تحقيقات

حرب داخلية في صحيفة جمهورييت التركية المعارضة

– يضج مقر صحيفة “جمهورييت” في اسطنبول بحركة عادية فيعمل صحافيون على مقالاتهم ويتجمع مصورون لتناول الشاي، فيما علقت على الجدار صفحة أولى لعدد سابق بعنوان “لن تتمكنوا منا”، لكن خلف هذه الواجهة يدور خلاف داخلي في أكبر صحيفة مستقلة في تركيا.

عرفت الصحيفة العريقة التي تعد من أشد منتقدي الرئيس رجب طيب إردوغان وتعرضت مرارا لمحاكمات وتهديدات، معركة داخلية ضارية أخلت صفوف أسرة تحريرها.

ففي بضعة أيام، غادر حوالى ثلاثين صحافيا، ما أثار مخاوف على مستقبل هذه الصحيفة التي تأسست قبل حوالى قرن وتعتبر معقلا لحرية الصحافة تحاصره السلطات التركية.

وبين المستقيلين بعض كبار أسماء الصحافة التركية مثل كاتب الافتتاحية قادري غورسال ورسام الكاريكاتور موسى كارت والصحافية تشيديم توكير.

وجاء هذا التحرك بعد تجديد مجلس إدارة المؤسسة مالكة الصحيفة في 7 أيلول/سبتمبر بعد صراع ضار استمر سنوات بين فصيلين.

فبعدما كان الفريق الليبرالي المؤيد لأوروبا وللقضية التركية يدير الصحيفة منذ 2013، أطاح به فصيل قومي أكثر تشددا في تمسكه بالإرث العلماني لمؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك.

وقال آيدن إنغين (77 عاما) الذي غادر “بلا أسف” قبل عشرة أيام الصحيفة التي عمل فيها أكثر من 15 عاما، متحدثا لوكالة فرانس برس “الآن يعيدون ترتيب الصحيفة على صورتهم”.

انقلاب إداري؟ 

ويرى أحمد إنسيل، المفكر الذي يحظى باحترام كبير وكان له ركن في الصحيفة منذ 2015، أن تغيير الإدارة يعني “فشل المحاولة لإقامة صحيفة منفتحة وليست منحازة لأتباع خطها السياسي”.

وبذلك تطوي “جمهورييت” حقبة ليبرالية استمرت خمس سنوات تمكنت خلالها من ترك بصماتها في الأذهان، غير أنها شهدت كذلك متاعب كبرى.

وضاعفت الصحيفة بقيادة رئيس تحريرها في 2015 و2016 جان دوندار الأخبار الحصرية فكشفت على سبيل المثال قيام أجهزة الاستخبارات التركية بتسليم أسلحة إلى فصائل في سوريا، مثيرة غضب إردوغان.

وفي خريف 2016 جاء رد السلطات قاطعا فأوقف حوالي عشرين مسؤولا ومساهما في الصحيفة، وصدرت أحكام بحق 14 منهم في نيسان/أبريل لإدانتهم بمزاولة “نشاطات إرهابية” في ختام محاكمة أثارت جدلا حادا.

بقيت هيئة التحرير صامدة ومتضامنة في خدمة قضيتها وقال أحمد إنسيل “لم تكن جمهورييت تحقق مبيعات كبرى، لكن كان لها وقع وطني ودولي كبير”.

لكن إن كان البعض في الداخل يرى في تلك السنوات “عصرا ذهبيا”، فإن أنصار التشدد في خط أتاتورك كانوا يتخوفون من التوجه الذي يسلكه الخط التحريري.

وقالت مينه كيريكانات العضو في هيئة التحرير الجديدة مبدية استياءها “أدخلوا إلى جمهورييت كاتبي مقالات لا دخل لهم بالفكر الجمهوري والعلماني”.

وهي تتهم الفريق الإداري السابق بأنه قام بـ”الترويج للقضية الكردية والترويج لليبرالية” للاستحصال على المزيد من الأموال من الاتحاد الأوروبي.

وفي مؤشر إلى عمق الخلاف بين المعسكرين، استدعى المدعي العام في محاكمة موظفي جمهورييت المتهمين بـ”الإرهاب”، عددا من زملائهم السابقين المستائين من خطهم للإدلاء بشهادتهم، ومن بينهم أليف جوشكون العضو السابق في هيئة إدارة الصحيفة والذي انتخب في 7 أيلول/سبتمبر رئيسا للمؤسسة التي تملكها.

خسارة لا توصف

ويندد الفريق الذي خرج من الصحيفة اليوم بـ”انقلاب في القيادة” بدعم من القضاء الذي تسيطر عليه حكومة إردوغان.

وجرت انتخابات مؤسسة “جمهورييت” في 7 أيلول/سبتمبر بعدما أيدت محكمة استئناف التماسا يطلب إبطال انتخابات 2013 التي حملت الليبراليين إلى رئاستها.

لكن الإدارة الجديدة تنفي أي تواطؤ مع الحكومة من أجل السيطرة على الصحيفة.

وقالت شكران سونير العضو في مجلس الإدارة الجديد والتي بدأت العمل في الصحيفة في عام 1966 إن هذه المزاعم “مقززة” مؤكدة لوكالة فرانس برس “سنواصل مزاولة صحافة بعيدة عن أي تنازلات”.

ولا تزال الحرب بين المعسكرين مستمرة، إذ يتهم المسؤولون الجدد الإدارة السابقة بهدر أموال الصحيفة من خلال دفع مبالغ طائلة لفسخ عقود قبل رحيلها، ما ينفيه المسؤولون السابقون نفيا قاطعا.

لكن المؤكد أن رحيل الأقلام البارزة من “جمهورييت” هي “خسارة لا توصف للصحافة التركية” في وقت باتت معظم وسائل الإعلام تحت سيطرة مقربين من إردوغان، على حد قول ممثل منظمة “مراسلون بلا حدود” في تركيا إيرول أونديروغلو.

وقال آيدن إنغين “لا بد أن إردوغان مسرور جدا لما يحصل في جمهورييت” مضيفا “جمهورييت كانت شوكة في خاصرته، وهذه الشوكة ضعفت”.(أ ف ب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق