أقلام مختارة

السر بالسردار

خالد القشطيني

خالد القشطيني

«السر بالسردار» مثل معروف في منطقة الخليج. والسردار كلمة فارسية تطلق على قائد الجيش، ومجازاً على كل رئيس، فهي تتكون من كلمتين «سر» وتعني «رئيس» و«دار» وتعني «قوم». أما معنى المثل فيعني أن العبرة تكون في الرئيس وليس في المرؤوسين. وهي طبعاً الفكرة التي اختلف عليها الحكماء والعلماء منذ أقدم العصور. هل تتوقف شؤون أي مجتمع على رئيسه أو رعيته. وكلنا على علم بالحديث: «كما تكونوا يولّى عليكم».
وقد ترك كثير من المفكرين دراسات مستفيضة في هذا الموضوع. هناك أفلاطون الذي ذكر في جمهوريته أن شؤون المجتمع يجب أن تكون بيد رئيس فيلسوف. وكرس مكيافيلي كتابه «الأمير» في رسم الدور الذي يترتب على رئيس القوم أن يلعبه. وفي ملحمة الأوديسة حذر هوميروس، القائد من الاختلاط بغوغاء العامة خشية أن يضيع قدره بينهم. وفي عام 1968 جسم الجنرال ديغول هذا المثل الشعبي «السر بالسردار» بكلمته أثناء ثورة الطلبة عندما قال: ليس للرجال أي أهمية. ما يهم هو من يقودهم.
من الطبيعي أن يقول ديغول مثل ذلك. فالمعتاد في قادة الجيش وأصحاب الانقلابات أن يؤكدوا الدور البطولي للسردار. وقبله قال نابليون في حق القيادة الجماعية: «النهاية الحتمية لوجود عدة رؤساء هي أن يتلاشى ويختفي أمرهم لانعدام عنصر الوحدة». وهذا رأي يردده المثل العربي القائل: «السفينة إذا كثروا ملاليحها تغرق». وكما يصوغون هذا القول في المملكة العربية السعودية ومصر فيقولون: «المركب اللي بريسين تغرق». ويقولون في مثل آخر: «الفرس من خيّالها والمركب من ربانها». ويؤكد اللبنانيون على دور الرئاسة الفردية بقولهم: الرأس الكبير للتدبير.
ولكن هناك مدرسة مغايرة تبناها بصورة خاصة المفكرون اليساريون تستبعد أهمية القائد الفرد. من هؤلاء الكاتب المسرحي الأميركي هنري ميللر الذي قال في إحدى مسرحياته: إنه لا يوجد أي رجل يتمتع بأي عظمة أو حكمة خاصة يستحق منا أن نستسلم إليه ونسلمه مقاديرنا. الطريقة الوحيدة لمثل هذا الرجل في قيادتنا هي أن يبعث فينا الثقة لقيادة أنفسنا بأنفسنا. ويردد أصحاب هذه المدرسة القول القائل: «التاريخ تصنعه الشعوب».
يقال إن أحد سلاطين فارس شغلته هذه المسألة فسأل أحد وزرائه في الموضوع فقال له إن العبرة في الرعية لا في الراعي، ثم سأل وزيره الآخر فقال له: كلا بل العبرة في الراعي لا في الرعية. وأمرهما السلطان بأن يثبتا ذلك بالتجربة. فجاء الأول بفريق من الأسود وجعل على رأسها ثعلباً. وجاء الآخر بفريق من الثعالب وجعل أسداً على رأسها، ثم مضى الوزيران يحث كل فريق على مقاتلة الفريق الآخر حتى تشابكا في معركة ضارية انهزم فيها الأسود التي كان على رأسها ثعلب. وانتصر الفريق الذي ترأسه الأسد. وعندئذ نظر هذا الوزير إلى السلطان وقال انظر يا مولاي السر في السردار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق