– باريس – من أحمد كيلاني – بعد تضاءل أعداد اللاجئين السوريين الواصلين إلى فرنسا مؤخراً إلى أدنى حد منذ عام 2015 الذي شهد ذروة تدفق اللاجئين، ومع الاستقرار النسبي لأوضاع اللاجئين الذين وصلوا لفرنسا منذ أعوام بعد تجاوزهم المرحلة الأصعب من الإجراءات الفرنسية الخاصة بمعاملات اللجوء، انتقل اللاجئون السوريون في فرنسا لمرحلة أخرى يأتي في مقدمتها البحث عن وسائل الدخول إلى سوق العمل الفرنسي والاندماج في المجتمع الفرنسي.
ومع الانتقال من مرحلة إلى أخرى، اختلفت أولويات اللاجئين في فرنسا، حيث تركزت تلك الأولويات قبل 3 سنوات بالعمل الشاق لمتابعة مراحل معاملات اللجوء العديدة، إذ تعتبر فرنسا إحدى الدول الأوروبية الأكثر بطئاً وبيروقراطية في إنجاز المعاملات الإدارية. وقد عانى اللاجئون السوريون من مرور الوقت الطويل الذي كان يستغرق من سنة إلى سنتين للحصول على قرار اللجوء وبطاقة الإقامة.
وخلال نفس الفترة تركزت الأولويات أيضاً على البحث عن سكن ملائم، نتيجة تأخر السلطات الفرنسية بإسكان اللاجئين. ولكن اليوم وفي ظل انتهاء الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين من مراحل معاملات اللجوء والعثور على سكن مريح، أصبح اللاجئ السوري في مرحلة أصعب تتمثل بالبحث عن الاستقرار، والتفكير المطول في الآفاق المستقبلية والخيارات الصعبة بشأن إيجاد عمل مناسب.
لم تكن رحلة وصول اللاجئين السوريين إلى فرنسا بتلك السهولة، ولم يتمتع اللاجئ السوري بعد مراحل الرحلة القاسية بالوصول للأرض الفرنسية بقسط من الراحة لالتقاط الأنفاس، بدءاً من ملاحقة معاملات اللجوء ومروراً بتأمين سكن مريح، وصولاً إلى المرحلة الحالية الأصعب التي تتمثل بالتفكير العميق بالمستقبل، حيث يشعر أغلب اللاجئين بأنهم في سباق مع الزمن من أجل توفير مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم.
ووفقاً لآخر إحصائية للمكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية “الأوفبرا” الصادرة بتاريخ الخامس من مارس/آذار 2018، بلغ عدد اللاجئين السوريين في فرنسا 16500 لاجئاً. وتعتبر فرنسا من أقل البلدان الأوروبية التي استقبلت اللاجئين السوريين، إذ لا يحبذ أغلب السوريين فرنسا نتيجة قلة المساعدات المقدمة للاجئين وصعوبة معاملات اللجوء فيها.
وقبيل اندلاع الأحداث السورية في عام 2011، كان الوجود السوري في فرنسا يقتصر في غالبيته على الطلاب السوريين الموفدين إلى فرنسا لتكملة دراساتهم، إلى جانب حضور بعض الكفاءات السورية العاملة في فرنسا، لكن الجالية السورية في تلك الفترة لم تتمثل بشكل كبير على صعيد التجمعات المدنية مقارنة مع بعض الجاليات العربية كالجالية المغربية.
وعلى الرغم من وجود الجمعيات السورية على الساحة الفرنسية والتي وجدت قبل الحرب السورية، إلا أن تلك الجمعيات لم تلعب دوراً فاعلاً في تقديم المساعدة للاجئين السوريين.
في المقابل، لعبت العديد من الجمعيات الفرنسية دوراً كبيراً في مساعدة اللاجئين السوريين على مختلف الأصعدة ومنها إقامة دورات تعليم اللغة الفرنسية، وتأمين السكن لبعض اللاجئين ومساعدتهم في الأوراق الإدارية الخاصة بمعاملات اللجوء وفي مقدمتها جمعية “روفيفر”.
وتعتبر اللغة الفرنسية إحدى أهم الصعوبات التي واجهت اللاجئ السوري خلال مسيرة لجوئه، فهي من ناحية تعد لغة صعبة وخصوصاً على صعيد التكلم وذلك مقارنة باللغة الانكليزية، ومن ناحية أخرى عدم توفير الدولة الفرنسية لساعات كافية للاجئين من أجل تعلم اللغة، وذهاب أغلب اللاجئين للجمعيات والمنظمات الفرنسية التي تقدم دورات مجانية لكنها دورات تعاني من ضعف المستوى في أغلب الأحيان.
وينقسم الوضع القانوني للاجئ السوري في فرنسا إلى قسمين، القسم الأول وهو اللاجئ الذي يحصل على مدة إقامة لسنة واحدة وتسمى “الحماية” وهي قابلة للتجديد، أما القسم الثاني وهو ما يسمى اللجوء أو الإقامة الدائمة والتي تتمثل بالحصول على إقامة لمدة عشر سنوات تجدد حين انتهائها.
جدارة اللاجئ السوري
وفي حوار مع “”، قال المحامي السوري والمستشار القانوني باسم سالم، إن “اللاجئ السوري في فرنسا أثبت جدارة وتفوقاً في مجال الدراسة والتوظيف حتى على المواطن الفرنسي، خصوصاً وأن سوق العمل في فرنسا اعتاد على النمطية في التعامل، وقد وجد ذلك السوق في الشاب السوري كفاءة وخبرة”، مشيراً إلى أن إدارة بعض البنوك الفرنسية أنشأت برنامجاً من أجل توظيف اللاجئين سوريين، حيث نرى حالياً عدداً من اللاجئين وقد عملوا في بتلك البنوك بعقود عمل دائمة”.
وشدد سالم على “ضرورة معرفة اللاجئ السوري بأن ليس المطلوب منه أن يكون فرنسياً، بل يجب عليه أن يكون مميزاً عن الفرنسي حتى يستطيع أن ينافسه في سوق العمل”، مضيفاً أن “الفرنسي نفسه يجد صعوبة بالحصول على عمل وأن أرباب العمل يريدون شخصاً يتكلم الفرنسية والانكليزية ويستطيع أن يكون جسراً للبلدان العربية”.
ورداً على سؤال حول مخاوف اللاجئين السوريين واختلاف أولوياتهم، قال سالم إنه “ما دام السوري لم ينزل إلى سوق العمل وما دام يفكر بالعودة إلى سوريا، وما دمنا نسمع عن أشخاص يقومون بإلغاء لجوئهم بذريعة الظروف غير المناسبة، فإن السوري لن يستطيع الاندماج في فرنسا أبداً”، مؤكداً أن “السوري الذي وضع نصب عينيه عدم العودة إلى سوريا وضرورة تأسيس عائلة والاقتناع بأن المساعدة المالية التي تقدمها الدولة الفرنسية له هي مساعدة مؤقتة فانه سوف يستطيع حتماً النظر للمستقبل والدخول إلى سوق العمل والعثور على فرصة”، مشيراً إلى “وجود العديد من الأشخاص الذين لا يحملون الشهادات قد استطاعوا خلق فرص عديدة ومنهم من فتح بعض المطاعم ومنهم من عمل في شركة أوبر”.
وأوضح انه “يوجد بعض اللاجئين الذين ليس لديهم طموح والذين يريدون العيش على المساعدة المالية التي تقدمها الدولة والذين يريدون البقاء مع عائلاتهم على هذه الحالة حتى تتحسن الأوضاع في سوريا ويقوم بإلغاء لجوئه والعودة”، مضيفاً أنه “يوجد في المقابل من يرغب بالاندماج ويستطيع الدخول إلى سوق العمل وليس لديه أي مشكلة”، مشدداً على أن “اللاجئ السوري الذي يجتهد على نفسه أصبح ينافس الفرنسي وأصبح مطلوباً لسوق العمل أكثر من غيره”.
صعوبة اللغة الفرنسية
وحول صعوبة اتقان اللغة الفرنسية، قال سالم إن “القانون الجديد للجوء نص على تعليم اللغة من المراحل الأولى للجوء. فقد كان اللاجئ حسب القانون القديم لا يستطيع الذهاب إلى دورات اللغة حتى انتهاء أوراق لجوئه، أي بعد سنة ونصف أو سنتين في حال كان في باريس”، مضيفاً أن “عدد الساعات حسب القانون القديم كان نحو 250 ساعة، لكن وحسب القانون الجديد تم زيادة عدد الساعات”.
وأشار إلى أنه “في ألمانيا كانت عملية تعليم اللغة أفضل لكن يجب علينا أن لا ننسى بأن ألمانيا قد ربطت موضوع المساعدات المالية بذهاب اللاجئ إلى مدرسة اللغة، حيث هددت اللاجئ بقطع المساعدة في حال عدم الذهاب لتعلم اللغة، بينما في فرنسا لا يوجد ذلك الأمر حيث لا تجبر الدولة الفرنسية اللاجئ على الذهاب لتعلم اللغة ولا تهدده بقطع المساعدة المالية عنه، والبعض ينظر إلى ذلك الأمر بشكل سلبي والبعض الآخر بشكل إيجابي”.
وأكد سالم أن “الحرية التي منحتها فرنسا في الآونة الأخيرة للاجئ بدأت بسحبها، حيث أصبحت مثل باقي الدول الأوروبية الأخرى. وعلى سبيل المثال في ألمانيا اللاجئ أو طالب اللجوء لا يحق له مغادرة منطقته مثلاً أبعد من خمسين كيلو متراً، وأصبحت فرنسا الآن حسب القانون الجديد تطلب هذا الأمر، فمن يقدم لجوئه في مرسيليا عليه أن يبقى في مرسيليا ولا يحق له الذهاب إلى باريس أو أي مكان آخر حتى تنتهي عملية طلب اللجوء”.
قانون اللجوء الجديد
وحول سلبيات قانون اللجوء الجديد، قال سالم “إذا كان اللاجئ يقيم في الجنوب الفرنسي ولديه موعد لمقابلة مكتب اللاجئين أو موعد لمحكمة في باريس فقد أصبحت تلك المقابلة تتم عبر السكايب ولن تتم دعوته للقدوم إلى باريس”، مشيراً إلى أن “البعض قد يعتبر ذلك أمراً إيجابياً لكنه على العكس أمراً سلبياً”، موضحاً أن “القاضي عندما يتعامل لأول مرة مع موظفين قديمين وأعمارهم كبيرة ممكن أن ينقطع الاتصال عبر الانترنت وممكن أن يحدث أي أمر تقني وهذا كله على حساب طالب اللجوء”.
ولفت إلى أن “أحد خلافاتنا مع المشرعين فيما يخص القانون الجديد هو إمكانية إبلاغ صاحب اللجوء بالموعد برسالة أو ايميل، لكن ذلك اللاجئ الذي وصل لأول مرة إلى البلد قد يستخدم خط موبايل وممكن بعد فترة وجيزة أن يغير رقمه بأي لحظه ويرمي الخط القديم، وعندها سيقول مكتب اللاجئين بأنه أرسل الرسالة، وبالتالي يضيع حق طالب اللجوء بالاعتراض خلال 30 يوماً بسبب مضي الوقت دون أن يعلم”.
وأوضح سالم أن “اللاجئ السوري لم يعد الطفل المدلل أو اللاجئ المدلل في أوروبا وبالتالي في فرنسا، إذ كان اللاجئ السوري عندما يصل إلى فرنسا من أي منطقة سورية وبأي نوع فيزا من حقه الحصول على الحماية لمدة سنة قابلة للتجديد في المرة الثانية لسنتين، أو الإقامة الدائمة لمدة عشر سنوات، لكن الآن فان السوري الذي يصل إلى فرنسا من منطقة مثل اللاذقية أو حلب أو بعض المناطق التي أصبح يصنفها مكتب اللاجئين كمناطق آمنة، فسيتم رفض طلب لجوئه مئة بالمئة،”، مضيفاً أن “حديث اللاجئ السوري الآن خلال مقابلة اللجوء بأنه ليس لديه مشكلة مع النظام أو أي أحد وبأنه جاء إلى فرنسا بسبب الظروف الاقتصادية، لم يعد عذراً لمنحه قرار اللجوء”.
وحول التغييرات الجديدة بقانون اللجوء الجديد، قال سالم إن “التغييرات تتمثل بأن اللاجئ في القانون القديم كان يأخذ مثلاً اقامة سنة “حماية” وبعدها سنتين ومن ثم سنتين ومن الممكن بعدها أن يقدم على عشر سنوات، وقد أصبح الآن يأخذ أربع سنوات من أول قرار، لكن مكتب اللاجئين منح السلطة لمركز الشرطة “البريفكتور”، لأن يعيد النظر بملف اللاجئ بعد انتهاء السنوات الأربع، وإذا وجد بأن اللاجئ لا يزال يعاني من ضعف اللغة الفرنسية ولم يعمل، يستطيع أن يسحب منه الإقامة، بينما في السابق كانت تلك الصلاحية فقط لمكتب اللجوء، حيث كان اللاجئ يجدد اقامته كل سنتين حتى تصل ربما لعشر سنوات”، منبهاً أن “ذلك الأمر بالنسبة للحاصل على قرار الحماية وليس الحاصل على قرار اللجوء لمدة عشر سنوات الذي لا يسحب منه اللجوء”.
ورداً على سؤال حول إيجابيات القانون الجديد، أوضح أن “السرعة هي إحدى تلك الإيجابيات ولكنها بنفس الوقت قد تعتبر من السلبيات”، لافتاً إلى أنه “في السابق نص القانون على مدة تسعة أشهر لإنجاز المعاملة ولكن القانون الجديد نص على ستة أشهر، حتى أن موظفي مكتب اللاجئين قاموا باعتصام اعتراضاً على ذلك”، مضيفاً أنه “صحيح قد يفرح البعض بهذا الأمر لكن ذلك قد يكون على حساب اللاجئ، بمعنى ان يكون القرار أسرع لكن أسوأ”، وقال بالعامية السورية “قد يقوم الموظف بسلق مقابلة اللاجئ”، مشيراً إلى أنه “حتى قرار الحماية أصبح بالنسبة للاجئ السوري حلماً”.
ورداً على سؤال حول رأيه ورأي الأوساط القانونية بالقانون الجديد، قال سالم “نحن ضد القانون لأنه شيء معيب، ويتنافى مع مبادئ الجمهورية الفرنسية المتمثلة بالحرية والمؤاخاة والمساواة”، موضحاً أنه “يوجد في القانون فقرات معيبة بتفاصيله وليس بالفقرات الأساسية، فكلما تعمقنا بتفاصيل القانون وتطبيقاته سنجد بأنه معيب أكثر”.
جمعيات لمساعدة السوريين
ولفت سالم أيضاً إلى “وجود بعض التعاملات العنصرية التي تمارسها بعض الجمعيات الفرنسية الموجودة في مدن بعيدة والتي تساعد السوريين”، وضرب مثالاً على ذلك بأن “الشخص الذي يحصل على حماية أو من يرفض طلبه، تأتي تلك الجمعيات لتقول له إذا قمت بتقديم اعترض على القرار سنوقف عنك المساعدة المالية ونخرجك من سكنك”، مشيراً إلى أن “ذلك الأمر كاذب وخاطئ”، موضحاً أنه “قابل العديد من اللاجئين السوريين الذين تعرضوا لذلك الأمر”.
ورداً على سؤال بشأن الجمعيات التي تساعد السوريين، قال سالم انه “يوجد جمعية “روفيفر” التي تساعد السوريين وحتى أنها لم تعد بمقدورها أن تساعدهم جميعاً، وهي تمثل أفضل نموذج على الأرض بمساعدة السوريين بمراسلة مكتب اللاجئين والتأمين الصحي”. لافتاً إلى “وجود جمعيات فرنسية عديدة تساعد السوريين ومنها جمعية تساعد مسيحيي الشرق، وهي تعمل دورات لغة للسوريين بغض النظر عن دياناتهم وتساعدهم أحياناً بالسكن”.
وحول استمرار وصول اللاجئين لفرنسا، قال سالم هناك لاجئين يصلون عن طريق إعادة التوطين للذين يتواجدون في اليونان، لكن أولئك يصلون ومعهم قرار الحماية لأن ملفاتهم تدرس من هناك”.
وأشار إلى أنه صاحب صفحة “مجموعة مساندة السوريين” على موقع “فيسبوك”، لافتاً إلى أن الصفحة تأسست في عام 2012 وهي الوحيدة التي تزود السوريين بالمعلومات القانونية، وكانت أهدافها في البداية إيجاد مرافقين للاجئين من أجل مساعدتهم بالذهاب إلى مركز الشرطة لإتمام معاملات لجوئهم، ثم تطورت لتعطي المعلومات القانونية بالتحديد، ومن ثم الاجتهادات القانونية لقانون اللجوء”.
وأوضح سالم أن “الصفحة خاصة فقط بالقانون وليس لها أي علاقة بالدين أو السياسة، والبعض أحب ذلك والبعض لم يعجبه الأمر، وذهب أخرون لإنشاء منتديات أخرى وكانوا ناجحين ولا أستطيع إنكار نجاحهم وتجربتهم، لكن صفحتي بقيت صفحة قانونية تهتم بأي شيء جديد خاص بقانون اللجوء وأن عدد أعضاء الصفحة وصل إلى 7000 شخص”.
ومن بين الصفحات الموجودة على موقع “الفيسبوك” أيضاً والتي اهتمت بمشاكل وهموم وآراء اللاجئين السوريين، ولاقت نجاحاً لافتاً صفحة “منتدى السوريين في فرنسا”، والتي تعتبر من أكثر الصفحات التي يشارك بها السوريون بآرائهم في مختلف المواضيع، ويتبادلون خبراتهم وأسئلتهم وتعليقاتهم بخصوص مختلف جوانب الحياة في فرنسا.
منتدى السوريين في فرنسا
وقال مؤسس صفحة “منتدى السوريين في فرنسا” عصام غزلان في تصريح لـ””، “وصلت إلى فرنسا من أجل الاستقرار في نهاية عام 2013 وواجهت العديد من المصاعب بما يتعلق بالإجراءات الإدارية”، موضحاً أن “فرنسا كانت معروفة فقط كوجهة للطلاب ولمن يرغب بالعمل، أما كوجهة لاستقرار اللاجئ السوري فقد كانت الفكرة جديدة”.
وأضاف غزلان أنه “كان هناك صعوبة بالحصول على المعلومات الخاصة بشأن كيفية إجراء المعاملات الإدارية لندرة الصفحات والمواقع الالكترونية الخاصة بذلك الأمر، وقد اعتمدت على نفسي كثيراً وقلت إذا لم أبدأ أنا فلن يبدأ أحد، وفكرت بإنشاء مجموعة تستقطب أكبر عدد ممكن من السوريين، وفكرت بموقع الكتروني على الانترنت، وأخيراً قررت إنشاء صفحة على المنصة الأكثر شعبية وهي الفيسبوك وأطلقت عليها اسم منتدى السوريين في فرنسا وقد انطلقت في الشهر السابع من عام 2014”.
وأوضح أنه “جعل صفحة المنتدى مغلقة بسبب وجود العديد من الناس الذين لا يرغبون أن يكون النشاط الذي ينشرونه للعلن، وبسبب بعض المواضيع التي قد تكون حساسة، وهذا الأمر الذي منع الصفحة من أن تكون بالحجم الطبيعي المفروض أن تكون عليه الآن”، مشيراً إلى أنه “لو كانت الصفحة مفتوحة كان يجب أن يكون عدد أعضاء الصفحة 250 ألفاً، ولكن الصفحة اليوم يبلغ عدد أعضائها نحو 50 ألفاً”.
ميزة المنتدى
ولفت غزلان إلى أن “ما يميز صفحة المنتدى هو تحولها لعبارة عن فهرس خاص لكل السوريين، فهناك مجموعة مواضيع مرتبطة ببعضها البعض بشكل وثيق”، مضيفاً “لقد صنفت المنتدى كمجموعة مواضيع متشابكة، وإذا كنت تقرأ مثلاً عن أحد المواضيع، ممكن أن يأخذك ذلك إلى موضوع السكن، وإذا كنت تقرأ موضوع السكن ممكن أن يأخذك إلى موضوع المساعدات الخاصة بالسكن، وإذا ذهبت لموضوع مساعدات السكن، قد يأخذك أيضاً لموضوع ما هي المساعدات وهكذا، حيث أصبح المنتدى عبارة عن فهرس من تسلسل هرمي”.
وأشار إلى “وجود حوالي 1780 موضوعاً في المنتدى مترابطة مع بعضها البعض، وهذا ما جعل المنتدى يحقق نجاحاً كونه ليس صفحة تقليدية أو مجموعة تقليدية عبارة عن سؤال وجواب فقط”، لافتاً إلى أن “المواضيع هي مواضيع منقحة باللغة العربية الفصحى، مع روابط ودلالات تتضمن الرابط الفرنسي أو النص القانوني بالفرنسي وترجمته باللغة العربية”.
هدف المنتدى
وأكد غزلان أن “الهدف الأساسي للمنتدى هو هدف خدمي، وعندما وجدت أن المعلومات الموجودة بالمنتدى أصبحت قيمة، ومخافة من حذف الفيسبوك للصفحة بأي لحظة، قمت بإنشاء قاعدة بيانات واستخدمت قاعدة بيانات مدعومة من غوغل وأنشأت تطبيقين خاصين بالهواتف المحمولة للأندرويد يحمل الأول اسم منتدى السوريين في فرنسا، “الأرشيف”، والثاني هو “المستخدمون”، ويتضمن الأول معلومات كاملة عن الإجراءات الإدارية بفرنسا و12 قسماً كل قسم فيه حوالي 70 موضوعاً، وهي زبدة المواضيع الموجودة بصفحة الفيسبوك وهي متوفرة بشكل مجاني للجميع”.
وأوضح أيضاً أن “هناك قسم حاسبات وضمن هذا القسم تستطيع الدخول لتكتب على سبيل المثال بانك لديك عائلة تتكون من طفلين وتدخل معلوماتك وتسأل ما هي المساعدة المالية المستحقة لي، ويحسب لك التطبيق فوراً قيمة مبلغ المساعدة”.
وقال غزلان إنه “يعمل مع عدد من الأصدقاء على إنشاء موقع الكتروني مستقل على الانترنت في الوقت الحالي”، لافتاً إلى “أنه يعمل أيضاً على تطوير التطبيقين الموجودين لموبايلات الأندرويد من أجل اتاحتهما لهواتف الايفون”.
وأكد أن “هدف المنتدى الأساسي هو هدف خدمي من أجل مساعدة اللاجئين، وقد أردنا تقديم المعلومة في البداية، وتحت المعلومة يتناقش الناس ويعرضون خبراتهم، فكان المبدأ هو مبدأ تشاركي حتى يستفيد الناس من تجارب بعضهم البعض، حيث تشكل المواد اليومية الخدمية الموجودة في المنتدى ما نسبته 80 بالمئة”.
وقال غزلان انه “يوجد في اليوم الواحد تقريباً 150 موضوعا وبوستاً جديداً، مضيفاً أن “المنتدى ليس مجموعة لجوء حتى يكون خاصاً فقط بمواضيع اللجوء، ولكن المنتدى هو مكان لتسليط الضوء على حياة السوريين في فرنسا، ويجب أن تتمحور المواضيع حول ذلك”.
ولفت إلى أن “المنتدى بشكل عام هو مكان اجتماعي يربط بين مجموع السوريين الموجودين بفرنسا، وفي نفس الوقت هو عبارة عن مجموعات تتجمع على كامل التراب الفرنسي بالمدن الفرنسية، حيث يتم الآن تشكيل تجمعات سورية على شكل هيئات أو منظمات أو جمعيات سواء كانت مسجلة أو غير مسجلة في إطار المنتدى، وهناك لقاءات لأشخاص واجتماعات لعائلات سورية بأماكن عدة تحت اسم المنتدى أيضاً”، مؤكداً أن “المنتدى هو المساحة الأكبر والأوسع ليس فقط للسوريين في فرنسا بل هو أكبر مساحة متاحة أو فضاء الكتروني متاح للعرب من كل الجنسيات في فرنسا”.
وأشار غزلان إلى “وجود بعض الفرنسيين أيضاً في المنتدى حيث يوجد فرنسيون من جمعيات أهلية ومحلية تقدم مساعدات للسوريين”، لافتاً إلى “أن المنتدى مكان اجتماعي لعرض نشاطات الجالية السورية”.
مشاكل وهموم اللاجئين
ورداً على سؤال حول أكثر المشاكل التي يتم طرحها من قبل اللاجئين السوريين في المنتدى، قال غزلان إن “الأولويات بالأسئلة المتداولة بشكل يومي تغيرت حسب الفترات الزمنية التي مرت على عمر المنتدى، حيث كانت الأسئلة تتركز منذ أربع سنوات عن ما هي فرنسا وضرورة التعرف على البلد أكثر، ومن 3 سنوات تركزت أسئلة الناس عن موضوع مقابلة المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية التي هي مقابلة اللاجئ لتحديد قرار لجوئه، حيث كانت تلك الأمور غامضة بالنسبة للسوريين”.
وأضاف أنه “في الفترة الأولى قبل حوالي 3 سنوات كانت النسبة العظمى من اللاجئين حوالي 90 بالمئة يأخذون قرار لجوء لمدة عشر سنوات مقابل من يأخذون قرار الحماية أي الإقامة لسنة قابلة للتجديد، ولكن منذ سنتين تغير الأمر وانقلبت المعادلة وأصبح الناس يأخذون قرار الحماية ويبحثون عن إجراءات لعملية الطعن بقرار الحماية للحصول على عشر سنوات”.
وقال غزلان انه “في هذه الأيام خفت كلمة اللجوء وكلمة لاجئ بالمنشورات اليومية، لأن الغالبية العظمى من السوريين أصبحوا لاجئين وانتهوا من المعاملات الإدارية الخاصة بعملية اللجوء”، لافتاً إلى أن “بعض اللاجئين يسألون اليوم عن عملية الطعن بقرار الحماية للحصول على لجوء لمدة عشر سنوات، والأمر الآخر الأكثر أهمية الذي أصبح يطرح بالمنتدى هو وجود بعض اللاجئين الذين يتم رفض طلب لجوئهم بسبب تغير الأوضاع في سوريا ووجود مناطق آمنة حيث أصبح المكتب الفرنسي للاجئين يأخذ بعين الاعتبار مكان ولادة وإقامة الشخص فإذا كانت في حلب أو اللاذقية، فتعتبر تلك مناطق آمنة ويتم رفض طلب اللجوء”.
وأشار إلى أن “الجو العام بالمنتدى لم يعد لطالب لجوء حيث تغيرت الأسئلة وعلى سبيل المثال أصبح البعض يسألون عن عقود العمل والدراسة بالجامعة وكيفية التسجيل بغرفتي الصناعة والتجارة، حيث أصبح جو المنتدى لأناس مستقرين يريدون البحث عن عمل، وأصبحنا نرى نشاطات كبيرة للسوريين، مثل افتتاح مطاعم، وانتقل الناس لمرحلة ثانية هي عملية بناء حياة جديدة بفرنسا”.
وأوضح غزلان أنه “يعمل لتطوير فكرة تأسيس جمعية سورية تحت اسم المنتدى لكل السوريين في فرنسا ضمن مساهمة فردية تتراوح بين 1 إلى 2 يورو، مشيراً ً إلى وجود نحو 50 ألف عضو بالمنتدى، وأنه لو شارك 2000 أو 3000 شخص فسيكون لدينا من 5000 إلى 6000 آلاف يورو شهرياً، وسيكون في الجمعية لجنة مالية، وستكون مخصصة من أجل تقديم المساعدات للعائلات المحتاجة أو العائلات التي تتعرض لحوادث سيئة، حتى يكون هناك جمعية سورية حقيقة تساعد السوريين”، لافتاً إلى “غياب أغلب الجمعيات السورية الموجودة في فرنسا عن مساعدة اللاجئين السوريين”.
نحو تجمع مدني حقيقي
وحول رؤيته لمستقبل صفحة المنتدى، قال غزلان، إن “المنتدى حالياً يوجد فيه 50 ألف شخص، ويوجد أيضاً 7 مشرفين يمتلكون خبرة قانونية جيدة جداً، ومعرفة كبيرة بالقانون والثقافة الفرنسية”، موضحاً أن “المنتدى هو المنصة الأكبر والأوسع لأي شخص يعيش في فرنسا حيث يوجد نشاط على مدار الساعة، وحوالي 128 ألف نشاط بالشهر، بمعدل نشاط كل 5 ثوان”.
وأكد غزلان أن “الأمر سيتطور ويذهب بالنهاية لتجمع مدني حقيقي يمثل السوريين، ونحن نقوم بجهود كبيرة ونسعى لتحويل هذا المكان الافتراضي إلى منصة حقيقة تكون فعالة، وتساعد جميع الناس خصوصاً الجيل الجديد من الأطفال، لكي يبقى الأطفال متمسكين بالثقافة السورية”.
وأوضح أن “أحد أهداف هذا التجمع المدني الذي نعمل عليه هو الحفاظ على اللغة العربية، حيث سنعمل ضمن هذا التجمع على إنشاء صفوف خاصة للأطفال لتعلم اللغة العربية، ودروس للاجئين السوريين لتعلم اللغة الفرنسية، بالإضافة إلى إمكانية إنشاء أماكن تشغيل مثل ورش خياطة ومعامل حلويات سورية”.