أحمد المصري
قبل أعوام قرأت مقالا للزميل المبدع تركي الدخيل، علق في ذاكرتي منه حكاية اوردها الدخيل وأدهشتني، وتذكرتها نهايات العام الماضي ودولة الإمارات العربية المتحدة تعلن عام 2019 عاما للتسامح.
في مقال الدخيل أستذكر كيف أن مكتشفا وعالم آثار أوروبي كان موجودا في الإمارات مطلع التسعينات، وأنه اكتشف آثار كنيسة مسيحية في جزيرة صير بني ياس ويعود تاريخ الكنيسة للقرن السابع الميلادي.
العالم الإنجليزي حظي بعد اكتشافه “السري حينها” بأيام بمرافقة مع الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان، واستعصى على العالم البوح باكتشافه وهو يفكر ويقلب أخماسا بأسداس كيف يمكن أن يبلغ زعيما عربيا مسلما مثل الشيخ زايد بوجود آثار مسيحية في بلاده.
ويورد الدخيل حسبما أتذكر من المقال أن الشيخ زايد لاحظ اضطراب الرجل فبادره بالسؤال عما في عقله، فحكى الإنجليزي للشيخ زايد قصة اكتشافه في جزيرة صير بني ياس، وتفاجأ من رد فعل الراحل الكبير وهو يبتهج ويقول للعالم الإنجليزي ما مفاده أنه من المفرح أن نعرف أن لنا أسلافا هنا في هذه الأرض كانوا مسيحيين قبل الدعوة الإسلامية، وطلب منه الفقيد الكبير أن يكمل اكتشافه ويحافظ على الآثار باعتبارها ثورة تاريخية ووطنية للإمارات.
لم يكن مدهشا لي إذا والحال كذلك أن تعلن الإمارات عام 2019 عاما للتسامح، ولا أرى غرابة في الأخبار الواردة بين حين وآخر عن حجم التسامح العرقي والديني والإنساني في الإمارات وبذات الوقت لا أرى غرابة في تصيد قوى الجهل المتطرف من تيارات تسيس الأديان مثل الإخوان المسلمين وهم يغمزون من قناة دولة الإمارات، كأن التسامح عيب أو منقصة، وهو ما يعكس المنقصة الإنسانية والأخلاقية لدى تلك التيارات وحواضنهم التي تناصب الفكر الإنساني العداء وتضخ في مواجهته أموال الشر في إعلامها المضلل.
لكن المستغرب عندي بعيدا عن كل ذلك، هو ما أراه أولوية لدى دول أخرى بين مكونها الوطني ومواطنيها مسيحيون وأقباط ويهود وإسماعيليون وبهائيون وطوائف أخرى عديدة من المؤمنين كلا على دينه.
إن دولا مثل مصر، والأردن ، وتونس والمغرب والعراق هي الأولى بأن تضبط تشريعاتها القانونية على مسطرة المواطنة المتساوية فتقضي على بذور التطرف وخطابات الكراهية التي لا يمكن أن يغفلها أحد سواءا في بعض إعلامها او في فلتان وسائل التواصل الاجتماعي فيها، وهذا لا يتأتى بقمع حرية التعبير بل بعمل مدروس وممنهج في تربية أجيال تدرك معنى المواطنة والقانون، فتتفهم بعد ذلك التسامح الديني والعرقي والإنساني.
المطلوب تجريم وتحريم الاساءة الى الاديان من خلال استحداث قوانين وتشريعات واجراء تعديلات اخرى وتعزيز القيم المشتركة بين المسلمين والمسيحيين في الدول العربية والاعتناء بالتربية والتعليم في المناهج التعليمية وتعزيزها لدى الطلاب الصغار والاطفال واحترام الاخر والتركيز على دور العرب المسيحيين في بناء الأوطان العربية والمساهمة فيما وصلت اليه من تطور ووحدة المصير والدم.
شهدنا مؤخرا اصوات تحرم معايدة المسيحيين في اعيادهم وهي اصوات نشاز لا تحمل اي معنى للتسامح، لذلك يجب القضاء على ما يدور من خطاب كراهية ومعلومات مغلوطة عن الاديان والجدل الدائر على منصات التواصل الاجتماعي العربية وبشكل “لا اخلاقي”، ما يعزز خطاب الكراهية وينذر المجتمعات، وهو ما ينسحب أيضا على غالبية منصات التواصل الإجتماعي في المغرب العربي أيضا وفي المشرق.
كنت قد لمحت اخبارا من مصر تتضمن صورا لنماذج المناهج التعليمية الجديدة في المدارس تحتوي تعريفا بالدين المسيحي ورموزه المقدسة للجميع، وهذا نشر للوعي، حيوي وهادف، فالإنسان دوما عدو ما يجهل، والإستنارة والتنوير بالمعرفة تبدد عتمة الجهل فيتلاشى التطرف.
شكرا للإمارات على مبادرتها التي تضع العالم العربي في مواجهة ذاته، وهي ذات تعددية بطبيعتها التاريخية والجغرافية… في الدين والعرق واللغة والهويات التي نتمنى أن تصبح غير قاتلة.