العالم
مستقبل غامض ينتظر الأفغان بينما تلوح فى الأفق احتمالات سحب أعداد من القوات الأمريكية من البلاد
ـ كابول ـ بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سحب القوات الأمريكية من سوريا، وردت تقارير غير مؤكدة عن أن البيت الأبيض يخطط كذلك لسحب نصف القوات الأمريكية من أفغانستان، أو ما يقدر بسبعة آلاف جندي على الأقل.
تلك الأنباء أثارت بدورها عدة تساؤلات بشأن طبيعة وأبعاد الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان .
فهناك نحو 14 ألف جندي أمريكي يحتشدون في أفغانستان كجزء من مهمتين، وذلك بعد أن عزز ترامب عدد القوات قبل نحو عام.
ومن ناحية، تعتبر تلك القوات جزءا من بعثة التدريب التابعة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) المسماة “الدعم الحازم”، وهي تتعلق بالتدريب، وحلت محل البعثة القتالية للناتو مطلع عام 2015.
وحسب بيانات الناتو، يقوم نحو ثمانية آلاف و500 جندي أمريكي بتدريب قوات الأمن الأفغانية وإمدادها بالمشورة ضمن تلك البعثة. ويعد إسهام الولايات المتحدة بمثابة العمود الفقري للعملية التي تضم كذلك 41 دولة.
أما العدد المتبقي من القوات فيأتي ضمن المهمة القتالية للولايات المتحدة المسماة “حارس الحرية” والتي تهدف إلى مكافحة الإرهاب في أفغانستان.
والتساؤل الذي يطرح نفسه هو، ماذا يعني سحب نحو نصف القوات الأمريكية من أفغانستان، وما تبعاته حيث تعتمد الإجابة على هذا التساؤل على أي من القوات سيتم سحبها .. هل هى القوات المقاتلة أم القوات التي توفر التدريب والمشورة للجيش الأفغاني.
وخلال الأعوام القلائل الأخيرة، كثّف مسلحو طالبان هجماتهم في أنحاء البلاد، وحققوا مكاسب فيما يتعلق بالسيطرة على الأرض، وألحقوا بقوات الأمن الأفغانية خسائر ثقيلة من القتلى والمصابين .
ووفق أحدث تقرير نشر في 31 تشرين أول/أكتوبر، تسيطر الحكومة المركزية على 56% من إجمالي الأراضي في البلاد، بينما يسيطر المتمردون على 18% منها بينما تظل 26% محل نزاع بين الحكومة الأفغانية وطالبان.
وبشكل عام، يعد الوجود العسكري الأمريكي مهم للغاية في إمداد قوات الأمن الأفغانية بالقوة الجوية، لاسيما للعمليات الخاصة التي تستهدف عناصر طالبان البارزين وتنظيم داعش والعناصر المسلحة الأخرى في أفغانستان، حسب قول الجنرال الأفغاني السابق زاهر عظيمي.
ومن ثم يمكن أن يتسبب تقليص عدد القوات في جعل العمليات أقل نجاحا وأقل تواترا.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن القوات الجوية الأفغانية غير قادرة بشكل كامل على توفير كافة أشكال الدعم التي تحتاج إليها القوات البرية، سواء كانت قتالية أو لوجيستية، في وجه مقاتلي طالبان الذين يقاتلون بضراوة، وبمعنويات عالية، وفقا لمحمد جول مجاهد، وهو جنرال سابق أيضا بالجيش الأفغاني.
وربما تكون هناك أيضا انعكاسات للانسحاب المحتمل للقوات الأمريكية على شركاء الولايات المتحدة بحلف الناتو في البلاد .
فالولايات المتحدة قوة عظمى وتضطلع بدور فعال في الشؤون العالمية، وإذا سحبت الولايات المتحدة قواتها من أفغانستان، فإن حلفائها بحلف الناتو، خاصة الدول الأوروبية، ستضطر تدريجيا إلى الانسحاب من البلاد أيضا، وفقا لما ذكره أحمد سعيدي، وهو محلل سياسي في كابول. ولن تستطيع الدول الأخرى الأعضاء في حلف الناتو مواصلة المهمة في أفغانستان بدون الولايات المتحدة.
أما عن كيفية رؤية الشعب الأفغانى للانسحاب الأمريكى المحتمل، فإن الكثير من الأفغان – خاصة ممن هم في الأربعينات من أعمارهم – يتذكرون بشكل واضح انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان عام 1989، مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية. ومن منطلق تلك الذكريات السيئة، يتوجس الكثير من الأفغان من أي قرار محتمل بشأن الانسحاب.
ويعتقد نعيم نزاري، وهو أحد سكان كابول، أنه بدون ضمانة لنجاح مفاوضات السلام الجارية بين طالبان والحكومة الأفغانية، فإن الانسحاب المحتمل للقوات الأمريكية يثير القلق بالفعل.
ويقول يوسف مظهري، وهو أحد سكان باميان بوسط أفغانستان، إن الانسحاب سيؤدي حتى إلى مزيد من القتال بين القوات الأفغانية وطالبان.
لكن متحدثا باسم “الحزب الإسلامي”، الذي يتزعمه أمير الحرب السابق قلب الدين حكمتيار، الذي وقع اتفاق سلام مع الحكومة الأفغانية، يعتقد أن الانسحاب سيؤدي إلى الازدهار الكامل لأفغانستان، حيث يقول إن “الأمريكيين هم السبب الرئيسي في استمرار الحرب” في البلاد.
وذكرت الحكومة أن الانسحاب لن يؤثر على الوضع الأمني في أفغانستان، حيث كانت القوات الأفغانية مسؤولة عن معظم العمليات العسكرية وتأمين البلاد على مدى السنوات الأربع والنصف الماضية، وفقا لهارون شيخ أنصارى، المتحدث باسم القصر الرئاسي.
وفي هذا السياق، يرى بعض الخبراء أن الانسحاب المحتمل لنحو سبعة آلاف جندي من أفغانستان له علاقة مباشرة بالمحادثات التي جرت مؤخرا بين الولايات المتحدة ووفد من طالبان في أبو ظبي، أواخر شهر كانون أول / ديسمبر الجاري.
ويعتقد محمد ردمانيش، وهو متحدث سابق باسم وزارة الدفاع، أن القرار اتخذ كبادرة حسن نية على التقدم في محادثات السلام الجارية مع المتمردين.
ومع ذلك، لا يرى آخرون أن هناك صلة، ويعتقدون أن ذلك ما هو إلا خطوة أخرى من جانب الرئيس الأمريكي ضمن الخط الذي ينتهجه فيما يتصل بشعاره “أمريكا أولا”.
ويقولون أيضا إنه لن يكون من المنطقي استراتيجيا سحب نصف القوات في حين أن المحادثات التحضيرية لمفاوضات السلام ما زالت مستمرة، فالتخلي عن واحدة من أهم أوراق التفاوض بشأن عملية المفاوضات المستقبلية سيضعف موقف الولايات المتحدة وحلفائها الأفغان. (د ب أ)