أقلام يورابيا

بعد الثورة في تونس: أين الدولة؟

ليلى العياري

كان الأسبوع الماضي محتدما بالأحداث واللقاءات التي التقيت فيها معارف وأصدقاء من نخب الإعلاميين والمثقفين والناشطين في العالم العربي.

كان السؤال العام كالعادة ( ما الذي جرى في تونس؟) وهو سؤال عام يسمعه كل تونسي من أكبر سياسي حتى سائق السيارة وهو يتلقاه من راكب زائر يعبر عن دهشته بما يراه من تراجع في كل شيء.

لكن، السؤال الأكثر دقة كان من إعلامي عربي صديق، التقيته في تونس وقد وضع السؤال في إطار أكثر تحديدا حين قال لي: (أين أخطاتم بالضبط؟).

سؤال بسيط يجبرني حين أتلقاه ان أتأمل قليلا بعمق في رؤية بانورامية سريعة لكل ما حدث، لأحدد أجابتي وأعرف (أين أخطأنا بالضبط؟). هل كانت ثورتنا على الاستبداد أم انزلقنا في مؤامرة على الدولة التي بنيناها منذ الاستقلال؟ ما هو الخط الدقيق والفاصل بين النظام الذي قمنا بالثورة عليه والدولة التي حاولنا استعادتها منه فخربناها؟

الاتهامات عملية سهلة، وتوجيهها نحو اي كان في مرحلة الوقت الضائع التي نعيشها ليست اكثر من مناورات سياسية خاطئة لا تخدم احدا..

سؤال الصديق الإعلامي استوقفني لأضبط نفسي وأدعو بالمقابل إلى وقفة ضبط نفس وطنية سريعة وفاعلة، نراجع فيها ذاتنا الوطنية ونسأل أنفسنا في حوار وطني شامل (أين أخطأنا؟)، لنبحث بعدها عن الموجود بين أيدينا من إنجازات حققناها كتونسيين منذ الاستقلال، وما تم تخريبه قبل الثورة وبعدها.

في الاقتصاد، قمنا بثورة على مؤسسة فساد؟ هذا صحيح إلى حد ما، لكن هل غيرنا الوجوه فقط أم أننا فعلا اجتثثنا الفساد وعطلنا مؤسسته؟

كان لدينا ناتج محلي مرتفع والأرقام لا تكذب ولا تجامل أحدا، فأين نحن من تلك الأرقام بعد ثورة تأملنا فيها إنجازات إقتصادية أكبر؟

في التعليم، هل انحدرنا أم تقدمنا؟ والجواب واضح على أرض الواقع في ظل كل تلك الفوضى بالرؤية؟

في الصحة، هل نحن مدركون حجم الكارثة التي نحن فيها؟

في البؤس العام الذي يلف التونسيين وقد فقدوا كثيرا من الأمل حتى صاروا يعلنون جهارا أنهم في حالة حنين لما قبل الثورة!! لم قمنا بالثورة إذن؟

المهللون للثورة لا يزالون أسرى أوهامهم أو منزلقون في سكة من ضباب، والمنادون بالانكفاء هم رهائن على ذمة المصالح التي لن تعود ويحاولون التمسك بها على أمل التنفع.

لا طريق إلا الواقعية، والواقعية تقول أن نواجه انفسنا بصراحة و نعيد ترتيب أولوياتنا الوطنية وحساباتنا بما لدينا وهذا يتطلب إرادة سياسية تتجاوز لعبة القفز بين الحزاب وتدوير الكراسي والشخوص ومتوالية الانشقاقات الحزبية والسياسية والاستقطابات العبثية.

الواقعية تتطلب ان نكون اكثر جرأة من خلال حوار وطني لا نجوم سياسة فيه، ولا أبطال من ورق صنعناهم كأصنام ووضعناهم امامنا أيقونات ثورية نتغزل بها.

تونس أكبر من الجميع، وتاريخها صنعه التونسيون بكل حلوه و كافة مرارته.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق