السلايدر الرئيسيشرق أوسط
لبنان والملفّ الإسرائيليّ عام 2018: بين فيلم “ذي بوست” وقضيّة المقدَّم الحاج ومزاعم الأنفاق الحدوديّة!
جمال دملج
ـ بيروت ـ من جمال دملج ـ لم تكد تُقلِع عجَلة عام 2018 في حركة دورانها النشِطة إلى الأمام على ضوء الإنجازات اللافتة التي تمكَّنت القوى الأمنيّة اللبنانيّة من تحقيقها بجدارةٍ تامّةٍ في مجال تجاوُز قطوع الاحتفالات المتنوِّعة بليلة رأس السنة بسلامٍ وأمانٍ ومن دون تسجيل أيِّ حادثٍ أمنيٍّ يُذكَر، حتّى عادت عجَلة اللبنانيّين لتُقلِع على إيقاعِ ضجّةٍ صاخبةٍ أحدَثها الجدلُ الحادُّ الذي أُثير حول توصيّة “لجنة مراقبة أشرطة الأفلام المعدَّة للعرض” في مديريّة الأمن العامّ بخصوص منعِ عرضِ فيلمِ “ذي بوست” للمخرج الأميركيّ الشهير ستيفن سبيلبرغ في دور السينما المحلّيّة بموجبِ ما تنصُّ عليه القوانين الصادرة عن مكتب مقاطعة إسرائيل في جامعة الدول العربيّة، وهو الجدل الذي سرعان ما طغى بأهمّيّته على ما عداه من أحداثٍ ذاتِ صبغةٍ داخليّةٍ في البلد، ولا سيّما بعدما شكَّل مادّةً دسمةً لتراشُقٍ كيديٍّ لم تقتصِر أصداؤه على التردُّد في أوساط الأفرقاء اللبنانيّين المنقسمين على بعضهم البعض أفقيًّا وعاموديًّا وحسب، بل وصلت أيضًا إلى أوساط الحلفاء في كلٍّ من “التيّار الوطنيّ الحرّ” و”حزب الله”، سواءٌ عبْر وسائل الإعلام التابعة لهما أم عبْر حسابات أنصارهما على مواقع التواصُل الاجتماعيّ، ناهيك عن أنّه نغَّص على الحياديّين ممّن يُحسَبون خارج نطاق الارتصافات السياسيّة والحزبيّة التقليديّة اكتمال فرحة حلول العام الجديد.
المليون دولار
وعلى رغم أنّ وزير الداخليّة نهاد المشنوق عادَ وحسَم الأمر لصالح عرض الفيلم اعتبارًا من يوم الثامن عشر من شهر كانون الثاني (يناير) بعدما وقَّع في اليوم السابق على قرارٍ بهذا الشأن بالنظر إلى أنّه “لا يرى أيَّ مانعٍ يحول دون عرض الفيلم لأنّ مضمون أحداثه يتعلَّق حصرًا بالحرب في فيتنام خلال الستّينيّات ولا علاقة له أبدًا بلبنان أو بالنزاع مع العدوّ الإسرائيليّ”، فإنّ حدّة الجدل لم تُسجِّل أيَّ تراجُعٍ من شأنه أن يخفِّف من نسبة الاحتقان في النفوس، ولا سيّما بعدما شنَّ المطالِبون بمنع العرض حملةً مركَّزةً على قرار الوزير المشنوق بحجَّة أنّ مخرج الفيلم لا يتردَّد عادةً في الكشف في المناسبات العامّة عن دعمه المعلَن لإسرائيل وتبرُّعه لها بمبلغِ مليونِ دولارٍ أثناء “حرب تمّوز” مع لبنان عام 2006، علاوةً على أنّه كان قد صوَّر العديد من أعماله السابقة في القدس، الأمر الذي رأى البعض في حينه أنّه يكفي لكي يسري عليه نظام المقاطعة العربيّة الذي تلتزم به الدولة اللبنانيّة، ولا سيّما أنّ الدوائر المختصّة في بيروت غالبًا ما تمنع في الإجمال كافّة الأعمال التي ترى فيها إثارةً للحساسيّة الطائفيّة أو نيْلًا من المقدَّسات الدينية أو انتهاكًا للآداب العامّة أو ترويجًا للتطبيع مع إسرائيل.
المقدَّم سوزان الحاج
وإذا كان قد قُدِّر للجدل بسبب المكوِّن الإسرائيليّ في شخصيّة ستيفن سبيلبرغ أنّ يتواصَل على مدى عدّةِ أسابيعَ لاحِقةٍ في لبنان، فإنّ شهر آذار (مارس) لم يكد يطلُّ حتّى استفاقَ اللبنانيّون على هوْلِ صدمةٍ مدوِّيةٍ جاءَت بمثابةِ هزَّةٍ ارتداديّةٍ لزلزالٍ استخباراتيٍّ كان قد سُجِّل في الأصل على خلفيّة اعتقال الممثِّل المسرحيّ اللبنانيّ زيّاد عيتاني في العام السابق بتهمة التعامُل مع إسرائيل، وذلك عندما تمَّ توقيف رئيسة مكتب الجرائم الإلكترونيّة وحماية الملكيّة الفكريّة في قوى الأمن الداخليّ المقدَّم سوزان الحاج في اليوم الثاني من الشهر المذكور للاشتباه في قيامها بفبركةِ الاتّهامِ لعيتاني الذي ما لبثت أن ثبتت براءته بعد مئةِ يومٍ من التوقيف إثر إلقاء القبض على شخصٍ يُدعى إيلي غبش لضلوعه في قرصَنة حساب الممثِّل اللبنانيّ على شبكة الإنترنت، قبل أن يُصار استطرادًا إلى إطلاق سراح المقدَّم الحاج بكفالةٍ ماليّةٍ ومنعها من السفر في انتظار موعد مثولها أمام محكمةٍ عسكريّةٍ يوم الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني (يناير) عام 2019 على رغم أنّها تنفي التهمة الموجَّهة إليها جملةً وتفصيلًا.
