تحقيقات
كيف تمكّن المتمردون اليمنيون من قتال تحالف عسكري لثلاث سنوات ونصف؟
ـ دبي ـ خلال ثلاث سنوات ونصف من التدخل العسكري السعودي على رأس تحالف يضم دولا عدة في اليمن ضد المتمردين الحوثيين، لم تتمكن القوات الموالية للحكومة والمدعومة من هذا التحالف من حسم الحرب على الرغم من الغارات الجوية المكثفة والأسلحة المتطورة الموضوعة في تصرفها.
ويواصل المتمردون القتال بشراسة على الرغم من أنهم خسروا بعض المناطق التي كانوا سيطروا عليها لدى بدء المعارك في منتصف العام 2014، وقبل التدخل العسكري السعودي في آذار/مارس 2015.
ويرى محلّلون أنهم يعتمدون خصوصا على علاقاتهم القبلية وأسلحة للجيش استولوا عليها وخبرتهم الطويلة في القتال في مناطق جبلية. وهم يتلقون، بحسب السعودية والولايات المتحدة، دعما تسليحيا من إيران الخصم الأكبر للمملكة في المنطقة، وتدريبا على أيدي حزب الله اللبناني، حليف طهران.
من هم المقاتلون الحوثيون؟
يتبع الحوثيون المذهب الزيدي الشيعي القريب فقهيا من السنة. ويطلق عليهم هذا الاسم تيمنا بزعيمهم الروحي الراحل بدر الدين الحوثي ونجله حسين الحوثي الذي قتلته القوات اليمنية في 2004 خلال معارك اندلعت بعد اتهامه للسلطة بتهميش جماعته.
لكن اسمهم الرسمي هو “أنصار الله”. وكان الكيان السياسي الاول الذي أسّسوه “حركة الشباب المؤمن” في 1992 الذي انطلق كتجمع سياسي يندد ب”تهميش” الزيديين الذين يشكلون ثلث سكان اليمن تقريبا.
ويقيم الحوثيون شبكة علاقات وتحالفات مع قبائل سنية معادية لتكتل حاشد القبلي النافذ في شمال اليمن والذي لطالما اعتبر الدعامة الأقوى للحكم في صنعاء.
كما استطاعوا التقرّب من المجتمع المدني اليمني مع مشاركتهم بشكل فعّال في حركة الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح في 2011، قبل أن يصبحوا حلفاء لصالح في 2014، ثم ينقلبوا عليه مجددا في نهاية 2017 ويقتلوه بعد اتهامه بخيانتهم.
ما هو مصدر الاسلحة التي يعتمدون عليها؟
يقول الباحث في شؤون الأمن والدفاع في جامعة سيدني ألكسندر ميترسكي لوكالة فرانس برس “معظم الحوثيين هم من شمال اليمن، يعرفون البلاد هناك ومناطقها جيدا. لكن إلى جانب الجغرافيا، ما يساعد الحوثيين هو التعاون مع القبائل المحلية”.
ويضيف “اليمن يبقى عبارة عن مجتمع غير متماسك بين قبائله، والمتمردوّن يعوّلون على هذا الأمر. الدعم من القبائل المحلية عامل قديم جدا في هذا الصراع”.
وقبائل اليمن مسلحة تقليديا، لكن المتمردين باتوا يملكون قدرات تسليحية ضخمة تشمل الدبابات التي شوهدت في شوارع مدينة الحديدة في غرب اليمن مؤخرا، والصواريخ البالستية التي أطلقوا عشرات منها باتجاه السعودية في الأشهر الماضية.
وبحسب العميد عبده مجلي، أحد المتحدثين باسم القوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا والمدعومة من التحالف، فإن “90 بالمئة من تسليح الحوثيين هو من مخزون الجيش اليمني” الذي استولوا عليه بعد سيطرتهم على صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014.
ودمّرت طائرات التحالف في بداية عملياته العسكرية في 26 آذار/مارس 2015، مخازن، لكن بحسب مجلي، فإن المتمردين “تمكّنوا من سحب كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر من صنعاء وإخفائها في مخازن وكهوف سرية في صعدة وعمران في شمال البلاد”.
من جهة أخرى، يقوم المتمردون بصناعة صواريخ وأسلحة بينها طائرات من دون طيار.
ويشير ميترسكي إلى أن المتمردين يقومون بتطوير قدراتهم مستفيدين “من دعم إيراني في هذا المجال عبر تدريبهم على بناء الاسلحة وبينها الصواريخ”. وأعلن التحالف في السابق عن تدمير “مصانع أسلحة” في عدة مناطق.
وتمثّل الألغام أحد أبرز أسلحة المتمردين، إذ يقومون بزرعها بكثافة في محيط المناطق التي يسيطرون عليها منذ ان بدأوا في 2014 حملتهم من الشمال باتجاه صنعاء والمناطق الجنوبية.
ما مدى خبرتهم في القتال؟
خاض الحوثيون بين 2004 و2010 ست حروب مع صنعاء خصوصا في معقلهم الجبلي في صعدة شمال العاصمة، كما خاضوا حربا مع السعودية بين 2009 ومطلع 2010 في أعقاب توغلهم في أراضي المملكة.
ومنذ آذار/مارس 2015، عجزت السعودية وإلى جانبها الامارات ودول التحالف الاخرى وعددها 10، حتى الآن، عن هزم الحوثيين رغم أن المملكة وحلفاءها توقّعوا في بداية الحرب الانتصار في فترة تتراوح بين الشهر والستة أشهر.
وخسرت السعودية التي تعدّ الأفضل تجهيزا في السلاح في الخليج، عشرات من جنودها في معارك مرتبطة بحرب اليمن، بينهم نحو مئة عسكري لقوا مصرعهم بين 31 أيار/مايو الماضي و27 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، بحسب سلسلة أخبار نشرتها وكالة الأنباء السعودية الرسمية على مدى الأشهر الستة الماضية.
وقالت “مجموعة الازمات الدولية” في تقرير نشرته مؤخرا إن التحالف العسكري “يستخف بقدرات الحوثيين” الذين يفضّلون، كباقي اليمنيين، خوض المعارك وهم يرتدون ملابس غير عسكرية. وهم يظهرون في الصور وتسجيلات الفيديو التي تلتقطها وسائل الإعلام في ملابسهم التقليدية غالبا، وأحذية مفتوحة، ومن دون أي انضباط عسكري ظاهر.
وتحدّث التقرير عن “توافق” بين قادة في التحالف ومسؤولين غربيين على أن المتمردين “يملكون الموارد، ويتحلّون بالالتزام، ولديهم الخبرة والقوة، كما أن المقاتلين المتمرّسين يقاتلون على الأرجح حتى آخر رجل منهم”.
من يدعمهم؟
تقول السعودية والولايات المتحدة إن إيران توفّر دعما عسكريا للمتمردين يتمثّل خصوصا في إرسال مكوّنات صواريخ، لكن طهران تنفي هذا الاتهام وتؤكد ان دعمها ينحصر بالسياسة فقط.
وبعد إطلاق ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان أول عملية للتحالف في 2015 في اليمن، سارعت طهران إلى إدانة ضربات التحالف ووصفتها بأنّها “خطوة خطيرة”.
وعرضت في الرياض وواشنطن وأبوظبي في الاشهر الماضية بقايا صواريخ بالستية وطائرات من دون طيار قدّمت على أنها مصنوعة في إيران.
كما تحدّث التحالف عن مقتل عناصر من حزب الله اللبناني في اليمن خلال قيامهم بتدريب المتمردين، وهو ما نفاه الحزب.
ويقول العميد جمال المعمري الضابط السابق في القوات الجوية اليمنية، إن أسلحة إيرانية “ومعدات لتطوير الصواريخ البالستية” نقلت إلى المتمردين “عبر الجو من خلال رحلات تم تسييرها في الأشهر الأولى من العام 2015” قبل بدء عمليات التحالف، مشيرا أيضا الى وجود خبراء.
كما يشير متريسكي إلى ان إيران “تقدم الدعم للحوثيين عبر طريقتين: مباشرة (تدريبات وأسلحة) وغير مباشرة (معلومات حول صناعة الاسلحة)”. (أ ف ب)