جويس كرم
زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى عمان الأسبوع الفائت وبرفقته رئيس الموساد، ليست حدثا عابرا أو فقط لقطة صورية، بل إنها تحمل مؤشرات عدة عن عودة للسلطان قابوس لدور الوساطة، وإعادة تموضع إقليمية يصاحبها تأييد أميركي لتحريك ملفات ساخنة من مقاربة مختلفة عما سبق في المنطقة.
وصول نتنياهو إلى مسقط في أول زيارة من نوعها لرئيس وزراء إسرائيلي منذ 20 عاما، ترسخ في الدرجة الأولى عودة السلطان قابوس والديبلوماسية العمانية بحلة مختلفة تماما عن دول المنطقة وللعب دور مختلف على الساحة الإقليمية. لا يحتاج السلطان قابوس (76 عاما) لبيانات التأييد والتصفيق وحمل الشعارات لإبراز دوره. فالقيادة العمانية، ولعقود، تميزت بديبلوماسيتها السرية والبراغماتية في التعاطي مع دول قريبة وبعيدة، سواء كانت الأزمة الحرب العراقية ـ الإيرانية، وحرب الكويت، واليمن وصولا إلى الوساطة العمانية المفتاح للاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى عام 2010.
توفر هذه الديبلوماسية الهادئة من مسقط، والقنوات المفتوحة مع جميع الدول شرقا وغربا، الثقة للسلطنة لاستضافة نتنياهو، ليس من باب التطبيع مع إسرائيل بل للعب دور الوسيط في وساطة تهدف لكسر الجمود الإقليمي. وبسبب هذا الدور الاستثنائي لمسقط، وكونها عرابة المحادثات النووية مع إيران، تقف طهران عاجزة عن انتقاد زيارة نتنياهو، عدا بيان لحفظ ماء الوجه بدل الهجوم الإعلامي المنظم كما هو الحال مع الدول العربية الأخرى.
أما بيت القصيد وفحوى الزيارة، فهي تبدو بتوقيتها وبحسب التسريبات الإعلامية مرتبطة بعملية السلام في الدرجة الأولى؛ إنما قد يكون لها بعد إيراني وثنائي أيضا. فنتانياهو وصل مسقط بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وفي ظل حديث متزايد عن خطة أميركية للسلام سيتم إعلانها بعد الانتخابات النصفية التي ستجري الأسبوع المقبل.
قد تلعب عُمان دورا في عملية السلام عبر تحريك المفاوضات بين نتانياهو وعباس، ومن خلال توفير الغطاء الإقليمي لهذه المفاوضات. إن زيارات بعثات رياضية من إسرائيل لكل من قطر والإمارات بعد لقاء نتنياهو ـ قابوس، تصب في هذا السياق ولو أنها غير رسمية. فعُمان قد تهيئ لدور خليجي أفعل في عملية السلام، يعطي عباس ما افتقده ياسر عرفات في محادثات كامب ديفيد في العام 2000 والتي فشلت جزئيا بسبب غياب الدعم العربي لها.
اليوم، تنظر إدارة الرئيس الأميركي ترامب إلى عملية السلام بمقاربة متناقضة تماما عن أسلافها؛ تريد الإدارة أن تبدأ أولا بضمان وجود المظلة الإقليمية ومن ثم الانطلاق بالمفاوضات. طبعا، سياسات ترامب الأحادية ضد السلطة الفلسطينية، واستمرار الاستيطان لا يساعد في تحفيز أي مفاوضات حتى في ظل الغطاء الإقليمي. لكن البوابة العُمانية هي الأمثل اليوم لتدوير الزوايا الخليجية وتفعيل دورها في عملية السلام.
وقد يكون لزيارة نتنياهو علاقة بالملف الإيراني ولو أن أولوية هذا الاحتمال تأتي بعد عملية السلام. لكن يمكن لعُمان أن تساهم في إعادة فتح القناة السرية بين الغرب وطهران، وتوضيح المعايير الأمنية لأي اتفاق جديد يسعى إليه ترامب مع النظام الإيراني. تجدر الإشارة إلى أن هذا الدور هو الأصعب نظرا لمستوى التباعد الأميركي ـ الإيراني قبل أيام من العقوبات الأميركية على القطاع النفطي الإيراني وعدم استعداد طهران للمحادثات مع واشنطن.
أما الشق الثالث للزيارة فقد يركز على البعد الثنائي وتحديدا الشقين الأمني والاقتصادي. فعُمان تحاول اليوم الانفتاح اقتصاديا وهي بنسيجها السياسي والشعبي والاجتماعية ترتكز على الاستقرار الأمني.
في حال استثمار زيارة نتانياهو الأولى للسلطان قابوس إسرائيليا وفلسطينيا مع وجود نية حقيقية لتحريك عملية السلام، قد تنجح الزيارة في رسم معادلة إقليمية مختلفة بالنسبة لهذا الملف. أما في حال اعترضتها العراقيل والسياسات الأحادية التقليدية، فسيسجل للسلطان قابوس أنه حاول، على الأقل، إرساء ديبلوماسية هادئة بدل طبول الحرب والديماغوجية السياسية.
الحرة