أحمد المصري
مواجهة التطرف الديني والفكري، تتطلب إرادة سياسية صلبة تحمل نزعة المواجهة الحقة، وهذا ما تجلى في رئيسين من رؤساء الدول العربية، نختلف أو نتفق معهما في كثير من القضايا الخلافية أساسا، لكنهما كانا شجاعين جدا، في مسألة المواجهة الحقيقية ضد التطرف الفكري، لا عبر مواجهات أمنية سطحية وحسب، بل مواجهة في العمق، تحاول قطع التطرف من جذوره، وكانت المواجهة الأهم في تفعيل نصف المجتمع وإعادته إلى دوره الحيوي، وانهاء تغييبه القسري الذي جعل للتطرف مكانا يملأ فراغ كل هذا الغياب للمرأة العربية.
ما قام به الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي من مبادرة للمساواة في الارث بين الرجل والمرأة انتهت تشريعا فاعلا في تونس، كان حربا على التطرف، وإعادة اعتبار لنصف المجتمع بعد محاولات تغييبه بفتاوي مدججة بما يدعيه أصحابها بأنه المقدس، والإسلام منها براء فهو الدين الصالح لكل زمان ومكان، ونسي الهاتفون بشعار “العودة إلى الإسلام” بأن الإسلام ليس حالة متأخرة لنعود إليه، بل دين مرن نتقدم نحوه، وهذه التقاطة ذكية منسوبة للملك الأردني الراحل الحسين بن طلال قالها في بداية التسعينات من القرن الماضي حين رفع الإخوان المسلمون في الأردن شعارهم الشهير” العودة إلى الإسلام”.
ما قام به السبسي، كان له امتداداته الشجاعة أيضا في مصر، حين خاض رئيسها عبدالفتاح السيسي مبارزة كلامية مع شيخ الأزهر أحمد الطيب بشأن السنة النبوية، حيث دافع عنها الدكتور الطيب وهاجم منكريها، بينما رد السيسي متسائلا “هل من طالبوا بترك السنة والاكتفاء بالقرآن هم من أساؤوا للإسلام أكثر، أم أصحاب الفهم الخاطئ والمتطرف؟”.
بعيدا عن محتوى المواجهة، فإن فعل المواجهة نفسه وقد تصدى له رأس الدولة يضع الدولة في مكانها الصحيح في مواجهة كل خطاب لا يتناسب مع مفاهيم الدول العصرية والحديثة، خصوصا في العالم العربي.
لكن هيئة كبار العلماء في الأزهر، تريد للمواجهة ان تستمر حتى أقصى مداها حين أصدرت بيانا يوم الإثنين الماضي، بأنها تتصدى لفكرة المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث وحسب نص البيان يقول الأزهر: (..إنها تتصدى لهذه القضية “انطلاقا من المسؤولية الدينية التي اضطلع بها الأزهر الشريف منذُ أكثر من ألف عام إزاء قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وحرصا على بيان الحقائق الشرعية ناصعة أمام جماهير المسلمين في العالم كله)!
نعم، إنها قضية لم تحسم منذ ألف عام حسب بيان الأزهر، وهو ما يستدعي ان يتم حسم الأمر بعد ألف عام من التضليل الديني الذي احتكر الفتوى به رجال دين بعمائم، أخرجوا الدين والعقيدة عن طريقها السوي بالعدالة الاجتماعية المطلقة.
الأخطر في بيان الأزهر انه وصف الجدلية بالفتنة، وهو تهديد مبطن ومسبق يحمل في ثناياه كوصف إنذارا شديد اللهجة، خصوصا ان رأس الدولة هو من تصدى لفتح باب الحوار حوله.
ما قامت به تونس، كان شجاعا وهو بلا شك من إرث راسخ وضع أساسه الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، فحصد التونسيون اليوم بذور الوعي المدني للرئيس الراحل.
وما يقوم به الرئيس السيسي وهو في القاهرة عاصمة الدولة المصرية ومركز الأزهر بنفس الوقت، هو مواجهة شجاعة تفتح الباب لوضع الحد لكل هذا التطرف الأعمى باسم المقدسات، والتقدم بالشريعة نحو الدين الذي لا يمكن العودة إليه، وما مطالبات العودة تلك إلا في حقيقتها مطالبات بالعودة دوما إلى سلطة رجال الدين وقد تحصنوا بهالات المقدس الذي غلفوا سلطتهم به.
[email protected]