السلايدر الرئيسيشمال أفريقيا
تونس: غياب هيبة الدولة وتراجع قيمة العمل ضربا قطاع الخدمات
– تونس – خاص – يلاحظ زوار تونس كما مواطنيها الوضع البيئي المتردي في العاصمة وفي جل مناطق وجهات البلاد، فضلات تملأ الشوارع والساحات العامة والأحياء السكنية. ويشتكي التونسيون من صعوبة العيش بسبب تفشي الأمراض الناجمة عن التلوث. وأعلنت وزارة الصحة التونسية مؤخرا عن وقوع إصابات بحمى غرب النيل التي تنتقل إلى الإنسان عن طريق الباعوض الذي ينتشر في مجاري المياه غير المطهرة. في الوقت ذاته تدهورت الخدمات الصحية منذ سنوات وأصبح قطاع الصحة في حد ذاته مريضا يحتاج الإنقاذ العاجل هذا بجانب سوء الخدمات الإدارية خصوصا في المؤسسات العمومية ومن بينها المؤسسات التربوية والتعليمية.
حالة من الانهيار التام يشهدها قطاع الخدمات في تونس. معاناة المواطن وشكاويه باتت يومية بالرغم من كونه أحد العناصر المساهمة في ذلك. الدولة من جانبها وبمختلف وزارات الإشراف على القطاعات الخدمية والمؤسسات المتفرعة عنها تكاد تعجز عن رأب الصدع وإصلاح الوضع الراهن وهو ما جعلها تدفع فاتورة باهظة في تدخلاتها العاجلة والتي لا تحتمل التأجيل بالرغم من الوضع الاقتصادي الصعب وعندما تلام عن ذلك توجه أصابع الاتهام إلى المواطن.
وتعد الخدمات في مجالي الصحة والتعليم الأهم والأكثر حساسية بالنسبة للتونسي فهي في علاقة مباشرة بسلامته وحياته ومستقبله ومستقبل أبنائه؛ فالعائلات من الطبقة المتوسطة والفقيرة ليس لديها بدائل وخيارات كثيرة فإمكانياتها المادية لا تسمح لها بالولوج إلى المصحات الخاصة ولا المدارس والمعاهد الخاصة المكلفة جدا في مقابل ضعف المقدرة الشرائية وغلاء المعيشة.
وبالرغم من الأهمية والأولوية المطلقة لقطاع الصحة إلا أن المستشفيات العمومية باتت تقدم خدمات أقل ما توصف به أنها جد رديئة: بنية تحتية في أغلب المستشفيات متهالكة وأجهزة ووسائل العمل الطبي إما قديمة أو معطلة أو غير متوفرة، اكتظاظ دائم خصوصا في المستشفيات الكبيرة في العاصمة والمدن الكبرى، طوابير انتظار طويلة في جميع الأقسام وبعض المرضى لا يجدون مكانا شاغرا للإقامة أو لإجراء عمليات جراحية ضرورية لحياتهم. وبالرغم من تميز تونس من ناحية الموارد البشرية المتخصصة في الطب والتي حققت نجاحات عالمية في العديد من الاختصاصات إلا أن ذلك لم يشفع للنهوض بقطاع الصحة في تونس وكثيرا ما يشتكي المواطن من العاملين في المستشفيات وتحديدا من الإطار شبه الطبي وأعوان الإدارة والتسيير.
وبما أن التقاطع بين المجالين البيئي والصحي مفروغ منه فإن الوضع البيئي المتسم بترد غير مسبوق إذ أصبح من أهم العوامل المؤثرة على صحة المواطن وهو عنصر مهم في قائمة أسباب اكتظاظ المستشفيات بسبب انتشار الكثير من الأمراض الناتجة عن التلوث ومخلفاته. وقد تأكد مؤخرا ظهور حالات لإصابات بعدد من الأمراض الوبائية مثل جنون البقر وحمى غرب النيل. وكانت المديرة العامة للمرصد الوطني للأمراض الجديدة والمتجددة نصاف بن علية قد صرحت أنه تم تسجيل ثلاث حالات إصابة بحمى غرب النيل من مجموع 11 حالة مشتبهة.
وتوقعت بن علية أن تكون هذه السنة سنة وبائية لمرض حمى غرب النيل وذلك بسبب الظروف المناخية التي مرت بها تونس وبلدان البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى تكاثر البعوض بسبب هطول كميات هامة من الأمطار التي خلفت الكثير من المياه الراكدة بسبب أعطال في قنوات الصرف الصحي للمياه الراكدة والمستعملة .
أما مجال التعليم فأهميته لدى التونسي تضاهي أهمية مجال الصحة نظرا لإيمانه بقيمة العلم والمعرفة وبتعويله على أبنائه لتحقيق مستقبل أفضل لهم وله. ويظل المجال الذي يستثمر فيه التونسيون لرهانهم على أن أهم مصادر ثروة تونس هي الموارد البشرية والأبناء الذين يتخذون من التعليم مصعدا للارتقاء الاجتماعي والفردي غير أن مؤسسات التعليم بدورها باتت مصدر تأزم وتوتر إضافي للأسرة وللطلاب على حد سواء. فالمنظومة التعليمية المعتمدة منذ عقود ما عادت تستجيب لمتطلبات العصر من حيث الحداثة والتطور التكنولوجي الهائل ولا من حيث قدرتها على ضمان الحصول على وظيفة تضمن مستقبلا زاهرا للناجحين من الطلاب.
وبالرغم من صعوبة الظروف المعيشية إلا أن إيمان التونسيين بالتعليم وتعلقهم به على أنه السبيل الأمثل لضمان مستقبل أبنائهم جعلهم ينفقون عليه أكثر من طاقتهم وقد تقع غالبية الأسر في المديونية دون الثقة في كونه ضمانة فعلية لمستقبل أفضل خصوصا في ظل وضع المؤسسات التعليمية التي بات أغلبها يشبه البناءات الأثرية إلى درجة أن الفصول لم تعد فضاء تعليميا مريحا للطلاب ولا مشجعا على التعلم.
وليس مستغربا ما وصلت إليه أوضاع الخدمات البيئية والصحية والتعليمية في تونس بسبب حالة التشاؤم وحالة الضياع التي بات يعيشها المواطن والمجتمع بأكمله، بسبب ضبابية المشهد السياسي وتدهور الوضع الاقتصادي حيث لم يعد التونسي قادرا على استشراف مستقبل أفضل. وغياب الرؤية المستقبلية من أعلى هرم السلطة إلى الأفراد أفقد التونسيين قيم العمل والجدية فيه في جل المجالات والمؤسسات وهو ما خلق حالة من اللامبالاة منطلقها شعور طاغ بضعف الدولة واستشراء الفساد في جل أجهزتها المشرفة على الخدمات.