تحقيقات
أيزيديات يحلمن بحضن عائلاتهن بعد فرارهن من قبضة تنظيم داعش
ـ حقل العمر ـ بين آلاف الأشخاص الذين فروا خلال الأسابيع الماضية في شرق سوريا من مناطق سيطرة تنظيم داعش، نساء أيزيديات أمضين سنوات مضنية من العبودية والعذاب، ولا يطمحن اليوم إلا الى العودة الى أحضان عائلاتهن.
على مدى خمس سنوات وبعد خطفها من العراق المجاور، تناوب ستة إرهابيين على بيع الأيزيدية بسة حمد تمر (40 عاماً) وشرائها. قرب خطوط الجبهة في ريف دير الزور الشرقي، تقول المرأة بعينين دامعتين ووجه غزته التجاعيد باكراً لوكالة فرانس برس، “لن أنسى أبداً ما حصل”.
والتقت فرانس برس الأسبوع الماضي في المنطقة سبع أيزيديات على الأقل كنّ في عداد آلاف الأشخاص الذين خرجوا من الكيلومترات الأخيرة التي لا تزال تحت سيطرة التنظيم، على وقع تقدم قوات سوريا الديموقراطية.
وتسلط شهادات ثلاث منهن الضوء مجدداً على معاناة هذه الأقلية الناطقة بالكردية التي اعتبر التنظيم أتباعها “كفاراً”، فقتل أعداداً كبيرة منهم في العام 2014 خلال هجوم في شمال العراق حيث كان التجمع الأكبر لهم، ما أرغم عشرات الآلاف على الهرب. لكن التنظيم خطف آلاف الفتيات والنساء وحولهن الى سبايا.
في مركز لقوات سوريا الديموقراطية قرب حقل العمر، تبدو معالم التعب والإرهاق واضحة على وجه بسة، وهي ترتدي عباءة سوداء مع حجاب أحمر مرقّط. وتقول “ما حصل معنا ليس صعباً فحسب، ما حصل معنا هو الموت بذاته”.
وتروي بصوت منخفض كيف “باعها واشتراها” ستة إرهابيين خلال أكثر من خمس سنوات، تعدد أسماءهم الواحد تلو الآخر، بينهم ثلاثة سعوديين وآخر “كان يقول إنه سويدي الجنسية”.
وتضيف بينما تظهر أسنانها المحطّمة وهي تتكلّم، “كنّا نفعل كل ما يرغبون به، ننفذ كلّ ما يطلبونه. لا نقدر أن نقول لهم لا”. تضرب كفيها فتبرز أظافرها المطلية بالحناء، وتضيف بحسرة “كانوا يمارسون الجنس معنا غصباً عنا”.
تعلمت هذه السيدة اللغة العربية بعدما أجبرت على استخدامها طيلة فترة وجودها في سوريا. لم تحاول الهرب يوماً خشية التعرض لعقاب قاس، مع أن كثيرات نجحن في الإفلات من التنظيم. وتشرح “كانوا يقولون لنا إن عقاب من ستهرب ويتم الإمساك بها، أن يمارس الجنس معها رجل (مختلف) كل يوم”.
وتكرّر “لن أنسى أبداً ما حصل، كل ما أريده اليوم هو العودة إلى عائلتي”.
ملابس ملونة
في المركز ذاته المخصص للأيزيديات، تتذكر نادين فرحات (17 عاماً) كيف أوقفها أمنيو التنظيم مرتين خلال محاولتها الهرب. هي أيضا تنقلّت بين ستة من عناصر التنظيم بينهم سعوديون وتونسي.
وتروي لفرانس برس “في المرة الأولى ضربوني بخرطوم (من البلاستيك)، تركت الضربات أثرها على ظهري ولم أستطع النوم. في المرة الثانية منعوا عني الطعام ليومين”.
ورغم فرارها اليوم، تصرّ نادين على إبقاء النقاب على وجهها، بينما تفضح عيناها شعور الفرح لخلاصها. وتقول “اعتدت عليه، ما زلت غير قادرة على رفعه، لكنني سأفعل ذلك حين أصل إلى والدتي”.
وخطف التنظيم نادين من سنجار في العراق حين كانت تبلغ 13 عاماً، ونقلها الى الرقة التي شكلت المعقل الأبرز للتنظيم في سوريا حتى سيطرة قوات سوريا الديموقراطية عليها في تشرين الأول/أكتوبر 2017.
وتضيف “خلال الفترة الأولى في داعش، لم أكن أعرف كيف أمشي وأنا أرتدي تنورة” سوداء طويلة. ثم تضيف بحماس “أحب الملابس الملونة أساساً. في السابق، كنت أرتدي سروالا باستمرار، وأريد أن أعود كما كنت”.
وترتدي الفتاة في معصمها سواراً من الخرز الأبيض والأسود عليه اسم شقيقها الصغير قاسم باللغة الانكليزية. وتعبر عن اشتياقها لوالدتها التي “بقيت خمس سنوات مريضة من دوني”.
ويؤكد مسؤولون في قوات سوريا الديموقراطية أنهم يولون اهتماماً خاصاً للنساء الأيزيديات، ويعملون فور معرفتهم بخروج إحداهن على نقلها إلى مركز خاص تمهيداً للتواصل مع عائلتها ونقلها إليهم.
وتقول المتحدثة باسم وحدات حماية المرأة الكردية نسرين عبدالله “تم تحرير عدد من الفتيات الأيزيديات خلال معارك دير الزور” لم تحدد عددهن.
وفي الفترة الممتدة بين العامين 2015 و2018، تسلّمت الوحدات 129 امرأة خلال المعارك ضد التنظيم.
وتقول عبدالله لفرانس برس “نحن نقاوم ونقاتل داعش لنحرر المزيد من المختطفين والأسرى، لا الأيزيديات فحسب”.
ولا تزال العديد من الأيزيديات موجودات في آخر مواقع التنظيم، وبينهن بنات عم نادين اللواتي أنجبن أطفالا من عناصر في التنظيم.
“أنقذت اطفالي”
في مستشفى قريب، ترافق صبحة حسن (30 عاماً) ابنتها ليندا (10 سنوات) لعلاج حروق في رجلها جراء سقوط إبريق الشاي عليها.
وخرجت هذه السيدة من آخر جيب للتنظيم المتطرف برفقة ستة أولاد، خمسة أنجبتهم من زوجها الأول الذي قتله التنظيم خلال هجوم سنجار، وطفلتها (عام ونصف العام) التي أنجبتها من إرهابي كردي يتحدر من كركوك أجبرها على الزواج به.
وتروي صبحة التي ارتدت عباءة سوداء وحجاباً أصفر اللون، كيف كان همها الوحيد حماية أطفالها خلال السنوات الماضية. وتقول إنها تعرضت لضرب شديد من زوجها الذي أمضى 15 عاماً من حياته في بريطانيا.
وتقول باللغة الكردية “كل ما كنت أفكر به هو الهرب من هنا، ومتى سأذهب إلى أهلي. كنت خائفة من أن اموت من دون رؤية أمي أو أخي لم أعد أرى بوضوح من كثرة البكاء”.
وتضيف “كان يهددني بقتلي وقتل أطفالي.. كنت أتمنى موته لأهرب”.
وقتل زوجها في قصف على بلدة الباغوز. بعد أسبوعين من ذلك، وجدت هذه السيدة ذات الوجه الشاحب الفرصة سانحة، ففرّت مع اولادها.
وتقول “أريد أن أعود إلى أهلي.. لكن أكثر ما أنا سعيدة به هو أنني أنقذت أطفالي”. (أ ف ب)