السلايدر الرئيسيتحقيقات

النبيذ الفلسطيني.. جوائز عالمية في الضفة الغربية.. وخشية امنية من حماس في غزة

فادي ابو سعدى

ـ رام الله ـ من فادي ابو سعدى ـ تعتبر صناعة النبيذ إحدى أقدم الصناعات الفلسطينية، لارتباطها بمجالات شتى، منها الدينية، والطبية، وكذلك على مائدة الطعام. ويُعتقد أن الانتاج الأول كان في الزمن البيزنطي في فلسطين، وكان يتم تصديره إلى كافة دول حوض المتوسط. لكن الأمور اختلفت مع بدء الفتوحات الإسلامية ووصولها إلى فلسطين في القرن السابع، حيث خفت حدة الانتاج بشكل ملحوظ، وعادت الأمور إلى سابق عهدها مع وصول الحملات الصليبية إلى فلسطين.
ويُسجل التاريخ أن المصنع الأول للنبيذ في فلسطين التاريخية، تم تشييده على يد مستوطن ألماني في أحد ضواحي تل أبيب، ليعيد بعد ذلك بزمن قصير منع بيع النبيذ للمسلمين من قبل السلطة العثمانية لكنها سمحته لغير المسلمين.
وحديثاً، وقبل أكثر من مئة وثلاثين عامًا، كان كهنة الساليزيان الإيطاليين يعيشون في دير “كريمزان” المطل على القدس المحتلة، وكان الهدف إنتاج النبيذ لاستخدامات بسيطة، أهمها خلال القداس الذي يقام في الكنيسة. لكن الهدف الآخر كان تسجيع الفلسطينيين على العمل في أراضيهم بشكل أكبر.

AFP

كان الكهنة الإيطاليين في كريمزان يوزعون النبيذ على كافة الأديرة في فلسطين، وكان الاعتماد على كروم العنب المزروعة في أراض الدير المحيطة به. كما كانوا يصنعون الخل وزيت الزيتون، وهذه كانت بداية المصنع المستمر حتى يومنا هذا.
ومن وقتها تعرف المزارعون الفلسطينيون على مواصفات العنب الصالح لصناعة النبيذ وكذلك طرق قطفه والموعد المحدد لذلك خلال العام للحفاظ على جودة عالية، وللتأكد من ذلك، تجرى اختبارات دورية على العنب في مختبر يتبع لجامعة الخليل.
ومن أبرز أنواع العنب الفلسطيني التي تدخل في صناعة النبيذ “الجندلي، والعنب البلدي الأسود وهو النوع المفضل للنبيذ الأحمر، وكذلك الحمداني والدبوكي، وهي الأنواع التي يعتمد عليها في صناعة النبيذ المطلوب للتصدير إلى خارج فلسطين.
بعد عصر العنب وتنقيته، يتم تخزينه في براميل خشبية خاصة، تم تصنيعها خصيصًا من خشب البلوط، هذه البراميل هي الأخرى مر على صنعها أكثر من ثمانين عامًا. يوضع فيها عصير العنب لأكثر من أربعة عشر شهرًا قبل تعبئته في زجاجات خاصة. لكن العنب الأسود أي النبيذ الأحمر فيمر في مرحلة أخرى تتجاوز الأربعة عشر ساعة، وذلك لاكسابه مزيدًا من اللون الأحمر عبر قشور العنب، قبل تخزينه وتعبئته.
نبيذ كريمزان يحل علامة تجارية مميزة، معروفة باسم “نجمة بيت لحم”. وحاز النبيذ على جوائز عديدة، ونجح في تصديره نبيذ بيت لحم إلى أمريكا بكل ولاياتها، وأوروبا، خاصة بريطانيا وألمانيا والنرويج، وغيرها الكثير من الدول.
تأثر عمل المصنع مع إصرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي على بناء الجدار الفاصل بين المناطق الفلسطينية والإسرائيلية، وتجريف مساحات واسعة من أراض الدير، ورفع دير كريمزان قضية في المحاكم الإسرائيلية لتغيير مسار هذا الجدار كي لا يضر بهذه الصناعة، التي تشغل عدد لا بأس به من الأيدي العاملة الفلسطينية، وكذلك يدر دخلاً على الرهبان والدير ما يمكنهم من مواصلة عملهم.
وقبل قرابة العقدين من الزمان، بدأ انتاج الجعة الفلسطينية لأول مرة في مصنع صغير في بلدة صغير إلى الشرق من مدينة رام الله، حملت اسم القرية ذاتها وهي “طيبة”. وحديثًا أطلق صاحب مصنع الجعة نديم خوري، قسمًا خاصة لإنتاج النبيذ الفلسطيني مستخدمًا أكثر من عشرين صنفًا من أصناف العنب الفلسطيني.
لكن كل الصناعات الفلسطينية تواجه تحديات كبيرة، أهمها الاحتلال الإسرائيلي وحواجزه المنتشرة في كل مكان ما يعطل تحرك الشحنات ووصول البضائع والأجهزة المطلوبة، وكذلك تحدي التصدير لأن فلسطين ليست دولة بعد، وبالتالي فإنها لا تملك اتفاقات تجارة حرة مع الولايات المتحدة على سبيل المثال، وكذلك أوروبا.
واشتهر في السنوات الأخيرة مهرجان “العنب الفلسطيني – الشهد في عنب الخليل”، وازداد حجم التصدير إلى دول العالم. فمدينة الخليل التي يقطنها مسلمون فلسطينيون فقط، تزرع أكثر من 25 ألف دونم من العنب وتنتج 40 طنًا منه في كل عام.
وحسب أحمد مناصرة مدير عام غرفة تجارة شمال الخليل منسق اللجنة التحضيرية للمهرجان فإن هدف المهرجان تسويقي بالدرجة الأولى لخدمة المزارعين وجمعيات العنب خاصة أن محافظة الخليل ممتدة ريفياً والعنب يصنع منه العديد من المنتجات مثل الدبس والملبن والزبيب وغيرها من المنتجات.

AFP

وجرى تصدير شحنتين من عنب الخليل بعد الاتفاق مع الجانب الأردني. لكن العمل الحقيقي الذي يجري متابعته هو فتح أسواق الخليج العربي أمام العنب الفلسطيني خاصة وأنه منتج ذو جودة عالية، هذا عن التصدير إلى دول العالم الغربي.
ورغم أن صناعة النبيذ ومشتقاته من المشروبات الكحولية تنتج على يد المسيحيين الفلسطينيين الذي يشكلون حاليًا أقل من واحد بالمئة من تعداد السكان في فلسطين. ورغن أن كروم العنب تشكل نسبة 5٪ من الاراضي المزروعة في الضفة الغربية، وتنتج اكثر من 40 الف طن من العنب سنوياً، إلا أن الفلسطينيين المسلمين الذين يشكلون نسبة 99٪ لا يقومون بصناعة النبيذ بل يكتفون بزراعة العنب.
ورغم ذلك، كشفت وكالة الصحافة الفرنسية، عن عدد من الحالات التي يقوم بها مسلمون بصناعة النبيذ البيتي، وشربه في قطاع غزة على وجه التحديد، خاصة وأن وجود النبيذ شح في الأسواق منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة بالقوة في العام 2007.
وقال أبو محمد الرجل ذو الاربعين: ان صناعة النبيذ “خارجة” عن طبيعة مجتمعه المتدين لكنه يعتبر ان “شرب الخمر حرية شخصية. انا استخدم مواد طبيعية لكن الكثير غيري من الشباب يلجأون الى المخدرات وحبوب الهلوسة وغيرها بعد منع المشروبات الروحية”.
ويشرح ابو محمد الطريقة التي يتبعها لتحضير النبيذ وهو يعصر العنب بيديه العاريتين داخل مصفاة كبيرة قائلا: “بعد غسل العنب جيدا وفصل الاعواد الصغيرة عنه اقوم بعصره في الوعاء، بهذه الطريقة تترسب البذور في القاع ثم اقوم بتصفيته جيدا واضع عليه كمية قليلة من الخميرة او الجبن الابيض لتسرع من تكاثر البكتيريا والتخمر”.
ويتابع وهو يباشر المرحلة الثانية بسكب العصير في برميل بلاستيكي سعة 18 لترا متصل بغالون سعة 3 لتر يحتوي على الماء حتى نصفه “اغلق البرميل جيدا والغالون ايضا واتركه لمدة اربعين يوما على الاقل حتى تخرج الغازات من برميل العنب الى الغالون”.
ويؤكد الرجل وهو موظف في مؤسسة تابعة للسلطة الفلسطينية “لجأت الى صناعة النبيذ يدويا بسبب الحصار الاسرائيلي وخصوصا بعد سيطرة (حماس) على غزة”. ولا يخفي ابو محمد خشيته من كشف امره ويقول: “ارتعب حينما يخطر لي ان شرطة (حماس) يمكن ان تكشف أمري خصوصا وانني موظف سلطة لذلك احرص على تحضير النبيذ وحدي في السر ولا ابيع منه”.
وقال جميل الدهشان مدير عام مكافحة المخدرات في شرطة “حماس” في غزة “حتى لو علمنا بأمر أبو محمد، لن نتمكن من اعتقاله. القانون الفلسطيني لا ينص على اية مادة تدين الشخص الذي يشرب الخمر. نكتفي في هذه الحالات بمصادرة المشروب فقط من باب الواجب الاجتماعي”.
ويكشف حسين (56 عاما) ايضا والذي لجأ هو الآخر لتحضير النبيذ منذ اكثر من عامين “اخشى ان يكشفني الامن الداخلي التابع لحماس الذي لن يرحمني” كما انه يخشى “نظرة الناس في المجتمع” ان كشف امره. ويعتمد حسين على الطريقة نفسها في التحضير الا انه يخزن عصير العنب في صندوق خشبي “ليحافظ على النكهة الجيدة”.
اما زياد (30 عاما) فيتبع طريقتين مختلفتين في صناعة النبيذ بحسب ظروفه المادية. وقال هذا الشاب عن هذا العام “بعد ان دمر منزلي في الحرب الاخيرة لم اعد مستقرا في مكان فلجأت لطريقة غير مكلفة وسريعة تعلمتها من عمال فرنسيين كنت اعمل معهم في اسرائيل منذ عشرة اعوام”.
ويلخص الشاب الطريقة “اضع قطوف العنب دون غسلها في غالون اذ يجب ان تكون جافة تماما واضع كمية بسيطة من الخميرة فوق كل كمية حتى يمتلئ الغالون بمسافة تبعد عن فوهته بمقدار ثلاثة سنتيمترات”. ويتابع: “ثم اغلق الغالون بقفاز طبي بإحكام، سينتفخ البالون بالهواء بعد شهر على الاقل وحين يتحجر تماما يكون قد نضج فاوخزه بدبوس حتى يخرج منه الهوا”.
ويشير زياد الى انه كان يقوم في المواسم السابقة بوضع “اربعين كلغم من قطوف العنب في برميل خشبي مبطن بالنايلون البلاستيكي دون غسلها مع فنجان من الخميرة ثم يغطيه بالنايلون ويدفنه في ارض رملية لعام او اكثر”.
ويستبعد زياد ان يتم كشفه من قبل شرطة “حماس” لأنه يعمل سرا “لو كان هذا الاحتمال مرجحا لما جازفت”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق