بكر عويضة
نهاية الأسبوع الماضي، انشغل إعلام بريطانيا بكتاب ديفيد كاميرون، الذي يتناول سيرته الذاتية، قبل الحكم، وخلاله، ثم خارجه. بعد ثلاث سنوات من الصمت، طبيعي أن يهتم الناس بما ضمّن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق كتابه من آراء، خصوصاً بشأن دوامة «بريكست»، التي أقر أن نسبة معتبرة بين مواطني هذا البلد لن تغفر أنه المسؤول عن كارثة استفتاء 2016، لأن الكتاب لم يكن توفر في المكتبات بعد، لم يتضح، حتى كتابة هذه الكلمات، ما أورده كاميرون فيما يخص الشأن الليبي، وهل أبدى بعض ندمٍ عما آل إليه وضع ليبيا، لأن غارات حلف «ناتو»، أثناء تنفيذ القرار 1973 الصادر عن مجلس الأمن (17 – 3 -2011)، لم تكتف بفرض حظر جوي على طائرات نظام القذافي، لغرض حماية المدنيين؛ خصوصاً بمدينة بنغازي، بل ذهبت إلى حد التدمير التام، تقريباً، لمنشآت الجيش الليبي كافة، الأمر الذي أسهم مباشرة في فتح أبواب ليبيا أمام انفلات السلاح، وسيطرة الميليشيات، وصولاً إلى الوضع المأساوي الحاصل الآن، والمتواصل، على الأرجح، حتى أمد مجهول.
لكن، أليس السؤال الأوْلى، قبل مساءلة ديفيد كاميرون ومعه نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي الأسبق، هو: من المسؤول، أساساً، عن وصول ليبيا إلى الوقوع تحت حمم قصف غارات حلف «ناتو»؟ بالطبع، الذي يتحمل المسؤولية الأولى، هو القذافي ذاته، الرجل الذي لو كانت ليبيا، بحق، هي أول همّه، والليبيون والليبيات، يتقدمون، بصدق على نفسه، لما أصابه سرطان تقديس الذات في صميم العقل منه. ولأن وهم التمدد عالمياً سيطر على تفكيره، لم يكن صعباً أن يمد معمر القذافي اليد في كل اتجاه فيجد من يلبي، ما دام أنها محشوة بأموال الليبيين. في سوق تمجيد «العظمة» القذافية، وإعانتها على تصديق كذبة اختراعها لما تصورته «عظمتها»، انساق صحافيون عرب كثيرون، قلت في مقال سابق، ضمن هذه السلسلة، إنني أحدهم، لكني، وآخرين غيري، أدركنا، على الأقل، مبكراً كم أخطأنا.
مع انقضاء العام الأول لحكم معمر القذافي، صارت ليبيا قِبلة لكل صحافي عروبي التوجه في العالم العربي. آنذاك، لم يكن في الأمر ما يثير الدهشة، إذ طبيعي أن يرى المصدومون، حينها، بكارثة يونيو (حزيران) 1967، أملاً يلوح عبر ما يصدر عن قائد «ثورة الفاتح» بشأن توجهه الوحدوي. تلك كانت فرصة لنا، أيضاً، الجيل الشاب، يومذاك، من صحافيي ليبيا، وزملائهم العرب، العاملين في الصحف الليبية، كي نلتقي صحافيين عرباً كانوا بالنسبة لنا نجوماً في فضاء الصحافة العربية. ما أثار الدهشة، لاحقاً، والامتعاض بين عدد من صحافيي ليبيا الناجحين فعلاً، هو أن القذافي مضى في انتقامه من صحافة ليبيا أبعد من مجرد إهمالها، وشن الحرب عليها حتى في حقها من الإعلانات الحكومية، إلى حد فتح خزائن البلد أمام صحافيين عرب طموحين، ويتوق بعض منهم إلى تأسيس وإصدار صحفهم أو مجلاتهم. وهكذا كان، فصدرت صحف ومجلات في بيروت وفي غيرها. ليس ضرورياً ذكر أسماء أشخاص، أو عناوين إصدارات، هم وهي أشهر من التعريف بها وبهم. بينها من أغلق الأبواب مبكراً، وبينها من أغلقها أخيراً. المهم في الأمر، هو أن القذافي حرَّم مال ليبيا على صحافتها ضاربة الجذور في العمق الليبي، وأغدق الكثير منه على صحافة عربية خارجها بغرض تمجيد «عظمة» العقيد.
يطول الحديث وتضيق المساحة. لكنني أختم بتعليق وصلني عبر الإيميل من السيد هشام بن غلبون، جاء فيه ما يلي: «روايتك الأربعاء الماضي عن تعارض كاريكاتير محمد الزواوي في الصفحة الأخيرة من جريدة (الحقيقة)، مع الخبر الرئيس على الصفحة الأولى من العدد نفسه، قبل أيام من انقلاب القذافي، تكفي لأن يقيم الليبيون مراسم عزاء على الملك إدريس السنوسي، الذي فرطوا فيه بعدما ضللهم المضللون. ثم إن الزواوي، الذي وصفته بالعملاق، وأضيف أنه عبقري، رغم أنه كان من أبرز الساخطين على العهد الملكي، ورحّب من خلال رسوماته بالانقلاب، لم ينجُ من بطش القذافي، فقُتل ابنه في مجزرة سجن أبي سليم، التي راح ضحيتها سنة 1996 أكثر من 1260 مواطناً في ليلة واحدة. وقضى هو شخصياً في السجون التونسية أكثر من سنتين بعدما ورطته السفارة الليبية في تونس، من دون درايته، في نقل قنبلة كان يراد بها تفجير اجتماع في مقر جامعة الدول العربية».
لكن، أليس السؤال الأوْلى، قبل مساءلة ديفيد كاميرون ومعه نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي الأسبق، هو: من المسؤول، أساساً، عن وصول ليبيا إلى الوقوع تحت حمم قصف غارات حلف «ناتو»؟ بالطبع، الذي يتحمل المسؤولية الأولى، هو القذافي ذاته، الرجل الذي لو كانت ليبيا، بحق، هي أول همّه، والليبيون والليبيات، يتقدمون، بصدق على نفسه، لما أصابه سرطان تقديس الذات في صميم العقل منه. ولأن وهم التمدد عالمياً سيطر على تفكيره، لم يكن صعباً أن يمد معمر القذافي اليد في كل اتجاه فيجد من يلبي، ما دام أنها محشوة بأموال الليبيين. في سوق تمجيد «العظمة» القذافية، وإعانتها على تصديق كذبة اختراعها لما تصورته «عظمتها»، انساق صحافيون عرب كثيرون، قلت في مقال سابق، ضمن هذه السلسلة، إنني أحدهم، لكني، وآخرين غيري، أدركنا، على الأقل، مبكراً كم أخطأنا.
مع انقضاء العام الأول لحكم معمر القذافي، صارت ليبيا قِبلة لكل صحافي عروبي التوجه في العالم العربي. آنذاك، لم يكن في الأمر ما يثير الدهشة، إذ طبيعي أن يرى المصدومون، حينها، بكارثة يونيو (حزيران) 1967، أملاً يلوح عبر ما يصدر عن قائد «ثورة الفاتح» بشأن توجهه الوحدوي. تلك كانت فرصة لنا، أيضاً، الجيل الشاب، يومذاك، من صحافيي ليبيا، وزملائهم العرب، العاملين في الصحف الليبية، كي نلتقي صحافيين عرباً كانوا بالنسبة لنا نجوماً في فضاء الصحافة العربية. ما أثار الدهشة، لاحقاً، والامتعاض بين عدد من صحافيي ليبيا الناجحين فعلاً، هو أن القذافي مضى في انتقامه من صحافة ليبيا أبعد من مجرد إهمالها، وشن الحرب عليها حتى في حقها من الإعلانات الحكومية، إلى حد فتح خزائن البلد أمام صحافيين عرب طموحين، ويتوق بعض منهم إلى تأسيس وإصدار صحفهم أو مجلاتهم. وهكذا كان، فصدرت صحف ومجلات في بيروت وفي غيرها. ليس ضرورياً ذكر أسماء أشخاص، أو عناوين إصدارات، هم وهي أشهر من التعريف بها وبهم. بينها من أغلق الأبواب مبكراً، وبينها من أغلقها أخيراً. المهم في الأمر، هو أن القذافي حرَّم مال ليبيا على صحافتها ضاربة الجذور في العمق الليبي، وأغدق الكثير منه على صحافة عربية خارجها بغرض تمجيد «عظمة» العقيد.
يطول الحديث وتضيق المساحة. لكنني أختم بتعليق وصلني عبر الإيميل من السيد هشام بن غلبون، جاء فيه ما يلي: «روايتك الأربعاء الماضي عن تعارض كاريكاتير محمد الزواوي في الصفحة الأخيرة من جريدة (الحقيقة)، مع الخبر الرئيس على الصفحة الأولى من العدد نفسه، قبل أيام من انقلاب القذافي، تكفي لأن يقيم الليبيون مراسم عزاء على الملك إدريس السنوسي، الذي فرطوا فيه بعدما ضللهم المضللون. ثم إن الزواوي، الذي وصفته بالعملاق، وأضيف أنه عبقري، رغم أنه كان من أبرز الساخطين على العهد الملكي، ورحّب من خلال رسوماته بالانقلاب، لم ينجُ من بطش القذافي، فقُتل ابنه في مجزرة سجن أبي سليم، التي راح ضحيتها سنة 1996 أكثر من 1260 مواطناً في ليلة واحدة. وقضى هو شخصياً في السجون التونسية أكثر من سنتين بعدما ورطته السفارة الليبية في تونس، من دون درايته، في نقل قنبلة كان يراد بها تفجير اجتماع في مقر جامعة الدول العربية».