أقلام يورابيا

مؤامرة القيادة الفلسطينية على نفسها

أحمد المصري

أحمد المصري

كنت في واشنطن مطلع الصيف الذي انقضى الآن، وكنت كصحفي مهتم بالشأن الفلسطيني قد رتبت مواعيد عدة في العاصمة الأمريكية، من بينها مواعيد في مكاتب الشرق الأوسط المعنية في وزارة الخارجية الأمريكية.

ببساطة، سألت كل من قابلته هناك، في داخل مبنى وزارة الخارجية الأمريكية، وخلف مكاتبهم كمسؤولين على رأس عملهم، عن “صفقة القرن”، فكان الجواب الذي تلقيته أنه لا يوجد من تلك الصفقة أي أوراق او مستندات تثبت وجودها وأنها ليست أكثر من حديث يتداوله الإعلام ويلتقطه السياسيون.

كفلسطيني، سأتحدث بصراحة… لا يوجد أكثر من الفلسطيني في العالم ضحية حتى لنفسه، فهو مستعد أن يتقبل فكرة فانتازية تثبته كضحية مؤامرة مستمرة على الدوام، ولو مرت فوق الفلسطيني “المسيس” غيمة بيضاء عابرة بالصدفة، لتحدث عنها كمؤامرة إمبريالية غربية او حتى عربية أفرغت الغيمة من مياهها قبل ان تصله خاوية.

ببساطة… لا أحد يمكن له أن يتآمر على الفلسطيني أكثر من قياداته التي تاجرت به وبقضيته طوال سبعين سنة.

ولا نحتاج إلى أدلة اليوم لإثبات ذلك، فيكفي نظرة بسيطة بدون جهد في التفكيك والتحليل لنكتشف إلى أي مآل وصلت القيادات الفلسطينية في سلطتها المنتهية الصلاحية في الضفة، او في “الحكم المقدس باسم الله” في غزة لتعرف أي مؤامرة تلك التي يتحدث عنها الجميع.

“صفقة القرن” ربما كانت هي تلك الصفقة الشيطانية التي قايضت فيها القيادات روح القضية مقابل التنعم بعائدات التجارة فيها… تلك صفقة كل القرون بلا أدنى شك.

تاريخيا… كان الفلسطيني “السياسي” هو المتآمر على نفسه وشعبه، مثل ذلك المسكون بهوس العروبة القومية حد استهبال مصالح شعبه، فأطلق الفلسطيني الرصاص على قدمه عندما وقف موقفا ساذجا في غزو صدام حسين للكويت.

ثم أطلق الفلسطيني رصاصة أخرى على قدمه الثانية في أوسلو، متوهما أو “موهما شعبه” أن التنازل عن 90% من جغرافيته يفضي إلى دولة فلسطينية مستقلة، فانتهينا إلى كانتونات لا يجمعها كيان بلدي واحد.

كان الفلسطيني تاريخيا دوما يطلق الرصاص على قدميه واطرافه ويدعي تعرضه للمؤامرة، في بيروت 82 أطلق الرصاص على نفسه، وركب البحر وصرخ في وجه المؤامرة التي افترضها “يا وحدنا”، وفي الأردن بالسبعينات أطلق الرصاص على نفسه وعلى غيره معتقدا بأن هناك مؤامرة .

الفلسطيني مدمن على انتقاد كل شيء حوله، عقدة “النقد الهدام” تضخمت لديه حتى تعملقت على شكل هوس وهستيريا وفوبيا تتعلق بتلك المؤامرة.

واليوم، يضع الفلسطيني “السياسي والشعبي” كل اللوم على مؤامرة “صفقة القرن”… صفقة لا توجد أساسا، بل ما يوجد هو سياسات مصالح تنتهجها دول طبيعية تبحث عن مصالحها في صفقات اخر همها القضية الفلسطينية، وبالونات اختبار تطلقها الادرات الامريكية المتعاقبة لتعرف الى اي مدى يمكن لذلك الفلسطيني “السياسي” الزاحف نحو التنسيق الامني المقدس ان يتنازل وهو نفسه من اكل مصالحه في تنفيعات ودولة مثل هيكل عظمي نخره الفساد وتصاريح عبور “في اي بي”.

نحن لا نتحدث عن فصيل بعينه بقدر ما نتحدث عن كل الفصائل والاحزاب التي اعتاشت من وعلى عذابات هذا الشعب المغلوب على امره من قيادات اختطفت القضية الفلسطينية لمصالحها الشخصية والحزبية او لمصالح دول اقليمية ولا نستثني منهم احدا، لا حل للفلسطيني الا خروج تيار مدني يبني دولة مواطنة حقيقية ويعترف بالواقعية السياسية في هذا الوقت الحرج الذي تمر به القضية بدون اوهام، ويقتلع فساد المسؤولين وابنائهم والمقربين منهم لينتشل الشعب الفلسطيني من هذا الاختطاف الذي طال امده.

لا نلوم إلا أنفسنا إن لم نستيقظ على واقعنا… ولترحل أيها الفلسطيني القائد والمحتال مرة واحدة وإلى الأبد لنعيد لقضيتنا استقلاليتها، بعيدا عنك، فأنت نفسك المؤامرة.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق