السلايدر الرئيسيتحقيقات
هجرة المسيحيين الفلسطينيين مستمرة والأرقام صادمة… الاحتلال وعدم وجود دولة فلسطينية فيها استقرار من الأسباب الرئيسية
فادي ابو سعدى
ـ رام الله ـ من فادي ابو سعدى ـ ما أن أعلن أن أعداد المسيحيين الفلسطينيين وصلت إلى أدنى مستوياتها تاريخيًا، حتى بدأ الحديث عن الأسباب والمسببات التي أدت إلى هذه الهجرة، والتي أوصلت نسبة المسيحيين من السكان الأصليين لفلسطين إلى أقل من 1 بالمئة من تعداد السكان العام، وما يقرب من أربعين ألفًا فقط في غزة والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية.
ويشير حنا عيسى الأمين العام للهيئة المسيحية الاسلامية في القدس المحتلة، أن الهجرة في الحالة الفلسطينية، تشكل خطرا داهما مهددا للكيان المسيحي في الأراضي الفلسطينية، فهي تقلص الأعداد وتغرب العربي عن بلده وأرضه. والهجرة مصدرها عدم الاستقرار السياسي في ظل الاحتلال وظلام المستقبل والتوق إلى سلام ولو في الغربة.
ويعتقد عيسى أن هناك أسباب عدة للتراجع الديموغرافي لدى المسيحيين العرب أهمها: تحديد النسل لدى العائلات المسيحية قياساً على العائلات المسلمة، الهجرة الى خارج دول الشرق الأوسط، وهو السبب الأبرز لاستنزاف المسيحيين ديموغرافياً. أما الأسباب التي تدفع ليس المسيحيين وحدهم، بل المسلمين العرب إلى الهجرة أيضاً فهي كثيرة، أهمها، بلا شك، العامل الاقتصادي. وهناك أسباب تتعلق باللاديموقراطية في بعض الأنظمة العربية، وبالتوترات السياسية والاجتماعية، إن لم نقل الحروب الأهلية، وغير ذلك.
ويمكن القول إن الهجرة الأساسية بدأت تتخذ طابعا سياسيا منذ منتصف القرن الماضي، وكان هدفها أو هكذا تبدو، محاولة لتفريغ فلسطين من مكوناتها الحضارية وتنوعها وفق ما ترمي إليه السياسة الإسرائيلية التي سعت ـ ولا تزال ـ لتخريب ثقافة الشعب الفلسطيني ووعيه عن طريق اقتلاعه من موطنه الأصلي وبعثرته في العالم ليتسنى لها استعمار الوطن الفلسطيني. ويمكن تلخيص أسباب هجرة المسيحيين من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 بما يلي: أسباب سياسية، البحث عن العمل، طلب العلم، الالتحاق بالأسرة.
ويؤكد عيسى أنه وفي الفترة بين سنة 1967 و1993 غادر الضفة الغربية وقطاع غزة نحو 13 ألف مهاجر مسيحي، منهم 8 آلاف من الضفة الغربية و5 آلاف من قطاع غزة. أما اليوم، فيغادر الضفة والقطاع نحو 600 مواطن مسيحي سنويا.
تشير التقديرات أن عدد المغتربين من منطقة بيت لحم يصل إلى نحو 100 ألف مغترب، بينما يصل عدد المغتربين من بيت جالا في تشيلي إلى 25 ألفا، وهناك ما بين 2000 و3000 مسيحي غادروها خلال السنوات 1967- 1970.
وأظهرت إحصائية جديدة إلى أن عدد المسيحيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 يبلغ 40 ألفا فقط. وفي أراضي فلسطين المحتلة عام 48 يبلغ 130 ألفا.
وأشارت إحصائية أخيرة أن مجمل عدد المسيحيين في مدينة القدس عام 1944 تجاوز 29350 فردا وقد انخفض الآن ـ أي بعد نحو سبعة عقود ـ إلى أقل من عشرة آلاف فرد فقط.
وأثرت الهجرة سلبيا في تركيبة المجموعة السكانية التي يأتي منها المهاجرون، فمن ناحية يزداد متوسط العمر لهذه المجموعة بفعل هجرة فئة الشباب، وتصبح المجموعة أكبر سنا من بقية السكان، ما يؤثر في نشاطها وفاعليتها. وتتأثر كذلك نسبة النوع في هذه المجموعة، إذ تصبح أعداد أكبر من النساء مقابل الرجال. ولكن الأثر الأسوأ يكمن في ما يسمى هجرة الأدمغة، أي هجرة تلك الطاقات والمهارات الضرورية لاستمرارية ليس الجماعة نفسها فحسب، وإنما المجتمع ككل أيضاً.
ولوقف الهجرة أو على الأقل التقليل من الأرقام المهولة التي تتسارع وتيرتها، فإن حنا يعتقد أولاً أنه يجب العمل في سبيل إحقاق العدل والسلام عبر التوصل إلى حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يضمن الحقوق الفلسطينية المشروعة، وفي مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
وثانيًا، العمل على توفير القيم المجتمعية التي توثق العلاقات في هذه الأيام الصعبة بين مختلف أبناء الوطن، ولا سيما في المجال الديني. وثالثًا، مواجهة الأوضاع الاقتصادية الخانقة بدعم اقتصادي جاد، يولد الثقة في قلوب من يرون في الهجرة نجاة وخلاصا.
أما عن كيفية التصدي لظاهرة الهجرة بالغة الخطورة، فيجب التصدي أولاً، للمشروع الاستعماري الذي يرمي إلى تمزيق شعوب الوطن العربي، ويكون ذلك، من خلال بلورة قومية ثقافية توحِّد مكونات العالم العربي السكانية، ولا سيما في ظروف غياب الوحدة السياسية. ثم، من خلال تجاوز النموذج القومي الأوروبي الذي أقام تعارضاً مصطنعاً بين العروبة والإسلام، ويأتي بعد ذلك، استعادة الكنائس الشرقية هويتها، وكذلك ربط الجاليات العربية المهاجرة بقضايا أمتها وشعوبها.
وثانيًا، وفي ظل المرحلة التي تعيشها أمتنا من ضعفٍ أمام الهجمة الاستعمارية، فإن المقاومة هي التي تشكل عامل إنهاض للأمة، وأداة توحيد لصفوفها، ومصدر اعتزاز بهويتها وبإرثها الحضاري، وبالتالي مصدر تحصين للجميع أمام دوافع الهجرة.
ويعتقد عيسى أن الأهم ثالثًا، هو الحوار، إذ إن الحوار الإسلامي المسيحي في سبيل العيش الواحد في الوطن الواحد ربما يحد من الهجرة. وهو حوار من أجل العيش معا، والبناء معا، ومواجهة التحديات معا، وهو يهدف الى المعرفة المتبادلة التي تؤدي إلى قبول الآخر على اختلافه، فلا يبقى في الوطن وفي الحضارة العربية الواحدة آخر يؤمن إيمانا مختلفا، بل يصبح الآخر وإن اختلف في إيمانه المسيحي أو المسلم أخا يبني ويتقدم ويواجه التحديات ويصمد في وجهها. وهناك ضرورة لاتخاذ خطوات جديدة لتقوية الروابط وترسيخ قاعدة الحضارة الواحدة والدفاع عنها. وأمام التحديات التي تواجهنا كمسيحيين ومسلمين، نحن بحاجة إلى تربية جديدة تؤمن بالمساواة وتعيشها.
ورابعًا وأخيرًا، هو العدل، ففي الأراضي المقدسة ما زالت الدماء تسيل بغزارة، وتستصرخ من يوقفها. والعدل هو الذي يوقفها. والحق العربي والفلسطيني هو الذي يوقفها، وهو الذي يزيل العذر الذي يحاول أن يبرر استمرار سفك الدماء، أي الأمن الإسرائيلي، لأن مثل هذا الأمن له باب واحد وسياج واحد، لا هو في الأسلحة ولا هو في تأييد بعض قوى العالم له، بل هو في العدل إذا تحقق.
وقال عيسى أن مهمة الكنائس المسيحية هي أن تقف إلى جانب كل مظلوم وفقير، إلى جانب كل مظلوم يطالب بأرضه وحريته، لتكون صوتا له، مهما طالت المحنة وتنوعت. ومهمتها أن تطلب الأمن والسلام للجميع، وأن تبقي الأمل حيا في نفوس الناس حتى يحق الحق.
وعن الإرث الثقافي لمسيحيي فلسطين، فما زال شارع “النجمة” أو الطريق السلطاني في مدينة بيت لحم على سبيل المثال لا الحصر، شاهداً على هجرة الأديب الفلسطيني المعروف “جبرا ابراهيم جبرا”. وهو الذي هاجر إلى العراق بعد نكبة فلسطين في العام 1948 وكان برفقة جواد سليم وهما من أسسا حركة الفن التشكيلي العراقي، حتى أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وضع له قبرا وسط قبور الملوك في العراق تقديرًا لفنه وأدبه.
وكان جبرا ليس أديبًا وحسب وإنما مترجمًا وموسيقيًا ورسامًا وناقد سينمائي وفني وهو ما أكسبه خبرة طويلة، وله العديد من المؤلفات التي باتت تدرس في مدارس وجامعات فلسطين والعالم أجمع، ويعتبر من الإرث الثقافي لمسيحيي فلسطين.