أقلام يورابيا

بين الخبر والإشاعة: متاهات المعلومات

مالك العثامنة

مالك العثامنة

على الفيسبوك كتبت تعليقا على قصة عامل النظافة الذي استضافه الملك الأردني فقلت:

(..أنا ممن انزعجوا من الصورة الأولى لعامل النظافة وهو يتابع مباراة الأردن واستراليا من خلف زجاج المقهى.
و كنت ممن ابتسموا بارتياح لصورته جالسا بين الملك وولي العهد في غرفة جلوس بيت الملك يتابعون مباراة الاردن مع سوريا.
الصورة مريحة في وسط كل الصور القاتمة في المشهد الاردني.
لست مع التعليقات التي تحمل ما لا تحتمله الصورة من نقد متفذلك ولا انا مع التعليقات التي عملقت المشهد بمديح لا يحتمله الواقع.
التعليق الوحيد الذي اضحكني على طرافته وكان واقعيا جدا هو ان المواطن الشوملي كان المشجع الوحيد في الاردن الذي تابع المباراة ولم ” يطعم” ويشتم اثناء المشاهدة)!

في المحصلة، كانت صورة مفرحة ببعدها الإنساني ولا تحتمل بالمطلق برأيي الشخصي أي إسقاطات سياسية، وربما أضيف على سبيل الدعابة أن صورا سابقة للملك وولي العهد في مباراة سابقة كانا في ذات غرفة الجلوس وحدهما وعلق الأردنيون حينها بطرافة أن الطاولة الملكية في الغرفة كانت خالية من المكسرات والموالح والشاي و “البوشار” ، وهي مواد تقليدية لمتابعي كرة القدم أمام الشاشة، وعلق الأردنيون بغزارة وطرافة على الصورة حينها وقد ألقوا اللوم على “أم حسين” لعدم تحضيرها متطلبات السهرة الكروية في إشارة إلى زوجة الملك.
لكن في الصورة الملكية الأخيرة كان الشاي وصحن المكسرات حاضرا بقوة على الطاولة الملكية بحضور ضيف الملك، عامل النظافة خالد الشوملي، مع الإشارة إلى ان غرفة الجلوس الوثيرة تلك هي في الديوان الملكي، حيث يقع مكتب الملك وولي العهد لا في بيته.


إلى هنا، والموضوع عادي ولا يستحق مقالا حتى، لكن نصف المقال أعلاه كان ضروريا لتوضيح الصورة والدخول في النصف الثاني، وهو محور المقال.
انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مجموعة صور وصلتني أنا شخصيا وقد وردت إلى موقع “” تتضمن ما يشبه وبوضوح موقع تصوير محترف يظهر فيه المقهى من الخارج، وكاميرا محترفة بمصور محترف وعامل النظافة خالد يتطلع من زجاج المقهى! الصور ملتقطة بكاميرا موبايل ومدعمة بفيديو من ذات كاميرا الموبايل، وتوحي بأن قصة العامل من بدايتها ملفقة.
أزعجني الأمر بشدة، فتواصلت مع مدير مكتب الإعلام في الديوان الملكي، ليأتيني الجواب منه واضحا مدعما بصور أكثر، وبيان صادر عن مراسل قناة عربية رياضية، تفيد بأن الصور صحيحة، لكنها لحساب القناة وهي إعادة تمثيل المشهد لصالح تقرير تلفزيوني يعد مادة صحفية عن قصة العامل.
هنا، مربط فرس الموضوع كله، فيما يتعلق بخطورة الإشاعة في وسائل التواصل الاجتماعي، وهي خطورة لا يمكن بأي حال محاصرتها بقمع حريات التعبير، فذلك يشبه ربط الماء بخيط، لكن يمكن محاربة الإشاعة بالشفافية في المعلومة، والصحافة المهنية التي صارت عملة نادرة أمام صحافة القص واللصق الجاهزين، والمستعدة لتلقي أي معلومة ونشرها بدون التمحيص والتدقيق فيها قبل النشر.

الفيسبوك لا يصنع إعلاميين، ولا يصنع صحافة، ولن يكون بديلا برأيي عن المؤسسات الصحفية التي لا تزال تعتمد أدوات المهنة واصولها.
ذكرت القصة بالتفصيل كما شاهدتها من زاويتي لبيان خطورة تأثير الإشاعة في نقل الخبر على علاته، ونواجه في “” مثلنا مثل كل المؤسسات الإعلامية العربية ذات الحكايات فيما يتعلق بالإشاعات وبريدنا متخم يوميا بأخبار واردة من مجهولين بأسماء لا نعرفها، لكن لا نزال قابضين على الجمر ما أمكن لنا ذلك في التمحيص والتدقيق وقبل كل شيء، التشكيك الذي نضعه أمام كل معلومة غير منطقية تردنا.
الصحافة مهنة لها محترفوها، وهي مهنة لها ادواتها أيضا، والتطور التقني في تكنولوجيا المعلومات حافز لتشغيل وتفعيل المهنية لا العكس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق