كارل سميث
على مدى العامين ونصف العام الماضيين، قلل بنك الاحتياطي الفيدرالي من تقدير مدى انخفاض معدلات البطالة قبل أن يفضي الأمر إلى ارتفاع مستويات التضخم. ونتيجة لذلك، شرع بنك الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة في أقرب وقت مما هو ضروري – مما أسفر عن تباطؤ النمو الاقتصادي والقليل من فرص العمل المتاحة.
ولكن إلى أي مدى صارت الوظائف المتاحة قليلة؟ تشير أبحاث آدم أوزيميك كبير خبراء الاقتصاد لدى شركة موديز أناليتيكس إلى أن الاقتصاد الأميركي كان سوف يخلق ما يصل إلى مليون وظيفة أخرى.
وقبل الانتقال إلى مناقشة التفاصيل، قد يكون من المفيد النظر إلى الصورة الكبيرة أولا. حتى في أفضل أوقات الاقتصاد الأميركي، فإن بعض معدلات البطالة صارت أمراً لا مفر منه على الإطلاق. وفي خضم الاقتصاد الديناميكي، سوف تكون هناك على الدوام بعض الشركات التي تسرح العمالة في حين أن هناك شركات أخرى تسعى جاهدة لتعيين المزيد من الموظفين. ويعني هذا التراجع في التوظيف، مضافاً إليه دخول المزيد من العمال الجدد إلى سوق العمل، أن هناك نسبة معينة من العمال سوف تبحث ولا بد عن الوظيفة في أي وقت معين، ولكنهم لن يتمكنوا من العثور على الوظائف المناسبة وقتها.
يطلق علماء الاقتصاد الكلي على هذه النسبة اسم المعدل الطبيعي طويل الأجل للبطالة. وتشير النظرية الاقتصادية المعيارية إلى أنه يمكن للبطالة الانخفاض إلى ما دون هذا المستوى بشكل مؤقت فقط، فإن انخفاض إجمالي العمالة المتاحة يعني أن الشركات الناشئة سوف تضطر إلى زيادة الأجور. ومع احتدام المنافسة على العمالة، سوف تزيد الأجور بوتيرة أسرع من زيادة الإنتاجية. وسوف تتقلص هوامش أرباح الشركات، وبالتالي سوف ترفع الشركات من أسعار المنتجات والخدمات تعويضاً للفارق المتحقق. الأمر الذي سوف يفضي إلى ارتفاع معدل التضخم، ويسفر عن تآكل المكاسب الأولية المحققة للأجور. وما كان يبدو في بادئ الأمر من قبيل الأنباء السارة للعمالة تحول في نهايته إلى سباق حاد ومحموم بين الأجور والأسعار. والناس ليسوا أفضل حالاً سواء كانوا من العمال أم من المستهلكين.
وللحيلولة دون وقوع ذلك، يسعى بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى إبطاء عجلة الاقتصاد، حيث إن معدلات البطالة المحلية اقتربت من المعدلات الطبيعية على المدى البعيد. وهو بكل تأكيد من الأهداف المعقولة في حد ذاتها، ولكن هناك مشكلة واحدة باقية، ألا وهي أن خبراء الاقتصاد لا يعرفون على وجه التحديد ماهية هذا المعدل.
وبالعودة إلى المسألة قيد المناقشة. في مارس (آذار) لعام 2015 عندما شرع بنك الاحتياطي الفيدرالي أول الأمر في رفع أسعار الفائدة، كان معدل البطالة يبلغ 5 نقاط مئوية كاملة. وفي هذه الأثناء، كان تقدير بنك الاحتياطي الفيدرالي لمعدل البطالة الطبيعي يبلغ 4.9 نقطة مئوية. وحتى إن انخفض المعدل الشيء القليل، كما قال البنك، فسوف يكون كل شيء على ما يرام نظرا لأن معدل التضخم أدنى من الهدف البالغ نقطتين مئويتين كاملتين. ولذلك، استقر بنك الاحتياطي الفيدرالي على تسلسل تدريجي من زيادات أسعار الفائدة لإبطاء الاقتصاد بدرجة كافية تؤدي إلى أن يحوم معدل التضخم حول هدفه المنشود.
ومنذ ذلك الحين، وبرغم كل شيء، واصل معدل البطالة الانخفاض – وظل معدل التضخم متدنياً. وهناك الكثير من النظريات المفسرة لذلك الأمر. وكنت قد اقترحت أن الركود الكبير كان عاتياً لدرجة أنه دفع ملايين العمال إلى التخلي عن مجرد البحث عن وظائف جديدة. ونتيجة لما تقدم، لم يتم حسابهم ضمن معدلات البطالة المسجلة على الصعيد الوطني. وبالتالي، فإن إجمالي العمالة المتاحة المحتملة كان – ولا يزال بكل تأكيد – أكبر مما تشير إليه إحصاءات معدلات البطالة الوطنية.
وفقاً لأي مقياس، فلقد أقر بنك الاحتياطي الفيدرالي بأن تقديراته للمعدل الطبيعي للبطالة كانت مرتفعة للغاية. وفي يونيو (حزيران) الماضي، راجع بنك الاحتياطي الفيدرالي تقديراته لتبلغ 4.45 نقطة مئوية. وكان معدل البطالة المعلن في ذلك الوقت يبلغ 3.9 نقطة مئوية، وانخفض منذ ذلك الحين وصولا إلى 3.7 نقطة مئوية. وعلى الرغم من ذلك، بدت ضغوط التضخم خفيفة إلى درجة ما.
وظائف بنك الاحتياطي الفيدرالي
الإبقاء على التضخم قيد الهدف المرسوم، ولكنه يمكن فعل المزيد من أجل زيادة معدلات التوظيف.
حتى مع افتراض أن تقديرات بنك الاحتياطي الفيدرالي الحالية لمعدل البطالة الطبيعي صحيحة – وهي تبدو مرتفعة – فإن سلسلة زيادات أسعار الفائدة التي بدأت في مارس كانت سابقة لأوانها كثيراً. ويقدر الخبير الاقتصادي آدم أوزيميك أنه إن اعتقد بنك الاحتياطي الفيدرالي بأن المعدل الطبيعي للبطالة قد بلغ 4.45 نقطة مئوية طيلة الوقت، لم يكن ليرفع أسعار الفائدة حتى شهر يونيو من عام 2017، مما يؤدي إلى نمو أقوى للوظائف ووجود ما يقارب نصف مليون موظف في سوق العمل اليوم.
ومع ذلك، وعلى اعتبار استمرار معدل التضخم المعتدل، فإن الاحتمال لا يزال قائماً أن يبالغ بنك الاحتياطي الفيدرالي في تقديره بشأن المعدل الطبيعي للبطالة. ولنفترض أن معدل البطالة في يونيو وهو 3.9 نقطة مئوية المعدل الطبيعي الحقيقي، ففي هذه الحالة، يقدر آدم أوزيميك أنه لا ينبغي على بنك الاحتياطي الفيدرالي البدء في زيادة أسعار الفائدة حتى شهر مارس من العام الحالي. ولو تابع بنك الاحتياطي الفيدرالي هذه الدورة، يقدر آدم أوزيميك إضافة مليون موظف إلى سوق العمل أكثر مما هو مسجل اليوم.
ولكن لا ينبغي أن نسمح لهذه التكهنات بحجب رؤية النقطة الأساسية في هذا السياق أن الزيادة السابقة لأوانها في أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، قد أسفرت عن انخفاض نمو الوظائف.
سجل الأداء الاقتصادي الأميركي معدلات استثنائية حتى اليوم، وذلك استجابة لطفرة النفط والغاز الطبيعي، والتحفيز المرتبط بالإصلاحات الضريبية في البلاد. وإذا ما استمر بنك الاحتياطي الفيدرالي على هذا المسار الراهن من زيادة أسعار الفائدة، فربما قد ضبط البنك أوضاعه على مواجهة النمو الاقتصادي الفاتر والتضخم المرتفع عندما تنزوي تلك التأثيرات وتتلاشى. وهذه التركيبة عسيرة للغاية وبصورة خاصة على المقترضين، وتؤدي لتعريض الاقتصاد الوطني للصدمات المالية العابرة.
ولكن إلى أي مدى صارت الوظائف المتاحة قليلة؟ تشير أبحاث آدم أوزيميك كبير خبراء الاقتصاد لدى شركة موديز أناليتيكس إلى أن الاقتصاد الأميركي كان سوف يخلق ما يصل إلى مليون وظيفة أخرى.
وقبل الانتقال إلى مناقشة التفاصيل، قد يكون من المفيد النظر إلى الصورة الكبيرة أولا. حتى في أفضل أوقات الاقتصاد الأميركي، فإن بعض معدلات البطالة صارت أمراً لا مفر منه على الإطلاق. وفي خضم الاقتصاد الديناميكي، سوف تكون هناك على الدوام بعض الشركات التي تسرح العمالة في حين أن هناك شركات أخرى تسعى جاهدة لتعيين المزيد من الموظفين. ويعني هذا التراجع في التوظيف، مضافاً إليه دخول المزيد من العمال الجدد إلى سوق العمل، أن هناك نسبة معينة من العمال سوف تبحث ولا بد عن الوظيفة في أي وقت معين، ولكنهم لن يتمكنوا من العثور على الوظائف المناسبة وقتها.
يطلق علماء الاقتصاد الكلي على هذه النسبة اسم المعدل الطبيعي طويل الأجل للبطالة. وتشير النظرية الاقتصادية المعيارية إلى أنه يمكن للبطالة الانخفاض إلى ما دون هذا المستوى بشكل مؤقت فقط، فإن انخفاض إجمالي العمالة المتاحة يعني أن الشركات الناشئة سوف تضطر إلى زيادة الأجور. ومع احتدام المنافسة على العمالة، سوف تزيد الأجور بوتيرة أسرع من زيادة الإنتاجية. وسوف تتقلص هوامش أرباح الشركات، وبالتالي سوف ترفع الشركات من أسعار المنتجات والخدمات تعويضاً للفارق المتحقق. الأمر الذي سوف يفضي إلى ارتفاع معدل التضخم، ويسفر عن تآكل المكاسب الأولية المحققة للأجور. وما كان يبدو في بادئ الأمر من قبيل الأنباء السارة للعمالة تحول في نهايته إلى سباق حاد ومحموم بين الأجور والأسعار. والناس ليسوا أفضل حالاً سواء كانوا من العمال أم من المستهلكين.
وللحيلولة دون وقوع ذلك، يسعى بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى إبطاء عجلة الاقتصاد، حيث إن معدلات البطالة المحلية اقتربت من المعدلات الطبيعية على المدى البعيد. وهو بكل تأكيد من الأهداف المعقولة في حد ذاتها، ولكن هناك مشكلة واحدة باقية، ألا وهي أن خبراء الاقتصاد لا يعرفون على وجه التحديد ماهية هذا المعدل.
وبالعودة إلى المسألة قيد المناقشة. في مارس (آذار) لعام 2015 عندما شرع بنك الاحتياطي الفيدرالي أول الأمر في رفع أسعار الفائدة، كان معدل البطالة يبلغ 5 نقاط مئوية كاملة. وفي هذه الأثناء، كان تقدير بنك الاحتياطي الفيدرالي لمعدل البطالة الطبيعي يبلغ 4.9 نقطة مئوية. وحتى إن انخفض المعدل الشيء القليل، كما قال البنك، فسوف يكون كل شيء على ما يرام نظرا لأن معدل التضخم أدنى من الهدف البالغ نقطتين مئويتين كاملتين. ولذلك، استقر بنك الاحتياطي الفيدرالي على تسلسل تدريجي من زيادات أسعار الفائدة لإبطاء الاقتصاد بدرجة كافية تؤدي إلى أن يحوم معدل التضخم حول هدفه المنشود.
