شرق أوسط
المحتجون في السودان يرفضون عرض العسكريين للتفاوض
ـ الخرطوم ـ رفض قادة الحركة الاحتجاجيّة في السودان الأربعاء عرض المجلس العسكري الانتقالي الحاكم للتفاوض، مطالبين بالعدالة بعد عمليّات قمع أوقعت 108 قتلى منذ الإثنين بحسب لجنة الأطباء المركزية.
وقامت “قوّات الدعم السريع”، وهي مجموعات مسلّحة يَصفها كثيرون بأنّها نسخة معدّلة لميليشيات الجنجويد المتّهمة بارتكاب فظاعات في دارفور، الإثنين بفضّ اعتصامٍ أمام مقرّ قيادة القوّات المسلّحة بالخرطوم كان يُطالب بتسليم السُلطة إلى المدنيّين.
وأعلنت لجنة الأطبّاء المقرّبة من المتظاهرين الأربعاء مقتل 108 أشخاص على الأقلّ منذ الإثنين في حملة القمع، بينهم 40 عثِر على جثثهم في مياه نهر النيل، مشيرةً إلى سقوط 326 جريحًا أيضًا جرّاء أعمال القمع.
وقد دعت منظّمة العفو الدوليّة الاتّحاد الإفريقي والأمم المتّحدة إلى “اتّخاذ خطوات فوريّة لمحاسبة المسؤولين عن هذا العنف”.
وأطاح المجلس العسكري في نيسان/أبريل الرئيس عمر البشير بعد أشهر من الاحتجاجات. وكان المجلس وافق على فترة انتقاليّة مدّتها ثلاث سنوات لتسليم السُلطة إلى المدنيّين. لكنّ رئيس المجلس الفريق أوّل ركن عبد الفتّاح البرهان أعلن فجر الثلاثاء التخلّي عن هذه الخطّة ودعا إلى إجراء انتخابات بإشراف إقليمي ودولي.
غير أنّه عاد وأبدى الأربعاء انفتاحه على مفاوضات “لا قيدَ فيها” حول مستقبل البلاد، وهو عرض سارع قادة التظاهرات إلى رفضه.
وقال أمجد فريد، المتحدّث باسم تجمّع المهنيّين الذي قاد الاحتجاجات، إنّ “الشعب السوداني ليس منفتحاً على الحوار، والشعب السوداني ليس منفتحاً على هذا المجلس العسكري الانتقالي الذي يقتل الناس، ونحن بحاجة إلى العدالة والمحاسبة قبل التحدث عن أي عملية سياسية”.
وأضاف في حديث لوكالة فرانس برس أنّ التجمّع وقوى الحرّية والتغيير “سيُواصلان استخدام كلّ الأساليب السلميّة والعصيان المدني في مواجهة المجلس العسكري الانتقالي”.
“مجزرة دموية”
وجاء الرفض بعدما أكّد نائب رئيس المجلس العسكري السوداني محمد حمدان دقلو الذي يقود “قوات الدعم السريع”، أنّ البلاد لن تنزلق إلى “الفوضى”.
وقال دقلو المعروف بـ”حميدتي” في خطاب متلفز “لن نسمح بالفوضى ولن نرجع بقناعتنا… يجب فرض هيبة الدولة بالقانون”، مشيرًا إلى ضرورة “فتح الطرق الرئيسية (وإزالة) المتاريس والطرق العرضية”.
ورغم القلق الدولي المتزايد إزاء ما يصفه المتظاهرون بـ”المجزرة الدموية”، فشلَ مجلس الأمن الدولي الثلاثاء بإدانة قتل مدنيّين وبإصدار نداء دولي ملحّ لوقف فوري للعنف في هذا البلد، وذلك بسبب اعتراض الصين مدعومةً من روسيا، بحسب ما أعلن دبلوماسيّون.
وقالت مستشفيات الخرطوم إنّها تجد صعوبةً في استيعاب أعداد الجرحى بعد فضّ الاعتصام الإثنين.
وصرّح طبيب يعمل في مستشفيين في المدينة لفرانس برس أنّ “الوضع صعب للغاية، معظم المستشفيات استقبلت أعدادًا من الجرحى أكبر من قدرتها على الاستيعاب”.
وأضاف الطبيب الذي طلب عدم كشف هوّيته “هناك نقص في العاملين الطبّيين وكمّيات الدمّ، ومن الصعب إجراء الجراحات لأنّ بعض العمليات الجراحية لا يُمكن إجراؤها إلا في مستشفيات معيّنة”.
وأضاف “من بين الجرحى أشخاصٌ في حالة حرجة، وأتوقّع أن يرتفع عدد القتلى”.
وكثّفت قوّات الأمن وجودها بعد خروج المصلّين في عدد من الأحياء لأداء صلاة عيد الفطر عقب دعوة قادة المحتجّين “الى الصلاة على أرواح الشهداء”.
وفي أمّ درمان الواقعة على الضفّة المقابلة للخرطوم من نهر النيل، شوهدت قوات الأمن تسيّر دوريات في شاحنات ثُبّت عليها ما بدا أنّها مدافع مضادة للطائرات وغيرها من الأسلحة وبينها قاذفات صواريخ.
وسط هذه التطوّرات، قالت متحدّثة باسم الأمم المتحدة الأربعاء إنّ المنظّمة الدوليّة بصدد سحب بعض موظّفيها بصورة مؤقّتة من السودان. وقالت المتحدثة إري كانكو، “نقوم مؤقتًا بنقل موظفي الأمم المتحدة غير الأساسيين، بينما تستمرّ جميع عمليّات الأمم المتحدة في السودان”.
ودانت الولايات المتحدة الأربعاء “الهجمات الأخيرة على المحتجين” في السودان ودعت الجيش إلى “نبذ العنف”.
وقالت متحدثة باسم الخارجية الأميركية في بيان “الولايات المتحدة تدين الهجمات الاخيرة على المحتجين في السودان”. وأكدت واشنطن مجددا رغبتها في عملية انتقال تقودها حكومة مدنية بهدف إجراء انتخابات في “موعد مناسب”.
وفي تحديث لتوجيهاتها المتعلقة بالسفر إلى السودان، قالت الولايات المتحدة الخميس إن السفارة مغلقة أمام الجمهور وإن المواطنين الأميركيين الذين ما زالوا موجودين هناك يجب أن “يضعوا خططا لمغادرة السودان”.
ودعت وزارة الخارجية الأميركية مواطنيها في السودان الى التزام منازلهم “أو الاحتماء في أيّ مكان آمن آخَر”، حاضّةً إيّاهم على “توَخّي الحيطة والحذر إذا اضطرّوا إلى الخروج”.
من جهتها، نصحت بريطانيا رعاياها بعدم السفر إلى السودان “بسبب تطورات الوضع الأمني” والوضع السياسي الشديد “التقلّب” في البلاد، حسبما ذكرت الأربعاء وزارة الخارجية التي ستسحب أيضا عددا من موظفيها.
وقررت بريطانيا الأربعاء استدعاء الموظفين “غير الأساسيين” في سفارتها بالخرطوم، بحسب ما جاء على الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية.
“عصيان مدني شامل”
ودعا قادة المحتجّين مؤيّديهم إلى “العصيان المدني الشامل” لإطاحة المجلس العسكري.
والأربعاء أغلق مئات السكان في شمال الخرطوم الشوارع بحواجز من الحجارة، ووقفوا بجانبها في صمت، بحسب ما أفاد شاهد عيان لفرانس برس، فيما سمِعت طلقات نارية في البعيد.
وحمّلت لجنة أطباء السودان “ميليشيات المجلس” العسكري مسؤولية “المجزرة”. واتّهمت قوّات الأمن بمهاجمة المستشفيات وموظفيها في أنحاء البلاد مشيرة إلى عمليات اغتصاب وقعت في إحدى مناطق العاصمة.
وفشل مجلس الأمن على الاتفاق على بيان وزعته بريطانيا وألمانيا خلال اجتماع مُغلق ويدعو الحكّام العسكريّين والمتظاهرين في السّودان إلى “مواصلة العمل معًا نحو حلّ توافقي للأزمة الحاليّة”، بعدما عرقلته الصين وروسيا، بحسب ما قال دبلوماسيّون.
وبعد ذلك، أصدرت ثماني دول أوروبّية هي بلجيكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا وهولندا والسّويد، بيانا مشتركا دانت فيه “الهجمات العنيفة في السّودان من جانب أجهزة الأمن السودانية ضدّ المدنيّين”.
وكتب السّفير البريطاني في الخرطوم عرفان صديق في تغريدة “المهم في هذه الأوقات العصيبة أن يتمكّن الجميع من التواصل وخصوصا لبث رسائل تدعو إلى الحفاظ على الهدوء والسلام”.
من جهتها أعلنت السعودية أنها تتابع “ببالغ القلق” الوضع في السودان، مؤكّدةً أهمّية “استئناف الحوار بين القوى السودانية المختلفة لتحقيق آمال وتطلعات الشعب السوداني الشقيق”، كما جاء في بيان رسمي نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية الاربعاء.
من جهتها قالت وزارة الخارجيّة الأميركيّة إنّ المسؤول الثالث في الوزارة ديفيد هيل بحث الثلاثاء في الأوضاع السّودانية مع الأمير خالد بن سلمان، نجل العاهل السعودي ونائب وزير الدفاع. وأوضحت المتحدّثة باسم الوزارة مورغان أورتاغوس في بيان أنّ هيل “ذكّر بأهمّية الانتقال إلى حكومة مدنيّة وفقًا لإرادة الشعب السوداني”. (أ ف ب)