تحقيقات

الحياة القصيرة والقاسية لزعيم العصابات “إل دايركتو”… مرآة لمشكلات المجتمع المستعصية في السلفادور

ـ  مدريد ـ عندما وصل الصحفي الإسباني روبيرتو بلنسية، إلى السلفادور للمرة الأولى في عام 2001، تناهى إلى سمعه على الفور حكايات ” إل دايركتو”، وهو مجرم شهير بدا أنه يجسد عنف عصابات الجريمة المنظمة الذي يفتك بالبلاد.

ويتذكر الصحفي بلنسية أن “(اسمه) كان يتردد على كل لسان”.

ويرسم بلنسية في كتابه الجديد الذي يحمل عنوان “كارتا ديسدي زاكاتراز” ( رسالة من زاكاتراز)، صورة نابضة بالحياة لزعيم العصابة المخيف.

ويرأس “إل دايركتو”، واسمه الحقيقي “جوستافو أدولفو بارادا موارليس”، عصابة “بانا دي لوكوس”، التي تعد إحدى أكثر الخلايا نشاطا وعنفا في عصابة أكبر حجما هي “مارا سالفاتروشا” والتي تعرف أيضا باسم (إم.إس13-)، والتي جاءت أصلا من مدينة لوس إنجليس الأمريكية خلال ثمانينيات القرن الماضي، ثم انتشرت في أمريكا الوسطى والمكسيك. وعندما بلغ “إل دايركتو” 17 عاما من العمر، كان مشتبها به في مقتل 17 شخصا.

ويوجد في السلفادور حاليا ما يقدر بنحو 60 ألف عضو بمختلف العصابات، وبلغ معدل عمليات القتل في المتوسط عشرة قتلى في اليوم الواحد.

وبعد ذلك بعامين، وتحديدا في عام 2002، أجرى بلنسية مقابلة صحفية مع “إل دايركتو” داخل السجن.

وكان الرجل صغير السن، حذرا ومتحفظا أثناء المقابلة، لدرجة أنه كان يتعين “انتزاع الكلمات من بين شفتيه، كلمة بكلمة” وفقا لما يتذكره الصحفي، الذي يضيف “وقعت تحت سحر شخصية الرجل، غير أنني عندما قابلته شعرت بقدر من الإحباط، لأنني كنت أتوقع رؤية شخص عملاق، ولكنه لم يكن يحمل أية معالم من ذلك”.

ومع ذلك، وبعد مرور عشرة أعوام، تغيرت الأمور، فعندما أجرى الصحفي بلنسية مقابلة صحفية مع “إل دايركتو” مرة أخرى عام 2012، داخل سجن شديد الحراسة ببلدة “ساكاتيكولوكا” يعرف باسم “زاكاتراز” أصبح “مختلفا كلية”، وفقا لوصف الصحفي.

ويوضح بلنسية بعض التغيرات التي طرأت على شخصية “إل دايركتو” فيقول عنه إنه “شخص يتحدث بحماس ويتسم بتفتح الذهن، وأخبرني بحقائق وتفاصيل بكثير من الدقة”.

وتمت المقابلة الصحفية الثانية التي أجراها بلنسية مع “إل دايركتو” على مدار أربعة أيام، بعد الظهر، وكانت حصيلتها تسجيلات صوتية على مدى 16 ساعة.

وبدا الفتى الذي قابله بلنسية في المرة الأولى والرجل الذي التقى به بعد عشر سنوات وكأنهما “شخصين مختلفين تماما… وأنا أعزو ذلك إلى ذكائه ولتفسيره المقابلة الثانية على أنها تمثل فرصة بالنسبة له”.

وأضاف الصحفي الذي أجرى مقابلات صحفية مع نحو 50 شخصا مرتبطين بـ “إل دايركتو”: ” كان تصرف يعبر عن ولع بذاته”.

ووصفت صحيفة “ذي أيديال” الإسبانية حياة زعيم العصابات “إل دايركتو”، بأنها حافلة بالمخدرات ومغامرات الحب والقتل والخيانة والسجن، والبقاء على قيد الحياة.

وعندما بلغ “إل دايركتو” 31 عاما من العمر، قتله أحد النزلاء في السجن، فيما يعتقد أنها كانت تسوية حسابات بين مجرمين.

وخلال 20 عاما قضاها في السلفادور، أصبح بلنسية خبيرا في ظاهرة العصابات من خلال عمله مراسلا صحفيا لبعض الصحف الرئيسية في البلاد، وأيضا لصالح مشروع الصحافة الاستقصائية المعروف باسم “سالا نيرجا” التي دشنته صحيفة “إل فارو” الإلكترونية.

ولا يقتصر الكتاب الذي خطه بلنسية على قصة “إل دايركتو” وحده، ولكنه يفتح الباب واسعا على عالم العصابات المعروفة باسم “ماراس”، والتي تتراوح أنشطتها الإجرامية بين السطو المسلح وتهريب المخدرات إلى الابتزاز والدعارة.

ويقول إن وجود هذه العصابات انعكاس لما يمر به المجتمع في السلفادور.

ويوضح بلنسية: “تطورت هذه الظاهرة على مدار 25 عاما “وسط أوضاع تضمنت الفقر وعدم المساواة وانقسامات مجتمعية وضعف المؤسسات، كما شملت شبكة العنف التي يصفها بلنسية بأنها “مشكلة للأمن الوطني”، أجهزة الدولة أيضا.

وقتلت الشرطة حوالي 1500 يشتبه في أنهم أعضاء عصابات خلال الفترة بين عامي 2015 و2017، وذلك وفقا لما يقوله الصحفي الذي يتهم الحكومة بقتل المشتبه بهم خارج نطاق القضاء. ويقول بلنسية إنه تلقى تهديدات مستمرة، جاء معظمها من أجهزة الدولة.

وفي عام 2015، اضطر الرجل إلى مغادرة السلفادور مؤقتا، حيث توجه إلى جواتيمالا، بعد أن كتب عن قيام الشرطة بتنفيذ عمليات قتل لعديد من أعضاء العصابات ي بلدة” سان بلاس”.

ويضيف بلنسية: ” غير أنني لا أحب أن أتحدث عن دور الصحفي”، الذي يعد مراقبا للأحداث من الخارج مقارنة بملايين من أبناء السلفادور الذين يعيشون وسط هذه المشكلة، يوما تلو الآخر”. (د ب أ)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق