السلايدر الرئيسيتحقيقات
مؤسسات: القتل يلاحق المعتقلين الفلسطينيين أثناء الاعتقال والتحقيق والنقل
فادي ابو سعدى
– رام الله – تنتهج سلطات الاحتلال الإسرائيلية أساليب متعددة لتعذيب الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين جسدياً ونفسياً، كأداة لقهرهم، والضغط عليهم من أجل الحصول على اعترافات، حيث يتعرض ما نسبته 95% من المعتقلين من كافة الفئات للتعذيب، وخلال هذا العام صعدت سلطات الاحتلال من انتهاجها لأساليب التعذيب لاسيما أثناء التحقيق. هذا إضافة إلى ما يستخدمه جيش الاحتلال من أساليب تعذيب وقهر للمعتقلين الفلسطينيين أثناء عملية الاعتقال والتي أدت في كثير من الأحيان إلى الشهادة، كما ويتجرع الأسرى والمعتقلين صنوف مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي خلال عملية النقل ب”البوسطة”.
التعذيب خلال عمليات الاعتقال
ووثقت مؤسستا نادي الأسير والضمير المئات من الشهادات لمعتقلين، تعرضوا للضرب أثناء عملية الاعتقال، وكان معظمها تتم من خلال الضرب بأعقاب البنادق على أنحاء متفرقة من الجسد، دون أدنى مراعاة لإصابة بعض المعتقلين بأمراض ومشاكل صحية، علماً أن عمليات الاعتقال تطال كافة شرائح المجتمع منهم الأطفال والنساء.
وقد وردت العديد من هذه الشهادات من خلال المعتقلين في مراكز التوقيف الأولى، كمركزي “عتصيون” و”حوارة”، حيث أكد العشرات من المعتقلين خلال زيارات أجراها المحامون لهم عقب عملية اعتقالهم بفترة وجيزة، بتعرضهم للضرب المبرح والتهديد أثناء عملية الاعتقال، علماً أن جزء منهم من الأطفال وكبار السن والجرحى والمرضى.
ومنذ بداية العام الحالي 2018 وثقت وتابعت المؤسسات الحقوقية استشهاد معتقلين اثنين أثناء عملية اعتقالهم، جراء إطلاق النار عليهم وتعذيبهم بالضرب، منهم الشاب ياسين السراديح من أريحا، الذي اُستشهد عقب اعتقاله في تاريخ 22/2/2018، حيث كشف شريط فيديو لحظات اعتداء جنود الاحتلال بالضرب المبرح على الأسير السراديح، فيما كشفت عملية تشريح جثمانه أنه قتل برصاصة في أسفل البطن أطلقت عليه من مسافة صفر، وفي تاريخ 18/9/2018 اُستشهد الشاب محمد الريماوي من رام الله، عقب تعرضه للضرب على يد قوات خاصة من جيش الاحتلال خلال عملية اعتقاله من منزله.
ورأت المؤسسات أن عملية اعتقال وقتل جيش الاحتلال وقواته الخاصة للمعتقلين الفلسطينيين أثناء اعتقالهم، هو استخدام مفرط للقوة، وتؤكدان على استمرار الاحتلال في سياسة إعدام الفلسطينيين خارج نطاق القانون، بغطاء كامل من الجهات السياسية والقضائية والأمنية في دولة الاحتلال. وتعتبران أن الاستخدام المفرط للقوة أثناء اعتقال الفلسطينيين بدون أن يشكّل المعتقل أي تهديد مباشر على القوة المعتقلة، يخالف قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، التي تمنع استخدام القوة المميتة ضد المدنيين حين لا يشكّلون تهديد وخطر حقيقي ومباشر، فالّلجوء لاستخدام القوة المميتة بهذا الشكل يعتبر إعداماً خارج نطاق القانون. خاصة وان الفلسطينيين في الأرض المحتلة يحملون صفة الأشخاص المحميين حسب القانون الدولي الإنساني.
التعذيب خلال فترة التحقيق
تعتبر فترة التحقيق من أكثر الفترات التي تنتهج فيها سلطات الاحتلال أساليب تعذيب جسدية ونفسية، وتبدأ من اللحظة الأولى على نقلهم إلى مراكز التحقيق، وتشمل هذه الأساليب ما يلي:
أساليب التحقيق المعتادة:
الحرمان من النوم عن طريق جلسات تحقيق مستمرة تصل إلى 20 ساعة، تقييد المعتقل أثناء فترة التحقيق، شد القيود لمنع الدورة الدموية من الوصول لليدين، الضرب والصفع والركل والإساءة اللفظية والإذلال المتعمد. بالإضافة إلى التهديد باعتقال أحد أفراد أسرة المعتقل، أو التهديد بالاعتداء الجنسي على المعتقل أو أحد أفراد أسرته، أو التهديد بهدم المنازل أو التهديد بالقتل، الحرمان من استخدام المراحيض، والحرمان من الاستحمام أو تغيير الملابس لأيام أو أسابيع، والتعرض للبرد الشديد أو الحرارة، والتعرض للضوضاء بشكل متواصل، والإهانات والشتم والتهديد وغيرها.
أساليب التحقيق العسكري: هي أساليب تستخدم في حالات تسمى “القنبلة الموقوتة” ومبررة قانونياً تحت شعار “ضرورة الدفاع” ومنها: الشبح لفترات طويلة، حيث يتم إجبار المعتقل على الانحناء إلى الوراء فوق مقعد الكرسي مما يسبب آلام ومشاكل في الظهر، أو الوقوف لفترات طويلة مع ثني الركب وإسناد الظهر على الحائط، كما يتم استخدام أسلوب الضغط الشديد على مختلف أجزاء الجسم، بالإضافة إلى الهز العنيف والخنق بعدة وسائل وغيرها.
