تحقيقات
أهالي مدينة العريش المصرية يتمسكون بأمل “أربعاء أيوب”
ـ العريش ـ قبيل غروب شمس يوم الثلاثاء في الأسبوع الذي يسبق “شم النسيم” من كل عام يتوافد أصحاب الحاجات ممن يؤمنون بـ”أربعاء أيوب” إلى شواطئ مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء في مصر، يحدوهم الأمل في شفاء من مرض عضال أو إنجاب طفل بعد سنين من الزواج أو سعة في الرزق.
ورغم أن هذا الطقس يتزامن مع أعياد الأقباط، يكون المشاركون فيه من المسلمين والمسيحيين على حد سواء.
ولا يكترث الحريصون على المشاركة كثيرا بمعرفة كيف بدأ هذا الطقس المعروف محليا باسم “أربعة أيوب”، إلا أن خبراء التراث يؤكدون أنه مرتبط بالنبي أيوب الذي يُعتقد أنه سكن قرية “أبي صقل”، التي كانت ولا تزال معروفة بنشاط الصيد.
“سبع مرات من الغوص والاغتسال بمياه البحر لحظة الغروب مع استحضار كامل للأمنية المرجوة والدعاء طلباً للاستجابة هو كل ما يحتاجه ويفعله أصحاب الأماني”، هكذا لخص حسن إبراهيم، خبير التراث السيناوي هذا الطقس، مؤكداً أن الاحتفال به تراجع خلال السنوات الماضية لأسباب تتعلق بالأوضاع الأمنية.
وقال إبراهيم لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) :”رغم تراجع المشاركة في الاحتفال، إلا أن كبار السن لا يفقدون حماسهم في الذهاب إلى شواطئ البحر، كما يحرصون على مشاركة الأبناء في هذه العادة التي يؤمنون بها ويروون قصصا لا تنتهي عنها: سيدات عانين من العقم وصار لديهن أكثر من ولد بعد طول انتظار، ومرضى أصبحوا يتمتعون بالصحة بعد الشفاء الكامل من أمراض لم يكن يرجى منها شفاء، وفقراء أغناهم الله بعدما اغتسلوا بماء البحر في أربعة أيوب”.
وشهدت الأوضاع في شمال سيناء تحسنا كبيرا منذ العملية العسكرية الموسعة التي أطلقها الجيش المصري بالتعاون مع قوات الأمن في شباط/فبراير من العام الماضي، وحملت اسم العملية “سيناء 2018″.
وتؤمن سليمة محمود بصحة القول المأثور لدى العامة من سكان العريش :”اللي ما يغتسل بأربعة أيوب جسمه يفني ويدوب”.
وتروي السيدة السبعينية، ل ـ(د.ب.أ)، :”وعينا على الدنيا ووجدنا الآباء والأجداد وسكان سيناء من البدو والحضر يحرصون على الوجود على البحر وأداء هذه العادة تبركا بسيدنا أيوب الذي شفاه الله هنا وبنفس الطريقة … هو نبي سكن أرضنا ونزل بحرنا واغتسل به مناجيا ربه فاستجاب له وشفاه، وهو تماماً ما نفعله معلقين كل الآمال على رب كريم، كثيرا ما استجاب لأناس أعرفهم ويسر لهم أحوالهم”.
وقد جرت العادة على اصطحاب الأهالي لمرضاهم والنزول بهم إلى مياه بحر العريش وقت غروب الشمس يوم الثلاثاء والمكوث في الماء حتى مرور سبع موجات متتالية من البحر، وفقا للمعتقدات بأن النبي أيوب ظل في البحر حتى مرور سبع موجات متتالية على جسده.
ويؤكد الخبير في التراث السيناوي قدري الكاشف، لـ “د.ب.أ”، ارتباط هذا الطقس بقصة النبي أيوب، ويوضح أن المعتقدات المحلية تتضمن أنه “لما طال المرض العضال بالنبي أيوب، عليه السلام، واستمر أربعين عاما، انتقلت به زوجته إلى سيناء وخاصة شاطئ بحر العريش، وعندها غمرت أمواج البحر المتوسط الشاطئ وغطت جسد النبي، وبعد مرور سبع موجات متتالية، شُفي أيوب من مرضه العضال في الحال، وكان ذلك وقت غروب شمس يوم الثلاثاء/الأربعاء الذي يسبق يوم شم النسيم”. ويوضح خبير التراث صلاح الدين مصطفي، لـ “د.ب.أ”، أنه “مع مرور الوقت، لم يعد المرضى فقط هم من ينتظرون هذا اليوم، وإنما أصبح كل من له أمنية أو مطلب أو حاجه ينتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر”.
ولفت صلاح إلى أن هذا الطقس ليس خاصا بالعريش وأن هناك دولا أخرى تطل على البحر المتوسط لديها طقوس مماثلة.
وأوضح صلاح:”هناك مدن عربية أخرى مطلة على البحر المتوسط تحتفل هي الأخرى بالطقس ويعتقد أهلها أن شفاء النبي أيوب كان على شواطئهم، حيث يتم في العاصمة اللبنانية بيروت إحياء الفعالية بطقوس خاصة، وكذلك في مدينة اللاذقية الساحلية السورية”.
ويضيف :”يتنازع العرب على سواحل المتوسط قصة أربعاء أيوب وتراثها الشعبي … ولكن الجميع متفقون على صدق الواقعة وعلى حدوثها على شواطئ البحر المتوسط”. (د ب أ)