ـ القدس ـ محمد عبد الرحمن ـ إلى الجنوب من المسجد الأقصى المبارك، وسط بلدة سلوان، حيث التصقت بيوت متواضعة وتداخلت بينها الطرقات الضيقة والأزقة، يقع حي بطن الهوى الذي تعيش فيه 38 عائلة مقدسية مهددة بالإخلاء من منازلها لصالح المستوطنين في أي لحظة.
وقد بدأت كرة الصراع الذي تُلخّص حكايته قضية فلسطين كما يرى سكان الحي، بالتدحرج بينهم وبين المستوطنين اليهود عام 2002 حين استولى المستوطنون على مبنى من ستة طوابق يضم 12 شقة سكنية أطلقوا عليه أسم “بيت يوناتان”، وقاموا بتحويله إلى بؤرة استيطانية أخذت بالاتساع بعد استيلائهم في نفس العام على بيت أخر أطلقوا عليه “بيت العسل”.
وعلى مر سنين مضت، حاول المستوطنون إغراء سكان الحي بمبالغ مادية كبيرة لإخلاء بيوتهم وبيعهم إياها، إلا أن الغالبية العظمى قابلوا تلك الاغراءات بالرفض القاطع، بينما سرّب ضعفاء النفوس عقاراتهم للجمعيات الاستيطانية التي أقحمت فيها 19 عائلة من عوائل المستوطنين، كما يوضح رئيس لجنة بطن الهوى زهير الرجبي.
السيطرة بالقوة
وعندما تبيّن للمستوطنين فشل إغراءات سكان الحي بالأموال، توجهوا إلى المحاكم الاسرائيلية لإخراج العائلات بالقوة بادعاء أن حي بطن الهوى الذي تبلغ مساحته خمسة دونمات ومئتي متر، مقام على أرض تعود ملكيتها لليهود الذين هاجروا من اليمن واستوطنوا فلسطين عام 1881. وبناء على ذلك اعتبرت المحكمة تلك الأراضي “وقفا يهوديا” ومنحت جمعية “عطيرت كوهانيم” الوصاية عليها لمدة 15 عاما منذ عام 2001، وتنتهي العام المقبل.
وأورد تقرير حقوقي إسرائيلي، أنه منذ أن ضمّت إسرائيل القدس الشرقية، تتبع السلطات الإسرائيلية سياسة تميز ضدّ السكان الفلسطينيين، وتعمل بشتّى الطرق على زيادة عدد اليهود الذين يعيشون في المدينة وخفض عدد السكان الفلسطينيين. هذا، من أجل خلق واقع ديمغرافي وجغرافي من شأنه استباق أيّة محاولة مستقبلية لتحدّي السيادة الإسرائيلية على القدس الشرقية.
وجاء في التقرير أنه ضمن ذلك، صادرت السلطات آلاف الدونمات من السكان الفلسطينيين، وبنت 12 حيّا خصّصتها للسكان اليهود فقط، وذلك في الأراضي المحتلة التي ضمّتها إسرائيل. مكانة هذه الأحياء، من وجهة نظر القانون الدولي، لا تختلف عن مكانة المستوطنات في بقيّة أراضي الضفة الغربية.
“قوانين” تسهل السلب
وأكدت أن الجمعيّة الاستيطانية “عطِرِت كوهَنيم”، التي تتولّى عمليّة سلب منازل سكان الحيّ، تعتمد لتحقيق ذلك مزيجًا من ثلاثة قوانين كانت قد سنّتها “إسرائيل” في 1948، وهذه القوانين تسمح لليهود فقط بمطالبة “الوصيّ العام” باستعادة حقّهم على أملاك كانت في حوزتهم قبل 1948، أمّا العقارات التي كان يملكها فلسطينيون في الجزء الغربي من المدينة قبل عام 1948، فإنّ “إسرائيل” لا تسمح بتاتًا لأصحابها بالمطالبة باستعادتها.
ووفق المنظمة؛ فإن سلطات الاحتلال تتبنّى سياسة التمييز ضدّ السكان الفلسطينيين، وتعمل بطرق مختلفة من أجل زيادة عدد اليهود الذين يعيشون في المدينة وتقليص عدد سكانها الفلسطينيين؛ بهدف خلق واقع ديمغرافي وجغرافي من شأنه استباق أيّة محاولة مستقبلية لتقويض السيادة الصهيونية على شرقي القدس.
التغير الديمغرافي
ووفقًا لمعطيات جمعيّتي “السلام الآن” و”عير عَميم”؛ قفز عدد المستوطنين في الأحياء الفلسطينية في البلدة القديمة في القدس بنسبة 70% بين عام 2009 وعام2017، كذلك حصلت زيادة بنسبة 39٪ في عدد مجمّعات البناء الجديدة المخصّصة لليهود في الأحياء الفلسطينية شرقي القدس.
وخلال الفترة نفسها، أخليت 68 عائلة فلسطينية من منازلها في حيّ الشيخ جرّاح وسلوان والحيّ الإسلامي،55 منها خلال العامين الماضيين.
ويقول رئيس لجنة بطن الهوى زهير الرجبي” إن سكان الحي يسكنون فيه منذ عشرات السنين وقبل احتلال مدينة القدس، كما أنهم يملكون أوراقا ثبوتية تؤكد ملكيتهم لمنازلهم. إلا أن المحكمة لم تأخذ بعين الاعتبار تلك الأوراق، حيث تسلّم 95% من العائلات في الحي أوامر إخلاء من بيوتهم”.
اجراء غير قانوني
ويوضح الرجبي أن المحكمة أقرّت بملكية المستوطنين للأراضي، وعليه فإن أي بناء في تلك الأراضي تعتبره المحكمة غير قانوني، حتى لو أقيم قبل احتلال مدينة القدس عام 1967.
وانتهى الصراع بين الجمعية الإسرائيلية والفلسطينيين بإصدار المحكمة الإسرائيلية العليا قراراً بتاريخ 21 من شهر نوفمبر الماضي، بإجلاء جمعية عطيرت كوهنيم الاستيطانية منازل 700 فلسطيني لمصلحة الاستيطان، وتهجيرهم منها، بحجة أن أراضي تلك المنازل التي يقيمون فيها تعود ملكيتها إلى يهود يمنيين قبل أكثر من 200 عام.