صحف
هآرتس: سكان المغير ذكروا أن مستوطنين يرتدون ملابس بيضاء وصلوا إلى القرية وأطلقوا النار فيما وقف الجنود على الحياد
ـ رام الله ـ تنشر عميرة هس في صحيفة “هآرتس” تقريرا حول الأحداث في قرية المغير جاء فيه أن المستوطنين وصلوا من الشمال وهم يرتدون ملابس بيضاء ومسلحين، واقتربوا من منازل عائلة أبو عليا. واجتمع القرويون بالقرب من المنازل، وخاصة الشبان منهم، وكانوا يعرفون أن المستوطنين كانوا في طريقهم إلى القرية فخرجوا للدفاع عن المنازل وسكانها.
وقبل وقت قصير، في حوالي الساعة 14:30 من يوم السبت، اتصل أكرم بأناس من القرية، وأبلغهم أنه خرج هو وابنه لحرث الأرض. وتقع قطعة الأرض التي يملكها في منطقة لا تتطلب التنسيق المسبق أو موافقة الجيش. أي أنها ليست قريبة جداً من احدى البؤر الاستيطانية العنيفة التي طورتها مستوطنة شيلو خلال العشرين سنة الماضية. ومع ذلك فقد دمر “مجهولون” أشجاره في الماضي، أكثر من مرة.
وقال أكرم لأصدقائه وعائلته إن المستوطنين اقتربوا وبدأوا في تخريب جراره، وأنه سارع إلى الموقع العسكري في المنطقة طالبا من الجنود التدخل. وقال إنه ابلغ الجنود بأن المستوطنين خربوا جراره، فأخبره الجنود أن عليه الذهاب إلى الشرطة، لأنه ليس من مهامهم التدخل. وفهم هو وابنه أن الجنود لن يدافعون عنهم، فركضا نحو القرية للنجاة بحياتهما وابلغا الناس بأن المستوطنين يقتربون.
محمود، البالغ من العمر 50 عاماً، مريض بالقلب، ولذلك لم ينضم إلى السكان الذين ركضوا نحو المنازل الواقعة على طرف للقرية. ووقف فوق الجبل في الجنوب، يراقب ما يحدث من مسافة بضع مئات من الأمتار، وشاهد المستوطنين الذين يرتدون الملابس البيضاء وهم يخرجون من بين الأشجار الكثيفة على القمة المقابلة.
وقال لصحيفة “هآرتس”، يوم الأحد، إنهم كانوا بين 10 و15 مستوطنًا، ويتذكر أن المستوطنين أطلقوا النار وهم يسيرون باتجاه القرية. لقد ساروا مثل الجنود، في صف منتظم. كما رأى الجنود الذين رابطوا على سطح أحد المنازل والذين أطلقوا النار في الهواء وأطلقوا قنابل الغاز المسيل للدموع على الطريق نحو السكان الذين واصلوا المجيء لحماية البيوت وسكانها. واقترب المستوطنون، وفي مرحلة معينة انضم إليهم جنود آخرون جاءوا من الوادي. وقام الشبان برشق الحجارة على المستوطنين حتى لا يقتربوا، بينما أطلق المستوطنون النار، واختبأ الشبان خلف شرفة بينما واصل المستوطنون التقدم.
وكان أحد أوائل الذين عرفوا بما يحدث، هو فرج نعسان، رئيس لجنة التنسيق المدني في أريحا (التي تحافظ على اتصال مع دائرة التنسيق والارتباط الإسرائيلية). فرج يتلقى دائما اتصالات عندما تكون هناك مشاكل مع المستوطنين. لقد كان في منزله بعد ظهر ذلك اليوم، وسارع إلى بيت عائلة أبو عليا. كان ذلك حوالي الساعة 15:30. وانضم إليه ابنه وبن أخيه حمدي. كان حمدي، 38 عاما، لا يزال يرتدي ملابس العمل. وهو عامل بناء، يملأ الفجوات بين الطوب بالإسمنت. في الصباح كان لا يزال جالسا في قرية مالك، حيث أنهى اتفاقا على العمل في مبنى آخر. لقد أمضى سبع سنوات في السجن، “بتهمة أنه فلسطيني”، كما قال فرج لصحيفة هآرتس. وقد أطلق سراحه في عام 2009. لديه أربعة أطفال، أصغرهم بلغت عامها الأول هذا الأسبوع فقط.
كان فرج وحمدي نعسان يقفان بجوار منزل موسى أبو عليا. ومن مكانه، رأى فرج ثلاثة مستوطنين مسلحين يسيرون في المنطقة المكشوفة، بين الصخور، وكان بجانبهم ثلاثة جنود. كانوا على بعد حوالي 70 مترا من القرويين الذين خرجوا للدفاع عن المنازل. ويقول إن الجنود أطلقوا النار في الهواء، بينما قام مستوطنين، كانا بجانب الجنود، بإطلاق النار عليهم. ويتذكر أنه شاهد بندقية عوزي وبندقيتي M-16. لقد أطلقوا طلقات قليلة ولكن دقيقة. وأصابت احدى الطلقات خزان المياه الكبير على سطح المنزل. وانفجر الماء منه. وسمع هتافا بأن أحدهم قد أصيب.
وركض حمدي، 38 عاما، نحو أول مصاب لإنقاذه. ونقله إلى سيارة أجرة تابعة لأحد أفراد عائلة أبو عليا. بعد ذلك سمعوا صرخة بأن كان هناك مصاب آخر. وركض حمدي لإنقاذه أيضا، كما قال فرج.
كان الساعة قد أصبحت 16:30. انحنى حمدي على الأرض، وعندما بدأ في رفع ظهره، تم إطلاق النار عليه. في ظهره، كما يقول فرج. وبينما حاولوا إنقاذه ونقله إلى سيارة إسعاف، أطلق الجنود الذين وقفوا على السقف قنابل الغاز المسيل للدموع على الطريق. وقال فرج: “اتصلت بالجيش ومكتب التنسيق والارتباط الإسرائيلي، لكي أقول لهم إنه لا يمكننا إنقاذ الجرحى بسبب الغاز المسيل للدموع”. وقد وصل 12 مصابا إلى المستشفى في رام الله، حيث تبين أن بعضهم أصيبوا في البطن والبعض الآخر في سيقانهم. وفي المستشفى تم تحديد وفاة حمدي.
في صباح يوم الأحد، عاد الجنود إلى موقع إطلاق النار وجمعوا عبوات الرصاص، كما روى صبي في العاشرة من عائلة أبو عليا لصحيفة “هآرتس”. في الساعة 10:30 صباحاً، تجمع مئات الأشخاص بالقرب من بيت حمدي وانتظروا وصول الجثة بصمت. ولدى وصولها قام الشبان بإخراجها من سيارة الإسعاف وادخلوها إلى المنزل، كي تودع النساء حمدي. وعلت أصوات البكاء والنحيب من المنزل وساحة الفناء المحيطة به، في حين هتف الشباب بشعارات مثل “لماذا الخوف” و “نحن نعيش تحت نار الجيش”. ومن هناك، نقل الشبان القتيل إلى وسط القرية لصلاة العصر التي أقيمت في ساحة قاعة أفراح. وسار المئات من القرويين والقرى المجاورة في صمت ولم ينضموا إلى الشعارات التي رددها الشبان.
لقد سمع الناس الشعارات العادية عن المقاومة في الخطابات التي ألقيت في المقبرة، أيضا. وعندما غادر غالبية المشيعين المقبرة، أحضر أحد أخوة القتيل أمه إلى القبر الجديد. “لا تبكي”، قال لها وعانق الأم الباكية. “هو الآن في أيدي الله، في عالم ليس له نهاية.” حول القبر المغطى بأكاليل الزهور بقي عدد قليل من الشبان، الذين لفوا الكوفيات حول أعناقهم. جلسوا على الأرض وعلى الحجارة، وهم ينتحبون.