الصفعات تتوالى على المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل. فبعد الخلاف الذي عصف بالائتلاف الحاكم في الأسبوعين الماضيين، وحالة الغضب الشعبي والسياسي على قرار تعيين رئيس الاستخبارات الداخلية في منصب أعلى أجراً، بعد إقالته من منصبه، جاءت الصفعة الثانية للمستشارة من داخل حزبها. فقد انتخب أعضاء البرلمان عن الاتحاد المسيحي المرشح، رالف برينكهاوس المنافس لمرشح ميركل وزيهرف، فولكر كاودر لرئاسة الكتلة البرلمانية في البونديستاغ. انتخاب اعتبره الكثيرون بمثابة إشارة بعدم الرضا عن سياسة ميركل الحالية.
تولى كاودر، المقرب من ميركل وعلى مدى 13 عاماً رئاسة أكبر كتلة برلمانية، ولكن هذه الخبرة الطويلة والدعم المباشر من المستشارة ووزير داخلتها، رئيس الحزب البافاري، إلا أن مرشحاً لم يكن معروفاً في الشارع الألماني تمكن من كسب ثقة البرلمانيين من الاتحاد المسيحي، رغم إعلان كل من ميركل وزيهوفر عن دعمهما لكاودر في هذه الانتخابات الداخلية، والتي جرت بطريقة سرية.
هذه المرحلة تذكر بالفترة الأخيرة لحكم المستشار الأسبق، وملهم ميركل السياسي، هيلموت كول. هذا المستشار الذي حكم لستة عشر عاماً متتالية، ولكن السنوات الأربع الأخيرة كانت بمثابة بداية النهاية لعهد كول. ومع ذلك أصر المستشار المخضرم على مواصلة الحكم والاحتفاظ بالمنصب، معلناً في مؤتمر الحزب المسيحي الديمقراطي، الذي عقد في مدينة لايبزيغ في أكتوبر 1997 الترشح من جديد لمنصب المستشارية. خطوة بدأ بعدها التململ يظهر داخل الحزب، خاصة وأن استطلاعات الرأي كانت تشير إلى تقدم الاشتراكيين الديمقراطيين على الاتحاد المسيحي، هذا إضافة إلى المطالبات الداخلية بضرورة التغيير والتجديد.
هيلموت كول ضمن السلطة للاتحاد المسيحي على مدى ستة عشر عاما، في المقابل استطاعت ميركل ضمان هذه السلطة لثلاث عشرة سنة متتالية، ولكنها بدأت تفقد بريقها وسيطرتها على الأمور. فبعد أن تمكنت في السابق من إزاحة كل منافسيها المحتملين لمنصب المستشارية بذكاء كبير، إما بتعيينهم في مناصب قيادية أو اقتراحهم لمنصب رئيس الجمهورية، كما حصل مع الرئيس الأسبق كريستيان فولف، والذي شكل منافسة حقيقية للمستشارة، إلا أنها الآن لم تعد قادرة على مواجهة خصومها الداخليين، والذين لا يتوانون عن إظهار امتعاضهم من المستشارة.
ميركل، والتي صنفت في العامين الماضيين على أنها المرأة الأقوى في العالم، منيت هذه الأيام بهزيمة، وصفتها وسائل الإعلام الألمانية بالكبيرة. فهزيمة مرشح ميركل في رئاسة الكتلة البرلمانية، فولكر كاودر صفعة للمستشارة وسياستها، وهو ما بدا واضحاً عليها خلال المؤتمر الصحفي، والذي أعلنت فيه صراحة عن الخسارة قائلة: “الديمقراطية تحتم علينا تلقي الخسارة أحيانا.” إذا هي خسارة فعلا، لأن ميركل تعلم أن كاودر كان مقرباً منها وكان يدافع عن سياستها. ورغم إعلان برينكهاس عن دعمه للحكومة والمستشارة ميركل، إلا أن انتخابه يعتبر بمثابة هزة داخلية لميركل تسبق العاصفة، التي قد تطيح بها من عرش السلطة في أكبر اقتصاد أوروبي، وواحداً من أكبر الاقتصاديات في العالم.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فمعظم وسائل الإعلام اعتبرت عدم انتخاب كاودر بمثابة هزيمة واضحة لميركل ومطالبة غير مباشرة لها بالتنحي. أما رئيس الحزب اللبرالي، كريستيان ليندنر فقد طالبها بتقديم طلب للبرلمان من أجل التصويت على الثقة، معتبراً أنها خسرت ثقة حزبها، وبالتالي أيضاً ثقة البرلمان.
في المقابل يجب أن لا ننسى أن كل هذه الانتكاسات تأتي في وقت تتراجع فيه شعبية الأحزاب التقليدية، بما فيها حزب المستشارة، المسيحي الديمقراطي لصالح اليمين المتطرف. فقد أشارت استطلاعات الرأي الأخيرة إلى بلوغ حزب البديل من أجل ألمانيا المركز الثاني خلف الاتحاد المسيحي، ومتقدماً على الحزب الاشتراكي، الشريك في الحكم. وهذا يجبر هذه الأحزاب على التمسك بالحكم، خوفاً من خسارة موجعة قد تمنى بها في حال أجريت انتخابات برلمانية مبكرة.
ومن هنا ستبقى الأيام والأسابيع القادمة كفيلة بإثبات مدى قدرة ميركل على مواصلة حكمها حتى نهاية هذه الفترة البرلمانية.