السلايدر الرئيسيشرق أوسط
إسرائيل تبحث عن حماية أمريكيّة لمواجهة الـ “إس 300” والبنتاغون يشكِّك بقدرات الـ “إف 35”
جمال دملج
بيروت – – بعدما كان رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو قد أعلن مساء الاثنين الماضي أنّ بقاء مرتفعات الجولان تحت سيادة بلاده هو ضمان لأمنها، قائلًا إنّ “على المجتمع الدوليّ أن يقرّ ويعترف بذلك لأنّ عدم بقاء الجولان تحت السيادة الإسرائيليّة سيعني وصول حزب الله وإيران إلى ضفاف بحيرة طبريا”، على حدّ تعبيره، جاء الردّ الروسيّ نهار أمس الأربعاء على لسان وزير الخارجيّة سيرغي لافروف عندما قال إنّ أيَّ تغييرٍ للأوضاع في تلك المرتفعات من دون الرجوع إلى مجلس الأمن الدوليّ “يُعَدّ انتهاكًا للاتّفاقيّات القائمة”، وذلك في إشارةٍ إلى ميثاق الأمم المتّحدة الذي يرفض مبدأ الاستيلاء على الأراضي بالقوّة، سواءٌ من حيث احتلالها على غرار ما حدث خلال حرب حزيران عام 1967 أم من حيث شرعنة السيطرة عليها من طرفٍ واحدٍ على غرار ما حدث لدى إقرار الكنيست قانونًا بهذا الخصوص عام 1981.
وعلى رغم أنّ هذا الموقف الروسيّ يندرج في سياق المواقف البراغماتيّة التي درجت العادة على أن تتّخذها إدارة الرئيس فلاديمير بوتين من أجل وضع الأمور في نصابها الصحيح كلّما استوجبت الضرورة ذلك، فإنّ دوائر الرصد لمسار التدهور الحاصل مؤخَّرًا في وتيرة العلاقات الروسيّة – الإسرائيليّة لم تتردَّد في الإعراب عن اعتقادها بأنّ الوزير لافروف أراد التذكير من خلال موقفه الآنف الذكر بما كان قد أعلنه في الثامن والعشرين من شهر أيلول (سبتمبر) المنصرم على هامش أعمال الدورة الثالثة والسبعين للجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في نيويورك، وخصوصًا عندما قال ما حرفيّته: “عندما أعربَت إسرائيل عن قلقها من أنّ الوحدات الإيرانيّة أو الموالية لإيران كانت في الواقع على خطّ الفصل في مرتفعات الجولان، توصّلنا إلى تفاهمٍ، خاصّة أنّه في ذلك الوقت تمّ تحرير منطقة خفض التصعيد الجنوبيّة من الإرهابيّين، وتراجعت الوحدات الإيرانيّة أكثر من مئة كيلومترٍ كما طلب منّا الإسرائيليّون والأميركيّون”، بمعنى أنّ كلّ مخاوف إسرائيل عند تخومها الحدوديّة مع سوريا تمّت إزالتها، وبالتالي أنّ روسيا نفّذت تمامًا ما وعَدت به.
لا شكّ في أنّ أهمّيّة هذا التذكير تكمُن في أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ أصرّ في الكلمة التي ألقاها مساء الاثنين أثناء حفلِ تدشينِ كنيسٍ يهوديٍّ في موقع “عين كشاتوت” الأثريّ في الجولان على القفز فوق كافّة الضمانات الروسيّة الآنفة الذكر، ولا سيّما بعدما جدَّد القول إنّ “هناك محاولاتٍ مستمرّة” من قبل إيران وحزب الله لتشكيل قوّةٍ ستعمل ضدّ الجولان والجليل”، لافتًا إلى أنّه سيتحدَّث عن هذه الأمور مع الرئيس بوتين خلال لقائه المرتقَب معه، بما في ذلك “محاولات إيران لتحويل أسلحةٍ فتّاكةٍ إلى حزب الله في لبنان”، بحسب تعبيره، وكاشِفًا في معرض حديثه عن أنّه قرَّر إجراء تنسيقٍ أمنيٍّ مع الرئيس بوتين “يحظى بأهمّيّةٍ بالغةٍ بالنسبة لجيش الدفاع الإسرائيليّ وللجيش الروسيّ”، قبل أن يختتم بالقول: “أعلم أنّ الرئيس بوتين يفهم التزامي بأمن إسرائيل، وأعلم أنّه يفهم أيضًا الأهمّيّة التي أوليها، ونوليها جميعًا، لهضبة الجولان وللتراث اليهوديّ”.
وإذا كان قيام رئيس الوزراء الإسرائيليّ بالكشف مسبقًا عن أجندة مباحثاته المقبلة مع الرئيس الروسيّ قد تمّ بشكلٍ مقصودٍ خدمةً لاعتباراتٍ محلّيّةٍ تتعلَّق بالرغبة في الحدّ من منسوب التوجُّس في أوساط الرأي العامّ داخل الدولة العبريّة جرّاء وصول المنظومة الدفاعيّة الصاروخيّة المتطوِّرة من طراز “إس 300” قبل عدّةِ أيّامٍ بالفعل إلى الأراضي السوريّة، فإنّ الاعتبارات المحلّيّة بدورها، ولكن على المقلب الروسيّ هذه المرّة، هي التي دفعت الوزير لافروف إلى تذكير الإسرائيليّين مجدَّدًا بأنّ بلاده نفّذت ما تعهَّدت به حيال مخاوفهم في الجولان، ولا سيّما بعدما تعالت الأصوات في الآونة الأخيرة داخل المؤسّستين السياسيّة والعسكريّة في موسكو استنكارًا لما وُصِف بـ “العربدة الإسرائيليّة” في الأجواء السوريّة باعتبار أنّ غضّ الطرف عنها من قِبل القيادة الروسيّة لم يعُد مقبولًا بعد الآن بأيِّ شكلٍ من الأشكال.
وسط هذه الأجواء التي تشي بأنّ كلًّا من الجانبين الروسيّ والإسرائيليّ يسعى على حِدةٍ للمحافظة على ماء وجهه في مواجهة تداعيات حادثة إسقاط طائرة الـ “إيل 20” ومقتل طاقمها المؤلَّف من خمسة عشر عسكريًّا روسيًّا قبالة الساحل السوريّ الشهر الماضي، وفي ظلّ ما يظهَر باضطرادٍ من إصرارٍ إسرائيليٍّ على مواصلة العمليّات العسكريّة ضدّ إيران وحلفائها في سوريا مهما كلَّف الأمر، يُصبح في الإمكان تفهُّم فحوى التسريبات التي تحدَّثت في وقتٍ سابقٍ من صباح يوم أمس الأربعاء عن أنّ تلّ أبيب تضغط في هذه الأثناء بقوّةٍ على الولايات المتّحدة من أجل تزويدها بأيِّ منظوماتٍ تسليحيّةٍ وقائيّةٍ تضمن سلامة وأمان الطائرات الحربيّة الإسرائيلية خلال غاراتها في سوريا في مواجهة القدرات المتطوِّرة لمنظومة “إس 300” التي أصبحت في حوزة الجيش السوريّ، وهي الضغوط التي سرعان ما تزامَنت مع تسريباتٍ مقابِلةٍ تمثَّلت في الحديث عن أنّ قرار وزارة الدفاع الأميركيّة (البنتاغون) بشأن إجراء المزيد من الاختبارات على طائرة الـ إف 35″، يعني في إطار ما يعنيه، وبحسب ما نقلته وكالة “سبوتنيك” الروسيّة عن صحيفة “يوراسيان تايمز”، أنّ الولايات المتّحدة لا تؤمِن بأنّ هذه الطائرة فعّالةٌ بما يكفي أمام منظومة الـ “إس 300” الصاروخيّة، وخصوصًا من جهة المحافظة على ميزاتها الخاصّة بقدرتها التقليديّة على تجنُّب المواجهة مع وسائط الدفاع الجوّيّ نظرًا لاعتمادها على تكنولوجيا الإخفاء، الأمر الذي لا بدَّ من أن يكون صادِمًا في الأوساط الإسرائيليّة، ولو إلى حينٍ، خلافًا لما يُفترَض أن يكون الحال عليه في روسيا التي تؤمِن بقدرات منظومتها الدفاعيّة في كلّ حين… والخير دائمًا من وراء القصد.