ظروف الاحتجاز:
يوضع المعتقل لفترات طويلة في الحبس الانفرادي في زنازين صغيرة خالية من النوافذ وباردة جداً، كما ويحرم من النوم ومن الحق في الحصول على أدوات النظافة الأساسية والطعام والشراب النظيفين.
ومن ضمن الحالات التي جرى توثيقها خلال عام 2018 لمعتقلين تعرضوا للتعذيب أثناء التحقيق في معتقلي “المسكوبية” و”عسقلان” الأسرى: عمر الكسواني، ووسام ربيع، ويحيى علوي، وإسلام دار طه، وإسلام أبو حميد إضافة إلى الأسيرة لمى خاطر.
الأسير عمر الكسواني:
اُعتقل الشاب عمر حسن الكسواني في تاريخ السابع من آذار 2018 على يد قوات “المستعربين” من داخل حرم جامعة بيرزيت، ومن خلال زيارات أجراها المحامون أكد الكسواني في شهادة له أنه تعرض للضرب على كافة أنحاء جسده أثناء عملية اعتقاله، واستخدم جنود الاحتلال عصا كهربائية لضربه، إضافة إلى أيديهم وأرجلهم، وخلال تواجده في السيارة العسكرية تعمدوا استخدام كلمات بذيئة بحق عائلته، وتابعت سلطات الاحتلال تعذيبه داخل التحقيق في معتقل “المسكوبية” من خلال احتجازه في زنزانة ضيقة تنتشر فيها الحشرات، إضافة إلى التحقيق المتواصل معه لساعات تصل إلى (18) ساعة يومياً، وحرمانه من النوم، وتقييده بكرسي طوال الوقت، وإحضار والدته للضغط عليه؛ بالمقابل فقد واجه الأسير التعذيب بالإضراب عن الطعام والذي استمر لأكثر من أسبوعين.
الإطار والتحليل القانوني للتعذيب والمعاملة الحاطة من الكرامة في القانون الدولي
جاء حظر التعذيب في المواثيق والمعاهدات الدولية قاطعاً لا لبس في تأوليه، ولم يكن التحريم الدولي للتعذيب وليد الصدفة، بل كجهد دولي تراكمي للعمل على إنهاء التعذيب وتحريمه. وقد شكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948 النواة الأساسية لحظر التعذيب على المستوى الدولي، وكافة أشكال المعاملة القاسية والحاطة من الكرامة، حيث نصت المادة الخامسة منه على أنه “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”. وتتضمن، أيضاً، كل من اتفاقيات جنيف للعام (1949) وبروتوكوليهما الإضافيين للعام 1977، عدداً من الأحكام التي تحظر على نحو قاطع المعاملة القاسية والاعتداء على الكرامة، وهو محظور، أيضاً، بموجب الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة والمهينة (1984)، التي دخلت حيز النفاذ في العام 1987، والتي حثت كل دولة طرف أن تتخذ إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعالة، أو أي إجراءات أخرى لمنع التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها.
على الرغم من الحظر الشديد والمطلق، وبخاصة بموجب المادة (2)2 من اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها دولة الاحتلال في 3 تشرين الأول للعام 1991، فإن الممارسة العملية تعكس واقعاً مغايراً يتمثل بانتهاج سلطات الاحتلال الإسرائيلي التعذيب كوسيلة شبه اعتيادية لانتزاع الاعترافات.
إن أفراد المنظومة الأمنية لدى الاحتلال لا يزالون يساومون على حقوق الأفراد المتمثلة بحقهم في سلامة جسدهم، وصون كرامتهم، والتذرع بقانونية هذه الأعمال استناداً إلى قرار المحكمة العليا للاحتلال، الصادر في العام 1999، وهذا القرار الشهير قضى بأن التعذيب قد مورس فعلاً من قبل أجهزة الأمن، وجهاز المخابرات العامة (الشاباك).
وقضت المحكمة بعدم مشروعية هذه الممارسات إلا أن القرار حمل استثناء على ما لا يجوز تجزئته أو استثناؤه، بإعطاء الضوء الأخضر للأجهزة الأمنية بممارسة ما وصفته بـ”ضغط جسدي معتدل” في حالة الضرورة المنصوص عليها في البند (34/1) من قانون العقوبات الإسرائيلي للعام 1977.
وأوصت مؤسستا الضمير ونادي الأسير بضرورة وجود ملاحقة قانونية ونظام استحقاق قضائي بحق مرتكبي جرائم التعذيب، وتطال المسؤولية ليس من يمارس التحقيق بشكل فعلي فحسب، بل كل من له يد بالتعذيب، من خلال إصدار الأوامر أو العلم بممارسات التعذيب والمعاملة اللاإنسانية وغض الطرف عنها. إضافة إلى إيجاد نظام تعويضات مادية ومعنوية للضحايا بناء على المادة (75) من نظام روما الأساسي، والمادة (14) من اتفاقية مناهضة التعذيب، إضافة إلى نظام حماية فعال يضمن حق المعتقل في سلامة جسده وحريته بالإفصاح عما تعرض له دون تعرضه لأي خطر من أي جهة أخرى.
كما وأكدتا على ضرورة قيام مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية بإعداد تقرير ظل، حول موضوع التعذيب في مراكز التحقيق، وذلك قبل المراجعة الدورية لدولة الاحتلال أمام لجنة الأمم المتحدة ضد التعذيب في العام 2020.