بعد زيارة لم تستغرق سوى ساعات قليلة جدا لولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان للكويت، ثم الاستغراق فى ساعات اطول فى تصريحات من الجانب الكويتي وفى المقدمة وزارة الخارجية الكويتية التى اصدرت بيان رسمي للتأكيد و”الحلفان” على أن زيارة السعودي للكويت لم تفشل كما يتردد فى الشارع الخليجي، أعلنت الكويت تعليق تصدير النفط الخام للولايات المتحدة، وهو الامر الذى لم يحدث منذ 26 عاما اي منذ عاصفة الصحراء، كي تحتل السعودية مكان الكويت من حيث صادرات النفط إلى الولايات المتحدة، حيث بلغت الشهر الماضي أكثر من مليون برميل يومياً، وكي يتم التمهيد لاحتلال الكويت مكان ايران مستقبلا فى سوق النفط الاسيوي حال فرض موجة عقوبات أشد قسوة من الولايات المتحدة عليها 4نوفمبر القادم، بعد أن حولت الكويت وجهتها من الولايات المتحدة إلى السوق الآسيوي بعد ان سلمت السوق الامريكي للسعودي وحده.
فالسوق الاسيوي يستحوذ على 80% من صادرات النفط الكويتي، ويتم تداول نفطها عالي الجودة في الأسواق الآسيوية بسعر 80 دولار للبرميل.
وفى صباح يوم 2أكتوبر نقلت وكالة الأنباء الكويتية “كونا” عن مؤسسة البترول الكويتية، أن “التعاقدات النفطية مع الأسواق الأمريكية ما زالت قائمة باعتبارها من الأسواق الاستراتيجية الهامة”، ووصفت هذه التقارير “بغير الدقيقة، بعد ساعات من الاخبار والتصريحات المتناقضة لكافة وسائل الاعلام الكويتية الرسمية.
ومن تلك المشاهد نفهم ما جد وطرأ على السياسة الخارجية للكويت مؤخرا بعد أن تعرضت لضغوط قوية، وكيف تغيرت بوصلة السياسة الخارجية الكويتية التى كانت الاقرب لسياسة سلطنة عمان، وكانت تعمل دوما على لعب دور الوسيط فى اي خلاف خليجي كما حدث فى مقاطعة الرباعية العربية لقطر، وكذلك عدم الانخراط فى ازمات لبنان والعراق والحرب السورية أكثر من ذلك برغم محاولات السعودية للزج بها فى تلك المستنقعات.
والبداية جاءت بعد أن ذهب امير الكويت لاجراء فحوصات طبية بداية الشهر الماضي بالولايات المتحدة، وإذ بمكتب الرئيس دونالد ترامب يبلغ الامير صباح الاحمد بموعد مع الرئيس الامريكي يوم الاربعاء 5 سبتمبر الماضي، وهو اللقاء الذى لم يستمر بين ترامب (الذى كان منذ شبابه وحتى أثناء ترشحه لرئاسة الولايات المتحدة يراهن على تعويض كل ما خسرته الولايات المتحدة فى الشرق الاوسط منذ غزو العراق2003 على حلب البقرة الخليجية وبالاخص الكويتية والسعودية) وبين الأمير الكويتي سوى دقائق قليلة، كان مفاد اللقاء طلب الامريكي من الكويتي فسخ عقود وقعت مع شركات صينية واستبدالها بشركات امريكية.
وبعدها بـ 48 ساعة جاءت كلمة نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجارالله خلال جلسة مجلس الأمن 7 سبتمبر الماضي على نفس لهجة اللسان الغربي الذي يحذر من اى عمل عسكري ضد الارهابيين بأدلب، كي يرد عليه بشار الجعفري مذكرا الجار الله بأن بلاده كانت ترسل منذ 2011 ارهابيين لسوريا التى أرسلت سابقا جيشها لتحرير الكويت، قبل أن يختم كلامه الموجه للكويت فى تلك الجلسة، قائلا: “لقد قلتم إننا أشقاء، أي أشقاء، قابيل وهابيل ليسا كذلك”.
وعلى نفس المنوال جاءت مؤخرا تغريدة رئيس تحرير صحيفة “السياسة” الكويتية، عندما غرد أحمد الجار الله على موقع تويتر شاكرا طالبا من نتنياهو قصف جنوب لبنان.
فحقيقة الامر سبب زيارة بن سلمان للكويت لم يكن من أجل مناقشة المقاطعة المتناقضة مع داعمة الارهاب قطر، ولا حتى بحث تفعيل الناتو السني بعد الدعم الامريكي الاسرائيلي الاخير له، فكما كان حقلي الوفرة والخفجي كانوا كلمة السر فى المشهد بين الكويت والسعودية مايو 2015، كذلك حرب الاقتصاد والطاقة الان التى تعدها واشنطن وينفذها صديق جاريد كوشنر الصدوق فى المملكة الان قبل الدخول فى مرحلة الحرب العسكرية مستقبلا.
نعم كان النفط والغاز سببا لما نحن فيه الان منذ سنوات، وهو ايضا السبب لما هو قادم ويعد للمنطقة، فكل تلك المشاهد ومن قبلهم حرب الخليج الاولى والثانية لا أستطيع قراءتها بمنأى عن جملتين غاية الخطورة لثعلب السياسة الامريكية هنري كسنجر.
الاولى كانت بعام 1974عندما قال: “على الولايات المتحدة التدخل لتصحيح العدالة الالهية التى وضعت النفط بعيدا عن مناطق الصناعة والتكنولوجيا”، وقد عمل المركب الصناعي العسكري الامريكي على تنفيذها وقد كان.
والثانية كان حوارا أجراه عام 2012 مع صحيفة ديلي سكويب الأميركية حينما قال:
“إن إيران هي ضربة البداية في الحرب العالمية الثالثة فلقد أبلغنا الجيش الأميركي أننا مضطرون لاحتلال سبع دول في الشرق الأوسط نظراً لأهميتها الاستراتيجية لنا خصوصاً أنها تحتوي على البترول وموارد اقتصادية أخرى ولم يبق إلا خطوة واحدة، وهي ضرب إيران وعندما تتحرك الصين وروسيا من غفوتيهما سيكون الانفجار الكبير والحرب الكبرى التي لن تنتصر فيها سوى قوة واحدة هي إسرائيل وأميركا، وسيكون على إسرائيل القتال بكل ما أوتيت من قوة وسلاح لقتل أكبر عدد ممكن من العرب واحتلال نصف الشرق الأوسط، فطبول الحرب تدق الآن في الشرق الأوسط وبقوة ومن لا يسمعها فهو بكل تأكيد أصم”.
باحث ومحلل سياسي بشؤون الشرق الاوسط
[email protected]