ثقافة وفنون
كتاب جديد: كيف يمكن للإنسان العادي أن يستفيد من علم الاقتصاد السلوكي؟
– ريتشارد ثالر خبير على المستوى العالمي في الاقتصاد السلوكي.
كان مستشارا للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وحصل العام الماضي على جائزة نوبل للعلوم الاقتصادية تكريما له على أبحاثه في علم النفس الاقتصادي.
يصف ثالر في كتابه “السلوك السيء” مسيرة حياته وتأثير رفاق دربه العلمي عليه ونشأة نظرياته.
كان ثالر، الأستاذ في علم السلوك و الاقتصاديات بجامعة شيكاغو، يساوره الشك مبكرا في الرأي التعليمي السائد بأن الإنسان يتعامل في الأسواق بشكل عقلاني.
وبرهن عالم الاقتصاد على أن هناك مساحة واسعة لعلم النفس في الحياة الاقتصادية أيضا، وكذلك هناك مشاعر و قيم.
وأكمل ثالر في نقاط مهمة الصورة المثالية للإنسان الاقتصادي الذي يضع دائما الاستفادة الشخصية نصب عينه ويتبع استراتيجيات تسعى دائما لتحقيق أعلى نسبة ربح ممكنة.
هناك “صديقان ناصحان” لثالر يحتلان مساحة كبيرة في الكتاب، إنهما عالم الاقتصاد داني كانيمان (الذي حصل هو الآخر على جائزة نوبل) و عاموس تفيرسكي.
طور هؤلاء ما يعرف بالنظرية الاحتمالية للتوصل لسلوك أكثر واقعية عند تكوين حكم سابق لاتخاذ قرارات حكومية.
يقول ثالر إن مقالا لهذين لأستاذين نشر في مجلة “ساينس” العلمية غير حياته كباحث في مقتبل حياته العلمية.
يركز الكتاب على المقارنة بين الإنسان الاقتصادي الذي يطلق عليه ثالر اختصارا اسم “ايكون” والإنسان الواقعي.
أوضح ثالر أن عدم تصرف البشر الحقيقيين مثل البشر الاقتصاديين هو السبب وراء عدم توقع أي عالم اقتصاد في العالم حدوث الأزمة المالية العالمية التي وقعت عام .2008/2007
يقول أستاذ الاقتصاد الأمريكي إن النماذج الحسابية ارتكبت الكثير من الأخطاء مع مرور الوقت بسبب افتراضها أن سلوك الإنسان يقوم على العقل الراشد، وإن هذا الافتراض يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة، وإن هذا ينسحب أكثر على علماء الاقتصاد لأنهم أكثر علماء الاجتماع تأثرا بالنفوذ السياسي “والحقيقة أنهم يستأثرون فعليا بتقديم الاستشارة السياسية لأصحاب القرار السياسي”.
تقوم هذه النظرية الاقتصادية على فرضية أساسية مؤداها أن البشر يتخذون قرارهم بشكل يحقق لهم أعلى قدر ممكن من الفائدة “فالأسرة تختار على سبيل المثال من بين جميع السلع والخدمات التي تشتريها أفضل خدمة أو سلعة تستطيع شراءها” حسبما أوضح عالم الاقتصاد الأمريكي مضيفا: “غير أن هناك مشكلة بهذا الصدد ألا وهي أن الفرضيات التي تقوم عليها النظرة الاقتصادية مشوبة بالأخطاء”.
يلقي ثالر الضوء على جوانب الاختلاف بين الإنسان الاقتصادي “ايكون” والإنسان الحقيقي وذلك من خلال عدة أمثلة محسوسة.
فليس هناك على سبيل المثال إنسان اقتصادي يشتري وجبة عشاء كبيرة يوم الثلاثاء لأنه يشعر بالجوع أثناء تسوقه خلال يوم السبت السابق لهذا اليوم.
كما أن الإنسان الاقتصادي ستربكه فكرة تبادل الهدايا “لأن إنسان الاقتصاد سيعلم أن المال النقدي هو أفضل هدية، فهو يسمح للمستقبِل بشراء ما يراه الأمثل”.
يرى ثالر أن البشر الواقعيين يتبرعون من أجل حياة وحيدة مهددة مثل طفل يحتاج مبلغا معينا من المال لإجراء جراحة “ولكن من البديهي أن “تزهق أرواح الآلاف يوميا “ممن لا يتم التحقق من هويتهم” لمجرد أنهم يفتقرون لأشياء بسيطة مثل الناموسيات والتطعيمات أو الماء النقي”.
وأشار ثالر إلى أن الإنسان الاقتصادي سيترك متجرا إلى متجر آخر يبعد عنه إذا علم أن المتجر الآخر يبيع سلعة أرخص مقابل 10 دولارات بدلا من 20 دولارا لدى المتجر الأول.
ولكن هذا الإنسان لن يفعل ذلك عندما يكون الاختلاف بين 1300 و 1310 دولار.
وانتقد ثالر أن “الكثير من علماء الاقتصاد يعارضون منذ سنوات استخدام توصيفات أكثر واقعية للسلوك البشري عند وضع نماذجهم الاقتصادية التي تتنبأ بسلوك الإنسان…”. ولكن العالم الحاصل على نوبل في الاقتصاد قال أيضا إنه وبفضل علماء الاقتصاد من الشباب المبدعين يتحقق حلم الرؤية الأشمل و الأكثر ثراء لنظرية الاقتصاد “.
ورأى ثالر أن “أهم سبب يستدعي ربط البشر الواقعيين بالنظريات الاقتصادية هو تحسين دقة التنبؤات التي أقيمت على أساس هذه النظريات”.
وضمَّن ثالر كتابه توضيحا لعدد من المصطلحات المستخدمة في مجاله مثل ما تعنيه عبارة التكاليف الغارقة حيث ذكر مثالا على ذلك شراء بطاقة غالية الثمن لمشاهدة مباراة أو حضور حفل من الأفضل ألا يحضره الإنسان بسبب المرض أو بسبب الطقس السيء، ورغم هذه الظروف العارضة فإن الإنسان قد يفضل أن يشاهد المباراة أو يحضر الحفل حتى لا يضيع عليه ثمن البطاقة، تماما مثلما يفعل الإنسان عندما يحتفظ بحذاء غير مريح له فترة أطول دون أن يلبسه وذلك كلما كان الحذاء أغلى ثمنا.
وكذلك يفعل الإنسان عندما يذهب لصالة اللياقة البدنية رغم شعوره بالألم وذلك لأنه سدد الاشتراك الباهظ لهذه الصالة.
تابع ثالر: “السير رغم عاصفة ثلجية لمشاهدة إحدى المباريات ولعب التنس رغم الألم أخطاء لا يرتكبها إنسان الاقتصاد، فالبشر الاقتصاديون يعاملون التكاليف الغارقة على أنها أمر ثانوي، وهم محقون في ذلك”.
ويرى عالم الاقتصاد الأمريكي أن القرارات الاقتصادية الخاطئة التي تتخذ جراء نقص الخبرة هي أمر بشري للغاية “فنحن نقوم بالمشتريات الصغيرة بشكل متكرر كثيرا لدرجة تجعلنا نتعلم اتخاذ القرار الصحيح بشأنها، ولكن عندما يتعلق الأمر باختيار قطعة أثاث أو قرض عقاري أو مكان عمل فإننا لا نكون قد تدربنا على فعل ذلك كثيرا ولا نحصل تقريبا على فرص للتعلم”.
أوضح ثالر كيف نشأت الفقاعة العقارية في الولايات المتحدة ويصف تجاربه في تقديم الاستشارة لمنتجع التزلج جريك بيك القريب من جزيرة إيثاكا اليونانية والذي تعرض لمصاعب مالية آنذاك، وتجربته مع عملاقة الصناعة الأمريكي جنرال موتورز الذي كان أقل تحليلا للظروف من منتجع التزلج، وقال إنه اكتشف مع مرور السنين أن “قلة الاستعداد لخوض التجربة والاختبار والمراجعة التي وجدتها لدى شركة جنرال موتورز كانت منتشرة جدا” سواء لدى الشركات أو الهيئات.
يمكن القول إن كتاب “السلوك السيء” مناسب للعوام أيضا حيث يمتلك ثالر قدرة على التحدث عن مجاله المتخصص بشكل قلما يجيده علماء آخرون.
كما ضمن العالم الأمريكي كتابه الكثير من الطرائف والتجارب التي مر بها كرجل اقتصاد. (د ب أ)