، تحدث فقيه مغربي في برنامج إذاعي، بشكل مطول، ليفسر بأن العلاقات الجنسية المتعددة هي التي تتسبب في سرطان الرحم؛ وأن الله خلق رحم المرأة ببرمجة معينة تجعله يتقبل مني رجل واحد! بل وأن مدة العدة هي بالضبط المدة التي يحتاجها الرحم لإلغاء البرمجة السابقة واستقبال مني جديد (علما أن العدة، في الشرع نفسه، تختلف مدتها بين عدة المطلقة وعدة الأرملة وعدة المرأة الحامل وعدة المرأة التي لا تحيض، فأي مدد العدة هي التي تناسب البرمجة وإلغاء البرمجة؟).
هذا للأسف ما يحدث حين يغيب صوت العقل والعلم، ليعوضه بشكل شبه حصري، صوت الفقيه يتحدث في الطب والفيزياء والتغذية والزواج وتوالد دودة القز.
ففي حين تنظم معظم حكومات بلداننا حملات لتوعية المواطنين ضد بعض الأمراض كالسمنة المفرطة والسكري والسرطان وغيرها، ولتوعية النساء، على وجه الخصوص، بالفحص المبكر ابتداء من سن الأربعين بالنسبة لسرطان الثدي والرحم، يأتي فقيه ليقول لنا بأن السبب هو تعدد العلاقات الجنسية.
ولأن لرجل الدين شرعية “الحديث باسم الله” بالنسبة للمؤمن البسيط، فهذا الأخير سيكتفي بوصم المريضة بسرطان الرحم أو الثدي بأنها امرأة فاسدة… في حين ستعتبر كل مؤمنة مخلصة لزوجها أو كل مؤمنة لم تعدد في علاقاتها الجنسية بأنها، حسب كلام الفقيه، مصانة ضد الأمراض… ولن تفحص. لن تعرف المرض في بداياته إن هي أصيبت به… وحين سيستفحل الأمر، سيكون عليها أن تواجه انتشار المرض، تعقد العلاج؛ ونظرة الاتهام في أعين من حولها، والذين استمعوا ربما لنفس الفقيه، وسيعتبرون بالتالي أن الله يعاقبها على “الزنا” الذي مارسته.
في مجتمع تعتبر غالبية مكوناته متدينة، ولو على مستوى الخطاب، هناك بالتأكيد مكان لرجل الدين في إطار حق الجميع في التعبير. لكن، حين يشكل هذا الحق في التعبير خطرا على صحة بعض مكونات المجتمع، وحين يهدد الصحة العامة ومجهودات الدولة في التوعية الصحية، فهذا يصبح عبثا حقيقيا علينا محاربته برفع مستوى الوعي لدي المتلقي، مهما بلغت درجة إيمانه.
كذلك، علينا جميعا أن نعي بأن رجل الدين يستطيع أن يتحدث في العقائد والعبادات… لكنه ليس طبيبا ولا مهندسا ولا خبيرا اقتصاديا… هناك تخصصات تستدعي سنوات من الدراسة والبحث والخبرة، ولا يكفي للبعض أن يحفظ بعض الآيات القرآنية والأحاديث، ليصبح “عالما” يتحدى كلام ومجهودات العلماء الحقيقيين.
علينا جميعا، كأفراد، لكن أيضا كفاعلين في الأسرة والمدرسة والمجتمع المدني والإعلام والجامعة، أن نساهم في نشر الوعي بأن الوقاية من عدد من الأمراض، لا تضمن التداوي الكامل، لكنها تضاعف حظوظ العلاج بشكل كبير. في حالة سرطان الثدي مثلا، تثبت مختلف الدراسات أن الكشف المبكر يضاعف حظوظ العلاج بنسبة تتجاوز 90 في المئة. لذلك، #أنت_بطلة حين تكشفين مبكرا عن سرطان الثدي وسرطان الرحم، وتقاومين صافرات الجهل والخرافة، بالعقل والعلم.
الحرة