فاي فلام
لم يتغير الإدراك العلمي للعرق والنوع كثيرا خلال السنوات الأخيرة، وبرغم ذلك هناك ارتباك واضح لدى الناس بشأنهما. ومن الصعب الإفلات من إعلانات إجراء اختبار الحمض النووي في كل مكان التي تعد بالكشف المذهل عن الهوية الحقيقية في صورة تقسيم النسبة المئوية للمجموعات التي كانت تسمى بالأعراق. والآن، ما هي ماهيتهم الحقيقية؟
ثم، وفي الأسبوع الماضي، عرضت وسائل الإعلام مذكرة صادرة عن إدارة الرئيس ترمب جاء فيها: «النوع يعني وضعية المواطن من حيث أنه ذكر أو أنثى بناء على السمات البيولوجية المحددة بحلول الميلاد أو قبل الولادة»، وردا على ذلك، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقالة افتتاحية تفسر فيها لماذا أن النوع ليس ثنائيا.
وليس من المستغرب أن يتساءل بعض الناس عما إذا كان العلم يتعرض لمحاولة من التشويه عن طريق التصويب السياسي. وهنا، وفي رسالة نشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال» الأسبوع الماضي، تساءل أحدهم إن كان اليسار السياسي ينكر علم الأحياء بالكلية.
فإن كان العرق ليس من الفئات البيولوجية القابلة للقياس، فهل كان هناك ما يبرر للسيناتور وارن تحديد نفسها بأنها من المواطنات الأميركيات الأصليات نظرا لاعتقادها أنها كانت كذلك؟ والآن، يجادل اليسار السياسي بأن «الهوية النوعية» هي من الأشياء التي يمكن للجميع اختيارها وتغييرها وفق تغيير الأفضليات. ولقد كتبت مقالا سابقا حول الطبيعة غير الثنائية للنوع. وكتبت مقالات أخرى سابقة حول لماذا تمنحنا الطبيعة (كما نعلم جميعا) نوعين فقط (بالأساس). وتتزاوج بعض أنواع الفطر من خلال نظام يضم آلاف الأنواع الأخرى، ولكن هذه القصة محالة إلى وقت آخر. والسؤال الراهن يدور حول ما إذا كنت أناقض نفسي فيما سلف.
وأوضح عالم الأحياء جيري كوين في مدونته على الإنترنت أن ما يحدد الذكورة والأنوثة هو سلسلة معقدة من الخطوات التي تنطوي على الكثير من الجينات والهرمونات. وفي المعتاد، فإن النتيجة النهائية هي أن الغدد التناسلية، والكروموسومات، والهرمونات لشخص من الأشخاص تصطف ضمن الفئات التي صنفناها تحت اسم الذكر أو الأنثى.
وحيث إن «المعتاد» لا يعني الاستدامة، فإن بعض الناس لديهم كروموسوم (واي) وجسد ذو مظهر أنثوي، أو أنهم يولدون بأعضاء تناسلية غير واضحة المعالم، أو أن يحمل جسدهم السمات الذكورية ولكن المجتمع يحدد هويتهم النوعية بأنهم إناث. والنوع حقيقة ولكنه لا يخضع لمعادلة «إمـا أو» الصارمة. قد تبدو مقالاتي السابقة عن العرق متناقضة ذاتيا، كما ذكرت أن علم الجينات الوراثية قد برهن على أنه لا يوجد أساس بيولوجي لتقسيم الناس إلى أعراق. ولكنني كتبت في مقالات سابقة حول الفوارق الصحية التي تضع الأميركيين الأفارقة في خطر متزايد بشأن أنواع معينة من مرض السرطان. فهل يخلع العلماء على العرق صفة أخرى لخدمة أغراض سياسية معينة؟
إن السؤال الذي حاول عالم الجينات الوراثية جوزيف غريفز معالجته في مقال بعنوان «إن كان العرق بنية اجتماعية، فما هو الأمر المتعلق باختبار الحمض النووي للسلالات البشرية؟»، وهو يؤكد في مقاله على أننا نشترك جميعا في الأسلاف المشتركين الحدثاء، وأننا جميعا نتحدر من أصل أفريقي واحد. وهناك اختلافات: فبعض الناس لديهم ألوان مختلفة للبشرة، وبعض الناس يمكنهم هضم اللاكتوز، وبعض الناس أكثر عرضة لحمل جين الخلية المنجلية. إن توزيع هذه السمات يتجمع حول مناطق جغرافية معينة. وهذه السمات حقيقية، ولكن المجتمع يقرر كيفية تقسيم الإنسانية إلى فئات، أو ما إذا كان ينبغي أن نصنف أنفسنا على الإطلاق.
ورغم الكشف عن الأجناس البشرية، يواصل العلماء تصنيف الناس بطريق أشبه بالعرق، وغالبا ما يُستعاض عن مصطلح «السكان» جراء ذلك. ولكن هذا أسلوب مصطنع كما يقول عالم الإنسانيات جون إدوارد تيريل. ويصوغ العلماء مثل هذه الفئات المختلفة طوال الوقت، وأغلب علم الأحياء يتعلق بالتصنيفات في العقود السابقة على تشارلز داروين. وكان على العلماء إعادة النظر في كيفية تصنيف الكواكب بمجرد اكتشاف النظام الشمسي الذي يضم عشرات الأجسام الأخرى التي يمكن مقارنتها بكوكب بلوتو أو أكبر منه. وكما قال عالم الإنسانيات روبرت سابولسكي في مجلة «ناوتيلوس» العام الماضي، فإن العقل البشري يرى العالم مقسما إلى فئات.
ليس من المفترض بالعلماء أن يقوموا بتكوين البيانات، ولكن يمكنهم تكوين الفئات إن كانت تخدم بعض الأغراض التي تساعد في فهم العالم. وسوف يكون هذا هو الحال بالنسبة للأطباء الذين يحتاجون إلى استخدام الأعراق أو العلامات السكانية المختلفة في الخروج بأفضل التوصيات المعنية بفحوصات السرطان أو علاجاته، أو أولئك الذين يحاولون فهم العوامل البيئية أو الوراثية التي تقف وراء التباينات الصارخة.
أعرب كاتب الرسالة إلى صحيفة «وول ستريت جورنال» عن قلقه بأن الناس يحددون الخيارات بشأن العرق أو النوع، الأمر الذي يعد انتهاكا للفئات غير القابلة للتغيير. ويساور السيد تيريل القلق بشأن نوع مختلف من الخيارات – وهي الخيارات التي يتخذها العلماء في فرض الفئات على الإنسانية، وفي بعض الأحيان لمساعدتهم في الأبحاث، وفي أحيان أخرى لتسويق المزيد من اختبارات الحمض النووي. وهو يشعر بالقلق كذلك من أن العلماء يواصلون الفشل في تذكير الناس بأن هذه الفئات، مثل «الذكر» و«الأبيض»، هي مخترعة بالكامل من قبل البشر. وأي خطاب علمي يشير إلى العرق أو النوع لا بد أن يرافقه علامة تحذيرية: «لأغراض حفظ السجلات فقط».
الشرق الأوسط اللندنية – بالاتفاق مع «بلومبرغ»