السلايدر الرئيسيحقوق إنسان

منظمة المراقبين في الخليل: إسرائيل تنتهك القانون الدولي وتهاجم الفلسطينيين بانتظام

فادي ابو سعدى

ـ رام الله ـ من فادي ابو سعدى ـ أصدرت منظمة المراقبين الدوليين التي تم تشكيلها قبل عشرين سنة لمتابعة ما يحدث في الخليل، تقريرا داخليا شاملا، ينتقد بشدة أعمال إسرائيل في المدينة. وهذه هي المرة الأولى التي يصل فيها محتوى تقرير TIPH -Temporary International Presence in Hebron الوجود الدولي المؤقت في الخليل إلى وسائل الإعلام.

وتعدد الوثيقة السرية سلسلة الخروقات الإسرائيلية للقانون الدولي، وتتطرق إلى الخليل كمدينة تقع تحت نير الاحتلال العسكري والمستوطنين. وتحدد هذه المنظمة التي تم تشكيلها بموافقة إسرائيل من اجل إشعار الفلسطينيين بالأمن وضمان ازدهارهم، أن الخليل مقسمة الآن أكثر من أي وقت سابق، بسبب أفعال حكومة إسرائيل والمستوطنين.

وقد تشكلت منظمة المراقبين الدوليين TIPH من قبل إسرائيل والسلطة الفلسطينية في إطار اتفاق “واي ريفر”، التي تم توقيعه في 1998 من قبل ياسر عرفات ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، خلال ولايته الأولى. وسبق أن تم تشكيل قوة سابقة من هذه المنظمة في أعقاب المذبحة التي نفذها باروخ غولدشتاين في الحرم الإبراهيمي في 1994، والتي قتل خلالها 29 من المصلين الفلسطينيين. وفي التركيبة الحالية تضم منظمة المراقبين الدوليين 64 مراقبا من خمس دول مانحة: إيطاليا والنرويج والسويد وسويسرا وتركيا.

هناك جدل حول سمعة هذه المنظمة، والفلسطينيون ينتقدون كونها عديمة الأسنان. ولكن رغم قيودها فان مكانتها هامة أكثر من منظمات دولية أخرى تعمل في المنطقة. أما المسؤولين الإسرائيليين فيرفضون، على الأغلب، ادعاءات جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان التي تعمل في الخليل بذريعة أنها منظمات يسارية. وفي المقابل، يلتقي أعضاء المنظمة بشكل دائم مع ممثلي الجيش الإسرائيلي وضباط الإدارة المدنية، ويتمتعون بحرية التنقل في شوارع المدينة. والأهم من ذلك هو أن إسرائيل تسمح لهذا الجسم بأن يعمل في الخليل منذ عشرين سنة، وهي تجدد تفويضه كل ستة أشهر.

في الفترة الأخيرة تعرضت المنظمة لانتقادات شديدة، لا سيما من رجال اليمين الإسرائيلي، بعد أن تم توثيق أحد أعضاء المنظمة وهو يقوم بصفع فتى إسرائيلي، ونشيط آخر قام بثقب إطارات سيارة للمستوطنين. وفي أعقاب ذلك استدعى رئيس الحكومة، قبل نحو خمسة أشهر، رئيس هذه المنظمة لمقابلته. وخلال زيارته إلى باريس، في الشهر الماضي، قال نتنياهو إنه سيناقش “استمرار نشاط هذه المنظمة”. ويخضع رئيس الحكومة لضغط متزايد كي يوقف نشاطات المراقبين.

وقد تم نشر التقرير الخطير في أواخر العام 2017، وتم طلبه من اجل تلخيص عقدين من نشاط المنظمة في المدينة حتى الآن، مع التركيز على المشاكل المتكررة التي شخصها أعضاؤها. ويستند التقرير يرتكز إلى 40 ألف “تقرير عن أحداث” جمعتها المنظمة على مدى هذه السنوات.

حسب معدو التقرير فان الخليل تسير في الطريق المعاكس لذلك الذي تم الاتفاق عليه، في 1997، بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في إطار اتفاق الخليل، أحد ملاحق اتفاقات أوسلو. لقد قسم الاتفاق المدينة إلى قسمين : H1، الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، وتضم نحو 80% من المدينة التي يعيش فيها 175 ألف فلسطيني. وH2، الخاضعة لسيطرة إسرائيل ويعيش فيها بين 500 – 800 إسرائيلي إلى جانب 40 ألف فلسطيني.

ووجد التقرير أن إسرائيل تقيد حرية الحركة وحقوق العبادة للفلسطينيين الذين يعيشون في منطقة H2. وبذلك تكون إسرائيل مسؤولة عن “خرق واضح وروتيني” لحق عدم التمييز، خلافا لما كتب في الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه إسرائيل في 1991. كما جاء في التقرير أن إسرائيل تخرق بصورة مستمرة المادة 49 من ميثاق جنيف الرابع، التي تحظر طرد الناس من منطقة محتلة. وحسب الوثيقة، فإن السعي لـ “حياة طبيعية” لا يسري في أي جزء من المدينة، وبالأساس ليس في منطقة البلدة القديمة في الخليل، التي تقع في منطقة H2. هكذا مثلا فان سوق الخضار الفلسطيني القديم تحول إلى منطقة عسكرية إسرائيلية، سيطر عليها المستوطنون أكثر من مرة، وتستخدم كملعب لأولادهم.

وحسب TIPH فان كل وجود لمستوطنة إسرائيلية في الخليل يشكل خرقا للقانون الدولي. ويشكك التقرير، أيضا، بادعاءات المستوطنين بشأن ملكية عقارات في البلدة القديمة في الخليل. فحسب أقوال المستوطنين، فانهم يمثلون أصحاب ملكية يهود قدامى هربوا أو قتلوا في أحداث 1929 في المدينة. ولكن حسب منظمة TIPH فانه لا يوجد للمستوطنين الحاليين أي علاقة عائلية بالمالكين القدامى للمناطق، التي كانت غير مأهولة أو استخدمها يهود قبل 1929، ومسألة الملكية على الأرض لا تزال بدون حل.

كما جاء في التقرير الذي نشرت تفاصيله صحيفة هآرتس، أن تقسيم المدينة يناقض ما جاء في اتفاق الخليل، ويصعب حرية الحركة للناس والبضائع والسيارات. وهكذا فان العوائق والحواجز العسكرية الكثيرة التي أقيمت بين شطري المدينة تعيق تحركات السكان الفلسطينيين في الأساس.

وكما يبدو، فإن شارع الشهداء هو الأكثر شهرة في الخليل. والتقرير يركز عليه من أجل التدليل على ما يتضمنه من انتقادات. في الشارع كان هناك في السابق سوق فلسطيني مزدهر، لكنه اليوم يخلو من الفلسطينيين وتم إغلاق المحلات التجارية فيه. ولا يسمح للفلسطينيين بالسفر عليه بالسيارات ولا يستطيعون حتى الوصول إلى أجزاء منه سيراً على الأقدام. ويشير التقرير إلى كيفية تعقب TIPH في العشرين سنة الأخيرة للقيود المشددة التي فرضت على تحركات الفلسطينيين في الشارع، بل امتدت إلى أجزاء أخرى في منطقة H2. في المقابل سمحت إسرائيل للسائقين الإسرائيليين بالوصول إلى كل الشوارع في منطقة H2.

حسب التقرير، حصل المستوطنون بالتدريج على تصاريح بالبناء وتوسيع الاستيطان في المدينة، حتى على حساب اراضي الفلسطينيين. كما جاء أيضا، أن المستوطنين حصلوا على افضليه في كل ما يتعلق بالبنى التحتية للبناء وصيانة الشوارع وشبكة المياه.

ويشير التقرير إلى أن أعضاء TIPH كانوا شهود على استخدام الأمر العسكري من اجل إغلاق طريق الوصول إلى الأراضي في مستوطنة تل رميدة، من اجل القيام بحفريات أثرية، كي تشكل بينات على وجود يهودي في المكان منذ القرن الأول قبل الميلاد، وبذلك منع وصول الفلسطينيين إلى المكان بعد سنوات طويلة كان يسمح لهم خلالها بالوصول إلى المنطقة.

وحسب TIPH فان حرية حركة الفلسطينيين الذين يعيشون في تل رميدة تضررت جدا. على مر السنين تم تطويق المنطقة بالحواجز، ولا يسمح للفلسطينيين باستقبال ضيوف لا يظهرون في قوائم الجيش الإسرائيلي الذين يخدمون في المكان، والذين، حسب التقرير، يضايقون الفلسطينيين غالبا. كما يشير التقرير إلى مراكمة العقبات أمام الفلسطينيين في المكان، في نشاطات مثل التعليم والعمل وإجراء العلاقات العائلية.

ويفصل التقرير، أيضا، كيف تم شق شوارع على اراضي زراعية فلسطينية مخصصة فقط للمصلين اليهود الذين يسافرون من كريات أربع إلى وسط الخليل. وتم هدم البيوت الفلسطينية التي قامت في نهاية هذا المسار منذ العهد العثماني.

ويشير التقرير إلى انتقاد آخر بتعلق بعدد العوائق التي وضعت أمام الفلسطينيين المعنيين بالوصول إلى الحرم الإبراهيمي – المكان المقدس للمسلمين واليهود على حد سواء – والذي تقوم فيه أيضا مغارة الماكفيلاه. حاليا، هناك نقطتان فقط تتيحان الوصول إلى الموقع الإسلامي المقدس، ويضطر المصلون إلى عبور عدة حواجز من اجل الوصول إليه. كذلك، يضطر المصلون إلى اجتياز أعمال التفتيش، وأحيانا إلى خلع جزء من ملابسهم.

كما أشير إلى منع المؤذن في الحرم من دعوة المصلين إلى الصلاة عبر مكبرات الصوت، في أمسيات الجمعة وأيام السبت، من اجل الحفاظ على حرمة السبت. وحسب TIPH، في 2003 كان عدد المصلين المسلمين أيام الجمعة يصل إلى 1600 تقريبا، وفي 2017 تقلص العدد إلى النصف.

رغم أن المنظمة توجه انتقادات شديدة لإسرائيل، إلا أن التقرير لا يطرح أمامها أي طلب ولا يدعو الإسرائيليين أو الفلسطينيين إلى اتخاذ أي إجراء. وتم تسليم التقرير لوزراء خارجية الدول الخمس المانحة وعرض أمام دبلوماسيين زاروا الخليل، مؤخرا.

وجاء من TIPH أن التفويض الممنوح لهذا الجسم هو “المساعدة في الإشراف والإبلاغ من اجل الحفاظ على حياة طبيعية في المدينة وفقا لاتفاق الخليل. التقارير يتم نقلها بصورة روتينية إلى إسرائيل والسلطة الفلسطينية والدول الخمس المانحة. وحسب طلب هذه الدول فان كل معلومة تقدمها TIPH تعتبر سرية. وهذا الجسم يتحاور بشكل دائم مع الطرفين”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق