أن يعشقا بعضهما ويعيشا علاقة حب لا تؤذي أحدا، لكنها تزعج حراس المعبد؛ فتلك جريمة خطيرة ستتحرك لها المدافع والرشاشات.
أن يتزوجها على سنة الله ورسوله، ويضربها ويهينها ويغتصبها (إذ يوجد بيننا من لا يعترف بعد بالاغتصاب على فراش الزوجية ويعتبر أنها، ما دامت زوجته، فمن حقه ممارسة الجنس معها في كل الأوقات وبكل الأشكال)، فهذا لا يطرح إشكالا. أليست العلاقة حلالا، معترفا بها من طرف المجتمع والأسرة والمحاكم والجيران والأعراف والتقاليد وبائعة الخبز وحارس العمارة ومالك الشقة التي يؤجرانها، وبقية اللائحة الطويلة؟
أن يضرب أطفاله، فذلك حقه وأسلوبه الخاص في التربية. أليست العصا من الجنة؟ أن يضرب زوجته أيضا هو تأديب مذكور في القرآن لأنه يعرف مصلحتها. لكن، أن يختار ذلك الطفل تفاصيل خاصة بحياته لا ترضي أهله، فذلك عصيان يجلب له سخط الوالدين، ومعهما المجتمع.
أن يخون زوجته، فهذا أمر معيب. لكن، عليها أن تقبل بالوضع، فـ”كل الرجال يميلون لمغامرات خارج عش الزوجية”، مهما بلغ حب زوجاتهم لهم أو حتى حبهم لهن؛ “لكنهم يعودون في النهاية”. ليس على الزوجات أن يقلقن. بالمقابل، فأن تطلب امرأة الطلاق لأنها غير راضية جنسيا عن علاقتها بزوجها، فذلك يجعل منها عاهرة فاسدة منحلة.
أن يكون مثليا، فهذا جرم خطير في حق أعراف المجتمع. لكن، أن يتحرش بفتاة في الشارع أو أن يغتصب طفلة، فنسائل الضحية وملابسها ووقت خروجها. بل إن بين بلداننا من تصر قوانينه، في حالة اغتصاب الأب لابنته القاصر، على تسليم الطفلة بعد المحاكمة… لوالدها! هكذا، بكل بشاعة الظلم والقهر والظلم والتخلف. طبعا، أليس ولي أمرها؟ وهل يجوز لها الخروج عن طاعة ولي الأمر؟
أن يسائل شخص بعض المعتقدات الموروثة، بما فيها تلك المتعلقة بالدين أو الطائفة، وأن يشكك في بعضها الآخر، فهذا كفر بيّن وهرطقة وجنون وخروج عن الملة. لكن، أن يستغل شخص آخر نفس المعتقدات لممارسة العنف أو للاغتناء أو للوصول لأهداف سياسية أو جنسية أو مادية، فذلك لا يزعج أحدا ما دام من داخل نفس الدين أو الطائفة وما دام يتفق مع التصور العام السائد.
وحتى حين يقتل باسم تلك الموروثات، فسيجد من يبرر جرائمه، أو من يخفف من بشاعتها معتبرا أن الأمر يتعلق بـ”فهم خاطئ للدين”. فقط!
حين تولد في منطقة جغرافية معينة من بلدان بؤسنا الإنساني، فأنت تنتمي بالضرورة لدين معين وطائفة معينة. قالها زياد الرحباني ذات يوم: “خمس دقائق بعد أن تولد، سيختارون اسمك وجنسيتك ودينك وطائفتك، وستقضي عمرك كله تدافع عن أشياء لم تخترها!”
هل تتخيل مثلا أنك لو ولدت في بلد ذي أغلبية شيعية، فستدافع عن المذهب الشيعي بنفس القوة التي تهاجمه بها اليوم، والعكس صحيح؟ هل تتخيل أنك لو ولدت في إسرائيل، فهناك حظوظ كبيرة لأن تدافع عن هذه الدولة التي تكرهها اليوم؟ هل تتخيل أنك لو ولدت أميركيا أبيض البشرة في الستينيات، فستكون في الغالب عنصريا يعتبر سود البشرة فئة دنيا؟
بل، هل تتخيل أنك، حين تولد في بلد معين من منطقتنا الجغرافية، فأنت بالضرورة لست مسلما فقط، بل مسلما سنيا أو مسلما شيعيا، حتى دون أن تختار؟ وداخل نفس المذهب السني مثلا، فأنت إما مالكي أو حنبلي أو حنفي أو شافعي؛ لتمتد التفرعات إلى ما لا نهاية؛ وهنا أيضا، دون أن تكون قد اخترتها.
سيصعب عليك في ممارساتك ومعتقداتك، ليس فقط أن تسائل الإسلام، بل أن تسائل المذهب الفرعي الذي ينتمي إليه مجتمعك؛ حتى والجميع يغرد بأن المذاهب هي اجتهاد بشري لا قداسة لها… لكن لها قداسة الواقع. قداسة تمنعك من ممارسة أشياء لا يقبلها مذهبك الرسمي أو الفرعي أو ما دون الفرعي.
في المغرب مثلا، فأنت، إن لم تكن ضمن الأقلية اليهودية، ستولد بالضرورة مسلما سنيا تبعا للمذهب المالكي وعلى الطريقة الأشعرية… وهكذا، في كل بقعة جغرافية. لا انحراف لك ولا محيد عما ورثته، حتى داخل الدين نفسه.
باختصار، في الحب، في الدين، في العلاقات الإنسانية… ليس مطلوبا منك أن تغرد خارج السرب ولا أن تفكر بطريقتك ولا أن تتساءل ولا أن تختار أسلوب عيش مختلف.
كل ما هو مطلوب منك، أن تطبق ما ورثته عمّن سبقوك. أن تعيد استنتساخ ما كانوا عليه. أن تكون نسخة طبق الأصل ممن يحيطون بك.
الحرة