السلايدر الرئيسيشمال أفريقيا
أزمة الأدوية كشفت ضعف المنظومة الصحية والتغطية الاجتماعية في تونس
– تونس – يولي التونسيون أهمية كبرى لقطاع الصحة ويعتبرونه من أكثر القطاعات الخدمية أهمية وحساسية لعلاقته المباشرة بسلامة وحياة الإنسان. ولأن الخدمات الصحية لا غنى عنها لدى كل المجتمعات فإن المجتمع التونسي عاش مؤخرا فترات من القلق والتشنج بسبب المشاكل المتعددة التي يعيشها قطاع الصحة فبجانب تردي الخدمات الحيوية في المرافق العمومية من مستشفيات وصناديق للتغطية الصحية وتدهور وضع البينية التحتية لأغلب المستشفيات زاد الوضع تعقيدا بسبب النقص الكبير الذي شهدته جل الصيدليات في الأدوية.
سرعان ما عادت الحكومة ووزارة الصحة العمومية والهياكل الصحية التابعة لها إلى بث الرسائل المطمئنة إلى الرأي العام والتي تفيد باقتراب حل أزمة الأدوية من جهة ووضع خطط استراتيجية لتحسين الخدمات الصحية من جهة ثانية. وترجع هذه الخطوة إلى ملاحظة حالة التململ والتشنج وتصاعد وتيرة التشكيات من قبل المواطنين من الوضع الصحي في البلاد والتي نقلتها وسائل الإعلام المحلية وكتبت عنها الصحف وكذلك روجتها مواقع التواصل الاجتماعي.
وتدرك الحكومة التونسية وأصحاب القرار أن الأهمية القصوى التي يوليها المواطن التونسي للخدمات الصحية والتي تأتي ضمن أولوياته في علاقته بالدولة قادرة على زعزعة استقرار البلاد وعلى تصعيد حالة الاحتقان الاجتماعي إلى أقصى درجاتها.
وفي هذا السياق أعلن الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية المكلفة بتأمين وتوزيع الأدوية في تونس، أن شحنات الأدوية تتدفق منذ عدة أسابيع بوتيرة يومية وهو ما أدّى إلى تحسن ملحوظ للمخزون، مبينا أن فقدان الأدوية في الصيدليات الخاصة يعود إلى ارتباك في التزويد وتوقف تجار الأدوية بالجملة عن تزويد العديد من الصيدليات بسبب عدم خلاص مستحقاتها، في علاقة بتأخر خلاص مستحقات الصيدليات من قبل صندوق التأمين على المرض.
وأضاف المكي بأنه سيتم تشكيل لجنة بوزارة الصحة لمعالجة الاشكاليات المتعلقة بضعف تدفق الأدوية إلى الصيدليات الخاصة، لتجاوز شح الأودية وضمان حسن سير عمليات التزود والتزويد.
وترك نقص الأدوية في مختلف صيدليات العاصمة وبقية المحافظات أثرا عميقا لدى عامة الناس وصل لدى البعض إلى فقدان الثقة في الدولة وفي الحكومة وقد عبر عدد من المواطنين على ذلك بالقول بأن الدولة التي عجزت على توفير الدواء الذي يضمن سلامتهم وحياتهم لا يمكن أن تكون قادرة على تقديم خدمات وانجازات في حجم ومستوى انتظاراتهم منها وحقوقهم عليها فالحق في الحياة والصحة يظل الأول والأعظم ضمن حقوق الانسان.
من جانب آخرأشرف رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الأربعاء على اجتماع مجلس الوزراء الذي صادق على عدد من مشاريع القوانين والأوامر الحكومية، وصادق المجلس على ثلاثة بيانات تتعلّق بالوضع الاجتماعي، والخارطة الصحية وخطة وزارة الصحة في مجال توفير الأدوية واليقظة الصحية.
ويبدو من خلال هذه التوجهات الرسمية أن معالجة القطاع الصحي، الذي صار مريضا بدوره يستحق الإسعاف والانقاذ في أقرب الآجال، أن الإصلاحات ستتخذ نسقا بطيئا في انتظار تشكيل لجنة إلى أن تتكون وتتوفر لها سبل العمل لتنكب على حل مشكلات التزويد بالأدوية، والأخيرة ليست إلا محورا من بين محاور كثيرة في مجال الصحة والتي تحتاج إلى حلول عاجلة.
وبما أنه لم توضع خطة استراتيجية واضحة من حيث المراحل مضبوطة زمنيا وترتيبيا (وإلا لكانت الوزارة كشفت عنها) لذلك فإنها تكاد تقف عند حل المشكلات الطارئة والظرفية واحدة بواحدة دون اعتماد مخطط مفصل يركز على إصلاح شامل للمنظومة الصحية التونسية وينطلق من الخدمات المسداة للمواطن في المشافي العمومية والتي تعد ضرورة حياتية بدءا بالبنى التحتية إلى توفير المعدات والتجهيزات الطبية إلى توفير الموارد البشرية اللازمة وصولا إلى إصلاح نظام التغطية الصحية بما يجعل المواطن يستفيد من الأموال التي يودعها في مؤسسات التأمين.
غير أن الأسلوب المعتمد من قبل الحكومة والوزارة لا يبشر بقرب انفراج أزمة قطاع الصحة التي باتت مصدر قلق للتونسيين حيث يجد المواطن من الطبقات الفقيرة أو المتوسطة نفسه مضطرا للتعامل مع الهياكل الصحية الحكومية ومضطرا لتحمل بطء الإجراءات والاكتظاظ ومضطرا لانتظار المواعيد المتباعدة وإن كان وضعه الصحي حرجا أو خطيرا. وإن كان محظوظا قد ينجح في مقابلة الطبيب والقيام بالعيادة ليفشل في إيجاد الدواء أو في القيام بالفحوص أو صور الأشعة وغيرها التي طلبها الطبيب لأن التجهيزات في أغلب المستشفيات إما معطلة أو غير متوفرة.
وتجد الفئة ميسورة الحال أيضا نفسها في وضع لا تحسد عليه بحيث تكون أمام خيارين الأول المنظومة العمومية بسلبياتها ومعاناتها بالرغم من توفر أفضل الكوادر الطبية في مستشفياتها والثاني المصحات والعيادات الخاصة المكلفة جدا والتي بدورها لا تخلو من مشاكل متعددة.