سمير عطا الله
لم يكتفِ الشبان بالعدائية السافرة، بل أسمعوا الابن وزوجته كلمات رديئة قد تليق بمدينة أخرى غير لندن. وقال له أحدهم ماذا تفعل هنا؟ ولماذا لا تذهب من حيث أتيت؟ طبعاً لم يُجِب، فهل يقول له إنه أتى من لندن، وإنه بهذا المعنى بريطاني مثل سواه، بصرف النظر عن جذوره العربية ولحيته الكثيفة؟
يوم الاستفتاء على «بريكست» كتبت هنا أن لأهل البلد أن يختاروا ما يشاءون. غير أنني في داخلي كنت أتمنى بقاء بريطانيا في أوروبا. وكنت مقتنعاً بأنها سوف تخسر الكثير من مكانتها التاريخية والعالمية، إذا هي خرجت من القارة، وبالتالي تخلّت عن صفة الانصهار مع العالم أجمع. تذكّرت يوم كنا نقرأ عن لندن ما قبل «الحرب الكبرى» أي الحرب الأولى، عندما كانت أكبر وأعظم مدن العالم. يومها كتب هـ. ج. ويلز: «أغنى بلدة في العالم، البناء الأكبر، بلدة أعظم المصانع، المدينة الإمبراطورية – مركز الحضارة وقلب العالم». هكذا وصفها عام 1909 عندما كانت شوارعها تكتظ بحركة السير الحديثة، وسوقها المالية تسيطر على حركة المصارف في العالم أجمع، وموانئها تدير أكبر أسطولٍ تجاري في العالم، ويوم كان المرصد الملكي على تلة غرينتش هو مقياس الوقت في هذا الكوكب، كما كانت بغداد أيام عزّها الخلفائي.
كانت ذات شقّين. الشق الغربي والشق الشرقي. الويست أند والإيست أند. الأولى معرض التألق والعمار والمسرح والأناقة وعظمة القوة الإمبراطورية بكل معانيها. وعلى بعد أمتارٍ قليلة في الضاحية الشرقية عالم من الفقر الشديد ومنازل من الطوب المكتظة بالسكان. وقد وصفها جورج غيسينغ بأنها «عالم سفلي»، وقال آخرون إنها تشبه الهاوية، أو غابة لم يصلها الإنسان بعد، أو ساحة من العتمة الكاملة. وقال الجنرال ويليام بوث الذي قام بمهمة إنسانية هناك إنها تشبه أفريقيا الأولى التي وصلها المستكشف ستانلي في العصور الغابرة، غير أن الرئيس الأميركي هربرت هوفر قال في العشرينات إن لندن هي أفضل مكانٍ في العالم تعيش فيه، إذا كنت تملك المال الكافي لذلك.
لم تكن فقط مدينة اقتصادية تجارية في عصر إمبراطوري، بل كانت أيضاً مدينة الفنون والأدباء الذين جاءوا إليها من أنحاء الإمبراطورية وبلدان الكومنولث، ونزحوا إليها من آيرلندا والولايات المتحدة وسائر أنحاء العالم. وقال الكاتب الأميركي هنري جيمس، الذي استقر فيها عام 1876 إنها «أكبر خليطٍ بشري في العالم».
يوم الاستفتاء على «بريكست» كتبت هنا أن لأهل البلد أن يختاروا ما يشاءون. غير أنني في داخلي كنت أتمنى بقاء بريطانيا في أوروبا. وكنت مقتنعاً بأنها سوف تخسر الكثير من مكانتها التاريخية والعالمية، إذا هي خرجت من القارة، وبالتالي تخلّت عن صفة الانصهار مع العالم أجمع. تذكّرت يوم كنا نقرأ عن لندن ما قبل «الحرب الكبرى» أي الحرب الأولى، عندما كانت أكبر وأعظم مدن العالم. يومها كتب هـ. ج. ويلز: «أغنى بلدة في العالم، البناء الأكبر، بلدة أعظم المصانع، المدينة الإمبراطورية – مركز الحضارة وقلب العالم». هكذا وصفها عام 1909 عندما كانت شوارعها تكتظ بحركة السير الحديثة، وسوقها المالية تسيطر على حركة المصارف في العالم أجمع، وموانئها تدير أكبر أسطولٍ تجاري في العالم، ويوم كان المرصد الملكي على تلة غرينتش هو مقياس الوقت في هذا الكوكب، كما كانت بغداد أيام عزّها الخلفائي.
كانت ذات شقّين. الشق الغربي والشق الشرقي. الويست أند والإيست أند. الأولى معرض التألق والعمار والمسرح والأناقة وعظمة القوة الإمبراطورية بكل معانيها. وعلى بعد أمتارٍ قليلة في الضاحية الشرقية عالم من الفقر الشديد ومنازل من الطوب المكتظة بالسكان. وقد وصفها جورج غيسينغ بأنها «عالم سفلي»، وقال آخرون إنها تشبه الهاوية، أو غابة لم يصلها الإنسان بعد، أو ساحة من العتمة الكاملة. وقال الجنرال ويليام بوث الذي قام بمهمة إنسانية هناك إنها تشبه أفريقيا الأولى التي وصلها المستكشف ستانلي في العصور الغابرة، غير أن الرئيس الأميركي هربرت هوفر قال في العشرينات إن لندن هي أفضل مكانٍ في العالم تعيش فيه، إذا كنت تملك المال الكافي لذلك.
لم تكن فقط مدينة اقتصادية تجارية في عصر إمبراطوري، بل كانت أيضاً مدينة الفنون والأدباء الذين جاءوا إليها من أنحاء الإمبراطورية وبلدان الكومنولث، ونزحوا إليها من آيرلندا والولايات المتحدة وسائر أنحاء العالم. وقال الكاتب الأميركي هنري جيمس، الذي استقر فيها عام 1876 إنها «أكبر خليطٍ بشري في العالم».
الشرق الأوسط