لن تقدم اسرائيل على خطوة مثل تلك قد تضحي فيها بالعلاقات الاستراتيجية بين تل أبيب وموسكو الا وان كان لها هدف كبير وضروري حسمه، وضمان دعم قوى دولية تساندها وتدعمها بكل ما تملك غير شخص الرئيس الامريكي دونالد ترامب، في حالة التصعيد المستقبلي مع روسيا، وهو ما حدث.
فاسرائيل بالامس لم تكن توجه رسالة لايران وحزب الله في سوريا كما كان الامر في مشاهد الغارات السابقة، بل كانت تنتقم للغرب المهزوم من روسيا فى ادلب، بعد أن نقلت نيران المعركة الى معقل التواجد والحضور العسكري الروسي نفسه في سوريا باللاذقية، بعد أن تفرد بوتين بملف ادلب (بعد القمة الثلاثية في طهران، ثم قمة بوتين ـ اردوغان في سوتشي)، ضاربا برسائل الغرب عرض الحائط، ولذلك جاء اول اتصال من وزير الدفاع الروسي بنظيرته الفرنسية وليس للاسرائيلي افيغدور ليبرمان.
فروسيا طاوعت اسرائيل بما فيه الكفاية وكثيرا جدا، ويكفي عدم تسليم منظومة S400 لحليفتها السورية ضمن خطوات لم يقبل عليها الرئيس الروسي بوتين من أجل عدم تخطي الخطوط الحمراء المتفق عليها مع اسرائيل فيما يخص سوريا، مثل عدم اعتراض المقاتلات الاسرائيلية التي تستهدف تمركزات حزب الله في سوريا، وهي الغارات التي وصل عددها لاكثر من 200 غارة خلال الـ 18 شهر الاخير، وغيرها من الامور التي تم الاتفاق عليها بين الروسي والاسرائيلي، بعد أن وضع الروسي قدمه في سوريا.
وتأتي تركيا وايران كأكثر الرابحين من ذلك المشهد، بعد ان استطاعت تركيا انتزاع اكبر قدر من المكاسب بعد جلوس اردوغان مع بوتين منفردا في سوتشي مؤخرا، بعد انتهاء القمة الثلاثية التي جمعتهم مع الرئيس الايراني حسن روحاني في طهران بأيام قليلة، وهي القمة التي انتهت بتباين واضح في وجهات النظر بين ايران وروسيا من جهة وتركيا من جهة أخرى، فاستفزاز اسرائيل لروسيا الغير متوقع هي نقطة مكسب لتركيا، وستعزز من موقفها في التفاوض مستقبلا مع روسيا.
خاصة وان ادلب ليست أخر المعضلات للرئيس التركي اردوغان في سوريا، بل هناك ما هو على نفس درجة الخطر على تركيا، وهنا نشير بوضوح لمنطقة شرق الفرات (القوة العسكرية للاكراد)، ولا نستبعد ان يكون قد ناقش أردوغان مصير ذلك الملف مع بوتين اثناء لقائهم بسوتشي، في ظل دعم دول خليجية للاكراد لهم نكاية في أردوغان.
وفي نفس الوقت ذلك المشهد جاء فى صالح ايران، التي تحمل حرسها الثوري الكثير من المقاتلات الجوية الاسرائيلية دون اي مساعدة من الروس.
ونقولها صريحة الان لم يعد في صالح روسيا ترك ايران وحدها في سوريا امام اسرائيل، ووجب عليها تعديل سياستها في التعامل مع ايران بالملف السوري بعيدا عن البراغماتية التي اتبعتها روسيا في التعامل أو بالادق في استخدام ايران بالملف السوري، بعد أن طالت نفس المقاتلات الاسرائيلية الروس أنفسهم.
ولايخفى على أحد ان ما حدث هو اهانة كبيرة لدولة مثل روسيا، وامر يستوجب الرد القوي على اسرائيل، ولكن حسابات الواقع قد تأتي مختلفة تماما عن ذلك، ولا يلجأ الروسي الى أي تصعيد، وفي كل الحالات سننتظر ردة فعل فلاديمير بوتين، الذي يدرك جيدا أن مشهد ادلب جعل كافة اجهزة استخبارات الغرب في حالة عداء تام مع بلاده.
ولا يفوتنا ما صرح به وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان عندما قال “الهجوم على ادلب يهدد أمن اوروبا التي قد ينتقل لها الارهابيين من أدلب”، وهو التصريح الذي يعكس ويفسر حرص الغرب على ابقاء ادلب عاصمة لكافة الارهابيين والمرتزقة والجهادين بالعالم، وهو الامر الذي يعمل فيه بوتين على النقيض التام، ويسعى لتفجير ادلب في وجه الغرب الذي ارسل هولاء الارهابيين اليها.
خلاصة القول اسرائيل قامت بدور طلب منها، وهو دور جاء بالنيابة عن اوروبا والدولة العميقة بالولايات المتحدة، بعرقلة روسيا قبل تحرير ادلب، وافساد ما تم الاتفاق عليه بين بوتين واردوغان في سوتشي، فيبدو ان ما دار بين بوتين واردوغان في سوتشي ازعج الولايات المتحدة واوروبا واسرائيل والخليج كثيرا، وما بدر من اسرائيل تجاه روسيا هو اختبار حقيقي للدولة الروسية، ولشخص فلاديمير بوتين الذي أكد مرارا وتكرارا ان روسيا عادت كدولة عظمى وانهت بذلك الاحادية القطبية، ووهو الذي استقبل نتنياهو ووصفه بالصديق مرات عديدة بين موسكو وسوتشي في أخر عامين.
فادي عيد
باحث ومحلل سياسى بقضايا الشرق الاوسط
[email protected]