ومنذ ذلك الحين، وبرغم كل شيء، واصل معدل البطالة الانخفاض – وظل معدل التضخم متدنياً. وهناك الكثير من النظريات المفسرة لذلك الأمر. وكنت قد اقترحت أن الركود الكبير كان عاتياً لدرجة أنه دفع ملايين العمال إلى التخلي عن مجرد البحث عن وظائف جديدة. ونتيجة لما تقدم، لم يتم حسابهم ضمن معدلات البطالة المسجلة على الصعيد الوطني. وبالتالي، فإن إجمالي العمالة المتاحة المحتملة كان – ولا يزال بكل تأكيد – أكبر مما تشير إليه إحصاءات معدلات البطالة الوطنية.
وفقاً لأي مقياس، فلقد أقر بنك الاحتياطي الفيدرالي بأن تقديراته للمعدل الطبيعي للبطالة كانت مرتفعة للغاية. وفي يونيو (حزيران) الماضي، راجع بنك الاحتياطي الفيدرالي تقديراته لتبلغ 4.45 نقطة مئوية. وكان معدل البطالة المعلن في ذلك الوقت يبلغ 3.9 نقطة مئوية، وانخفض منذ ذلك الحين وصولا إلى 3.7 نقطة مئوية. وعلى الرغم من ذلك، بدت ضغوط التضخم خفيفة إلى درجة ما.
وظائف بنك الاحتياطي الفيدرالي
الإبقاء على التضخم قيد الهدف المرسوم، ولكنه يمكن فعل المزيد من أجل زيادة معدلات التوظيف.
حتى مع افتراض أن تقديرات بنك الاحتياطي الفيدرالي الحالية لمعدل البطالة الطبيعي صحيحة – وهي تبدو مرتفعة – فإن سلسلة زيادات أسعار الفائدة التي بدأت في مارس كانت سابقة لأوانها كثيراً. ويقدر الخبير الاقتصادي آدم أوزيميك أنه إن اعتقد بنك الاحتياطي الفيدرالي بأن المعدل الطبيعي للبطالة قد بلغ 4.45 نقطة مئوية طيلة الوقت، لم يكن ليرفع أسعار الفائدة حتى شهر يونيو من عام 2017، مما يؤدي إلى نمو أقوى للوظائف ووجود ما يقارب نصف مليون موظف في سوق العمل اليوم.
ومع ذلك، وعلى اعتبار استمرار معدل التضخم المعتدل، فإن الاحتمال لا يزال قائماً أن يبالغ بنك الاحتياطي الفيدرالي في تقديره بشأن المعدل الطبيعي للبطالة. ولنفترض أن معدل البطالة في يونيو وهو 3.9 نقطة مئوية المعدل الطبيعي الحقيقي، ففي هذه الحالة، يقدر آدم أوزيميك أنه لا ينبغي على بنك الاحتياطي الفيدرالي البدء في زيادة أسعار الفائدة حتى شهر مارس من العام الحالي. ولو تابع بنك الاحتياطي الفيدرالي هذه الدورة، يقدر آدم أوزيميك إضافة مليون موظف إلى سوق العمل أكثر مما هو مسجل اليوم.
ولكن لا ينبغي أن نسمح لهذه التكهنات بحجب رؤية النقطة الأساسية في هذا السياق أن الزيادة السابقة لأوانها في أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، قد أسفرت عن انخفاض نمو الوظائف.
سجل الأداء الاقتصادي الأميركي معدلات استثنائية حتى اليوم، وذلك استجابة لطفرة النفط والغاز الطبيعي، والتحفيز المرتبط بالإصلاحات الضريبية في البلاد. وإذا ما استمر بنك الاحتياطي الفيدرالي على هذا المسار الراهن من زيادة أسعار الفائدة، فربما قد ضبط البنك أوضاعه على مواجهة النمو الاقتصادي الفاتر والتضخم المرتفع عندما تنزوي تلك التأثيرات وتتلاشى. وهذه التركيبة عسيرة للغاية وبصورة خاصة على المقترضين، وتؤدي لتعريض الاقتصاد الوطني للصدمات المالية العابرة.
نقلاً عن الشرق الأوسط اللندنية -بالاتفاق مع «بلومبرغ»-