السلايدر الرئيسيشمال أفريقيا
تونس: الجريمة تتجاوز الخطوط الحمراء أمام عجز رسمي عن التصدي لها
– تونس – حالة من التوجس والحيرة طغت على الشارع التونسي بعد الانتشار الواسع واللافت للجريمة بأنواعها في جميع أنحاء البلاد. وبات التونسيون مندهشين ليس فقط لتصاعد منسوب الجريمة بل أيضا لنوعية الجرائم من حيث درجة الوحشية خصوصا في جرائم الاغتصاب والقتل ومن حيث تزايد عددها في الوسط العائلي. حالة تقرع لها نواقيس الخطر واكبتها محاولة الجهات الأمنية للتصدي للظاهرة والحد منها غير أن بلوغ هذا الهدف لا يقف عند المؤسسة الأمنية بل يتطلب، بحسب الخبراء في علم النفس وعلم الاجتماع، تظافر جهود كل القوى من أجل تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للقضاء على أسبابها.
وتيرة الجرائم في تونس أصبحت متسارعة ويومية، سرقة وعنف شديد واعتداءات بأنواعها واختطاف واغتصاب وقتل.. نسق بات يؤرق التونسيين ويحرمهم الشعور بالاطمئنان والأمان سواء في الشارع أو في بيوتهم، حالة من الخوف على النفس وعلى العائلة وخصوصا على الأبناء والنساء كونهما الفئتين الأضعف والأكثر استهدافا من قبل المجرمين. وتحولت بعض الجرائم إلى قضايا رأي عام لغرابتها على المجتمع التونسي لفظاعتها ولأن بعضها بلغ درجة من الوحشية لا يمكن تفسيرها ومن بينها حوادث الاغتصاب كاغتصاب طفلة في عمر 3 سنوات من شاب متزوج حديثا، واغتصاب عجوز وقتلها في محافظة القيروان وافتكاك مراهقة من أيادي جدتها وأمها وتعنيف الأخيرتين لتلقيا حتفهما بعد أيام من جراء الإصابات الخطيرة…
كما لم تكن الجرائم في الوسط العائلي كقتل أحد الوالدين أو الاعتداء بالعنف الشديد عليه أو قتل أحد الأشقاء أو أحد الزوجين أو الأبناء بنفس التواتر والحجم الذي بلغته في السنوات الأخيرة وهو ما يرجعه علماء الاجتماع إلى تغير النظرة إلى الأسرة وتراجع قيمتها كمؤسسة مقدسة بالنسبة للفرد بحيث تكون مصدر الأمن والعاطفة والتربية، وهو ما يتظافر مع بقية أسباب الجرائم خارج الوسط العائلي ليبلغ هذه الدرجة من الحدة والخطورة.
ومنذ أيام قليلة صرح الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للأمن الوطني في تونس، العميد وليد حكيمة، بأن معدل الجريمة خلال الستة أشهر الأولى من 2018 ارتفع بنسبة 20.9 بالمئة، مقارنة بنفس الفترة من عام 2017، مضيفا أنه تم خلال الفترة الأولى من 2018، تلقي 106 آلاف قضية مقابل 88 ألف قضية خلال نفس الفترة من عام 2017. وأكد حكيمة أن جرائم العنف ارتفعت أيضا بنسبة 12 بالمئة خلال نفس الفترة.
وورد في التقرير السنوي لمؤشر الجريمة العالمي الذي نشره موقع موسوعة قاعدة البيانات “ناميبو” أن تونس تحتل المرتبة 10 عربياً و53 دولياً من مجموع 125 دولة في ارتفاع نسبة الجريمة في العام 2017، وتشمل الجريمة القتل والسطو والسرقة والاغتصاب، وطبيعي أن يتوقع المختصون أنه مع الارتفاع الحاصل في الأشهر الأولى من العام الحالي سوف تقفز تونس مراتب إلى الأمام في مجال الجريمة.
ويرى مختصون في علم الاجتماع أن ارتفاع معدل الجريمة والعنف لا يحدث من فراغ بل إن لديه أسبابه وتفسيراته والتي يأتي في أعلى هرمها المناخ السياسي المضطرب والعنيف والذي أدخل التشاؤم إلى نفوس التونسيين وخلق لدى الشباب (بما أنهم الفئة الأكثر عدديا والأكثر ارتكابا للجرائم أيضا) شعورا بالضياع رافقته حالة من اليأس بسبب الفقر والبطالة والتهميش وغياب الرؤية المستقبلية الواضحة. وبما أنه لا يمكن فصل السياسي على الاقتصادي والاجتماعي فإن الظروف الاجتماعية والاقتصادية تلعب هي الأخرى دورا هاما في تصاعد منسوب الجريمة.
وتقول الدراسات الاجتماعية أن فقدان الاستقرار الأسري والمجتمعي والأمان الاقتصادي يدفع الناس بالضرورة إلى ارتكاب مختلف أنواع الجرائم فالفقر واليأس والنقمة تولد ضغوطا وأمراضا نفسية ينتج عنها ردود فعل عنيفة تترجم في شكل جرائم مع الأخذ بعين الاعتبار انعدام الإحساس بالخوف من الجهات الأمنية ومن العقوبات القانونية والفساد الذي يقف وراء ارتفاع معدلات استهلاك المواد الكحولية والمخدرة التي بات الحصول عليها سهلا ومتاحا بسبب الاضطرابات الأمنية والسياسية التي تعيشها البلاد والتي أثرت على أداء الجهات الأمنية بالرغم مما حققته من نجاحات في هذا المجال.
من جانب آخر يثير القائمون على أجهزة وزارة الداخلية وعلى مختلف أسلاك الأمن مسألة القوانين والعقوبات السجنية التي لم تعد رادعة بالشكل اللازم فجل المتهمين والمجرمين أصبحوا يتعاطون مع العقوبات السجنية ببساطة على اعتبار أنها مؤقتة وغير طويلة، الأمر الذي جعلها غير قادرة على إخافتهم إلى درجة تجعلهم يراجعون أنفسهم قبل الإقدام على اقتراف الجرم. بالإضافة إلى تأكيد القائمين على الأمن إلى أن الحد من ظاهرة الانحراف والإجرام بصفة عامة يحتاج إلى مقاربة شاملة من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية ليتم التصدي لها بأسلوب جدي وناجع.