غوتيريش والجنوب
وربّما كان من بين أهمّ مخلَّفات شهر آذار (مارس) في الملفّ اللبنانيّ – الإسرائيليّ، بعيدًا عن قضيّة المقدَّم سوزان الحاج، هي تلك التصريحات التي أدلى بها النائب عن “حزب الله” نوّاف الموسوي يوم السادس والعشرين منه عن أنّ “المقاومة قادرةٌ على ضرب عمق الأراضي الإسرائيليّة”، والتي استشهد بها الأمين العامّ للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش بعد أربعةِ أشهرٍ، أيْ في تمّوز (يوليو)، عندما وجَّه اتّهامًا للحزب بالعمل على تقويض قدرة الحكومة اللبنانيّة في مجال ممارسةِ طقوسِ فرضِ سيادتها وبسْطِ سلطتها، قائلًا في تقريرٍ له حول مدى تنفيذ قرار مجلس الأمن الدوليّ رقم 1701 ما حرفيّته: “لا يزال حزب الله يُعلِن على الملأ بأنّه يحتفظ بقدراتٍ عسكريّةٍ، كما لم يتمّ إحراز أيَّ تقدُّمٍ نحو نزع سلاح الجماعات المسلَّحة خارج نطاق سيطرة الدولة، بما يقوِّض قدرة حكومة لبنان على ممارسة سيادتها وسلطتها على إقليمها بشكلٍ كاملٍ”، قبْل أن ينوِّه بأنّه لم يتمّ إحراز أيَّ تقدُّمٍ أيضًا “في تفكيك القواعد العسكريّة التي تحتفظ بها الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين – القيادة العامّة وفتح الانتفاضة، والتي ما زالت تنتقِص من سيادة لبنان وتعرقل قدرة الدولة على رصدِ ومراقبةِ أجزاءٍ من الحدود بفعاليّةٍ”، على حدِّ تعبيره.
ديبلوماسيّة الصواريخ
وإذا كان الأمين العامّ قد أعرب في تقريره عن القلق من استمرار اختراق الطيران الإسرائيليّ للمجال الجوّيّ اللبنانيّ، مشيرًا إلى أنّ ذلك لا يشكِّل خطرًا على اللبنانيّين فقط، بل يؤجِّج أيضًا المشاعر والخطابات المعادية لإسرائيل، فإنّ هذا القلق لم يحُل في نهاية المطاف دون استمرار تلك الانتهاكات، علاوةً على أنّه لم يحُل أيضًا دون قيام رئيس وزراء الدولة العِبريّة بنيامين نتنياهو بالترويج من مقرّ الأمم المتّحدة في نيويورك لصوَرٍ ادَّعى فيها أنّ “حزب الله” يقوم بتخزين وتطوير صواريخه في مصانعَ تقع على مقربةٍ من مطار رفيق الحريري الدوليّ في بيروت، الأمر الذي دفع وزير الخارجيّة اللبنانيّ جبران باسيل في مطلع شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) إلى تنظيم جولته الميدانيّة الشهيرة بمعيّة السفراء العرب والأجانب على المصانع المزعومة في إطار ما اتُّفقَ على تسميته بـ “ديبلوماسيّة الصواريخ”، وهي الجولة التي شارك فيها أكثرُ من سبعينَ ديبلوماسيًّا ينتمون إلى جنسيّاتٍ مختلفةٍ، وغابَت عنها الولايات المتّحدة الأميركيّة بالطبع، إضافةً إلى دول “مجلس التعاون الخليجيّ” ما عدا القائم بأعمال سفارة سلطنة عُمان، والتي قال السفير الروسيّ في لبنان ألكسندر زاسبكين خلالها إنّ الإسرائيليّين “يُفبركون حالةً غيرَ مبنيَّةٍ على دلائل، ويجب أن نصِل في ظلّ هذه الأكاذيب إلى الواقع”… وحسبي أنّ أقول هنا إنّ هذا الواقع، وإنْ كان قد استوجَب على نتنياهو الانتقال خلال الشهر الأخير من العام الحاليّ الذي أوشَك على طيِّ أوراق روزنامته للتوّ من فبركة قصّة الصواريخ المزعومة قرب مطار بيروت إلى فبركة قضيّة الأنفاق المزعومة لـ “حزب الله” في جنوب لبنان، ولكنّه سيبقى في شتّى الأحوال والظروف أمرًا واقِعًا ومفتوحًا على كافّة الاحتمالات السهلة والصعبة في آنٍ معًا حتّى إشعارٍ آخَر، طالما أنّ طرفيْ معادلة “الردع الاستراتيجيّ” الراهنة بينهما لا يزالان يترفعّان على الاعتراف لبعضهما البعض في العلَن بسرِّ تكوِّن هذه المعادلة، وبسرِّ صمودها في خضمّ تداعياتها خلال التاريخ اللبنانيّ – الإسرائيليّ الحديث… وحسبي أنّ كفّة الميزان ستبقى مرجَّحةً في ظلّ المعطيات المتوافرة حاليًّا لصالح اللبنانيّين إلى أجلٍ غيرِ مسمّى أكثرَ ممّا هي مرجَّحةٌ لصالح الإسرائيليّين… والخير دائمًا في شتّى الأحوال والظروف من وراء القصد.
(يتبع غدًا: لبنان والملفّ السوريّ عام 2018: بين أزمة النازحين المستفحِلة وقانون التجنيس المريب).