كيرلس عبد الملاك
حينما تعلم أن مصر مقبلة على تنظيم تجمّع ضخم للشباب يسمى “منتدى شباب العالم” يتبادر إلى ذهنك لأول وهلة التساؤل عن نوعية الشباب الذين سوف يحضرون هذا المنتدى، هل هم شباب حر أم مقيّد؟ شباب مخيّر أم مسيّر؟ شباب واع أم منبطح لأي شيء يقدم له؟ شباب حقيقي أم كائنات محطمة حولتها الظروف المحيطة إلى عجائز؟
ليس كل الشباب متماثلين، فتلك المرحلة العمرية التي تمثل أقصى درجات قوة الإنسان ونشاطه، لا تمثل دائما أقصى درجات وعي الإنسان ونضارته الفكرية، فكثيرا ما تمثل له مرحلة التغييب والسقوط في بئر الجهل والانقياد لكي تقوده إلى الندم في مراحل عمرية لاحقه.
إذا نظرنا خلفا إلى المنتديات السابقة التي نظمتها مصر وتتبعنا النظام الداخلي لها، سوف نلاحظ أن التنميط هو القائد الرئيسي لها، ليس لأحد أن يخرج عن النص فيها، أو يعلن رؤية فكرية بديلة مخالفة للركب العام وهذه إن كانت تطمئن السلطة على استتباب الأوضاع الأمنية لكنها من جهة أخرى تؤكد موت الوعي داخل صندوق العادات والتقاليد سواء على الصعيد السياسي أو الثقافي.
أي مجتمع يسعى للنهوض ليس أمامه إلا أن يقدّس التعددية ويفتح الباب للخروج الناضج خارج صندوق الفتور والموت الفكري بأهداف واضحة في مقدمتها تحفيز العقل على كسر التقاليد الفكرية الجامدة ليس بجعل التمرد هدفا وغاية إنما بجعل التقدم والرقي سبيلا إلى حياة أفضل في مجتمع يسعى إلى الخروج من حالته المأزومة، فمنتدى شباب العالم أو ما يدعى هكذا لابد أن يكون في مقدمة أهدافه الاستماع إلى شباب العالم بجدية بما يحملونه من ثقافات مختلفة وتوجهات سياسية متنافرة وعادات وتقاليد متضادة، لا أن يجعل من الشباب عناصر شكلية تخدم ذاك التجمع الشبابي الضخم أو يجعل منهم أدوات تُستخدم في التلقين والتعبئة.
لا شك في أن فكرة تنظيم منتدى شبابي عالمي فكرة ممتازة يمكن أن تكون بمثابة نقلة ثقافية وتنموية حقيقية لمصر من خلال تبادل الثقافات وتنظيم اجتماعات يملأها الاختلاف الفكري الحقيقي غير المزيف إلى جوار الاحتدام الحواري الهادف في كافة المجالات حتى ينتج عنه توصيات وقرارات واقعية ملموسة تسعى لتبديل الواقع السيء وتربط شباب العالم فكريا وثقافيا وإنسانيا ببعضهم البعض برغم الاختلافات التي يحملوها في دواخلهم، لكن تلك الفكرة عينها من السهل أن تتحول إلى عبء ثقافي يُسهم في تعزيز النفاق المجتمعي تجاه أصحاب المناصب، ذاك النفاق المؤدي حتما إلى الانحدار والتقهقر حينما تكمن أهداف الحاضرين في إرضاء قادة المنتدى ومنظميه طمعا في تواجد ساذج لا ترصده إلا عدسات الكاميرات.
كثيرا ما فكرت أن أتقدم لأحضر المنتديات المصرية باهظة التكاليف لكن ما جعلني أتراجع تساؤلي عن دوري داخلها، هل سأكون مجرد شخص يصفّق كلما سمع شخصا ينهي كلمته؟ أم سأكون عنصر في صورة جماعية تُستخدم في المبارزات السياسية؟ أم سوف أتحول إلى أذن تقبل كل ما يلقى فيها من كلمات بلا قدرة على تقديم رؤية بديلة أو تقديم اعتراض ما إذا وجد؟ إنها حقا حالة عصيبة أن تتحول إلى كيان أجوف بحثا عن نزهة أو صورة في حضور القادة والمسؤولين.
مصر مليئة بالشباب المبدعين والمؤثرين والموهوبين الذين لن يتمكنوا من الظهور إلا عندما يجدوا مساحة فيها احترام حقيقي للاختلاف وسعي حقيقي للارتقاء إلى الأفضل وبحث جاد عن المواهب المؤثرة لا البحث عن المصفقين والمصفقات، المبتسمين والمبتسمات الذين تنحصر أهدافهم في الترفيه والتواجد الصوري.