السلايدر الرئيسيشرق أوسط
الوصاية السوريّة توصي بـ “تحجيم” وليد جنبلاط على خلفيّة مواقفه الأخيرة لـ “روسيا اليوم”
جمال دملج
ـ بيروت ـ من جمال دملج ـ إذا كان التوصيف الأكثر بلاغةً في التعبير عمّا يجسِّده مصطلح الحقيقة من دلالاتٍ رمزيّةٍ في حياتنا الإنسانيّة يتمثَّل في تشبيهها بالشمس التي لا بدَّ من أن تُضفي أشعَّتها الساطعة في نهاية المطاف على الكون مهما حجبَتها الغيوم، فإنّ التوصيف الأكثر جدارةً للاستخدام لدى استعراض ردود الأفعال السوريّة على المواقف الجريئة التي أطلقها رئيس الحزب التقدُّميّ الاشتراكيّ وليد جنبلاط خلال مقابلته التلفزيونيّة الأخيرة مع مقدِّم برنامج “قصارى القول” على شاشة قناة “روسيا اليوم” سلام مسافر، سواءٌ تلك التي أكَّد فيها على “عدمِ لبنانيّةِ” مزارع شبعا المحتلَّةِ والواقعةِ عند المثلَّث الحدوديّ اللبنانيّ – الإسرائيليّ – السوريّ، أم التي كشَف بموجبها النقاب عن قنواتِ اتّصالٍ ظلَّت مفتوحةً على الدوام ما بين دمشق وما بين تلّ أبيب بوساطةٍ روسيّةٍ، يتمثَّل في أنّ المسؤولين السوريّين، وإلى جانبهم بعض ببّغاءاتهم التقليديّين في لبنان، ظهروا خلال اليومين الماضيين في وسائل الإعلام كما وأنّهم يحاولون حَجْب أشعَّة الشمس – الحقيقة بغربالٍ قديمٍ يتوسَّطه ثقبٌ كبيرٌ ناجمٌ في الأصل عن محاولاتٍ مماثلةٍ سابقةٍ، بدءاً من زمان “وديعة رابين” الشهيرة، مروراً بزمان “عاصفة الصحراء” الأشهَر، وانتهاءً بزمان “محور الممانعة” الذي لا تزال تداعياته مستمرَّةً منذ تحرير الجنوب اللبنانيّ من الاحتلال الإسرائيليّ عام 2000 ولغاية يومنا الراهن، وهي المحاولات التي لا يختلف اثنان من العاقلين على أنّ زعيم المختارة، أيْ وليد كمال جنبلاط، يُعتبَر من بين أهمّ الشخصيّات الملِمَّة بتفاصيلها، والمدرِكة لأبعادها، والمتوجِّسة من إرهاصاتها، وذلك كلَّه على خلفيّة ما يتمايَز به الرجل من حسٍّ وطنيٍّ مرهَفٍ ظلَّ يلازمه على الدوام، ونظرةٍ ثاقبةٍ أهَّلته لكي يرى الأمور على حقيقتها حتّى في أصعب الأوقات والظروف.
على هذا الأساس، يصبح في الإمكان تفهُّم أبعاد ما تناقلته وسائل الإعلام نهار أمس السبت واليوم الأحد عن لسان جنبلاط عندما قال ردًّا على الحملات المندِّدة بمواقفه الأخيرة ما حرفيّته: “قبل هذا السيل من الاتّهامات والتهجُّمات، أذكِّر بالتالي: بعد التحرير، عام 2000، كان لي الموقف نفسه، عندما طالبتُ بإعادة التموضع للجيش السوريّ. آنذاك، جرى التخوين، واليوم أيضاً. قد تكون هناك أراضٍ يملكها لبنانيّون في مزارع شبعا وكفرشوبا وغيرها، لكنّ الملكيّة شيء والسيادة شيء آخر، بعد أن أُحرقت الخرائط”.
علاوةً على ذلك، فقد أكَّد جنبلاط أنّ “الحكومة السوريّة رفضت إعطاء لبنان الأوراق الثبوتيّة حول لبنانيّةِ المزارع، فكان أن بقيَت السيادة مبهمة حتّى هذه اللحظة، لكن ربحنا سفارة”، كما توجَّه إلى منتقديه قائلًا: “خذوا راحتكم بالتخوين والتحليل، سنكمل المسيرة بهدوء، ونترك لكم منابر القدح والذمّ”.
ومع الأخذ في الاعتبار أنّ هذه المواقف جاءت في وقتٍ طالبَت فيه “هيئة أبناء العرقوب ومزارع شبعا” جنبلاط بالتراجُع عمّا قاله، معبِّرةً عن أسفها في بيانٍ لها من “أن يعود رئيس الاشتراكيّ بالجدل حول حقِّنا في أرضنا في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وهو جدلٌ تجاوزناه منذ سنواتٍ حين التقينا به، وسلَّمناه ملفًّا عن لبنانيّة المزارع والتلال، وأعدنا تسليمه هذا الملفّ في أثناء انعقاد مؤتمر الحوار الوطنيّ في مجلس النوّاب، برئاسة الرئيس نبيه برّي، حيث صدر قرارٌ بإجماعٍ وطنيٍّ، بتاريخ 7 آذار 2016، بأنّ مزارع شبعا وتلال كفرشوبا هي أراضٍ لبنانيّةٌ محتلَّةٌ من قبل العدوّ الصهيونيّ، ويجب تحريرها”، بحسب ما ورَد في البيان، فإنّ أكثر ما بدا لافتًا في غمرة هذا السجال تمثَّل في فحوى ما نشرَته صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنيّة عن أنّ هناك تعميمًا من قبل جنبلاط وقيادة حزبه بضرورة عدم الردّ من قبل وزراء ونواب “اللقاء الديمقراطيّ” على كلّ الحملات والمواقف ضدّه، خصوصًا من قبل النائب طلال أرسلان، حيث قال مصدرٌ نيابيٌّ في “اللقاء الديمقراطيّ” للصحيفة إنّ التعليمات المعطاة للبعض من قبل النظام السوريّ ما زالت سارية المفعول منذ ما قبل الانتخابات النيابيّة، بغية العمل على تحجيم جنبلاط، في حين شرع النظام مؤخَّرًا، وعبر حلفائه، في فتح معركة المؤسّسات الدرزيّة الرسميّة والشرعيّة، من مشيخة العقل إلى المجلس المذهبيّ وقانون الأوقاف، وتركَت المهمّة للنائب أرسلان ليتولّاها، حيث شنّ حملةً عنيفةً على مشيخة العقل والأوقاف، على خلفيّة مسائلَ عقاريّةٍ مزعومةٍ، نفتها المشيخة عبر بيانٍ فنَّدت فيه كلّ هذه المزاعم.
ووفقاً لـ “الشرق الأوسط”، فقد رأى المصدر أنّ المطلوب جرّاء تلك المواقف التصعيديّة إحداثُ فتنةٍ في الجبل، لكن لولا المساعي وحكمة جنبلاط في منع محازبيه ومناصريه من الردود على الاستفزازات، لكنّا شاهدنا اهتزازًا لاستقرار الجبل، مؤكِّدًا أنّ “أمن الجبل واستقراره خطٌّ أحمر، ونحن كحزبٍ اشتراكيٍّ ولقاءٍ ديمقراطيٍّ سبق أن طالبنا بأن يكون الأمن ممسوكًا فقط من الجيش اللبنانيّ والقوى الأمنيّة الشرعيّة. وبدورنا، نرفع الغطاء عن أيٍّ كان، في حال حصلت إشكالات، أو حتّى الردّ على الذين يحاولون جرَّنا إلى الفتنة المطلوبة من بشار الأسد”.
وإذا كان المصدر قد تساءل أيضاً عمّا إذا كان حديث جنبلاط في السياسة حول المسائل الداخليّة والإقليميّة قد بات من المحرَّمات أم إنّه ممنوعٌ المسّ بنظامٍ يقتل شعبه ويسعى إلى فتنةٍ في الجبل ولبنان، فإنّه توجَّه في الوقت نفسه إلى حلفاء النظام السوريّ بالقول: “لماذا هذا الصمت المطبق حول نقل رفات الجنود الإسرائيليّين إلى تلّ أبيب عبر روسيا؟ فلم نسمع (حزب الله)، ولا سائر منظومة (الممانعة)، يستنكرون – ولو بخجلٍ – ما جرى من مهزلةٍ وبيعٍ وشراءٍ من قبل النظام السوريّ مع تلّ أبيب، الذي ليس بجديدٍ، باعتبارها تحمي الأسد من السقوط”… وحسبي أنّ الثقب الكبير الذي يتوسَّط غربال حَجْب أشعّة الشمس – الحقيقة عن عموم الناس يكمُن في فحوى هذا الكلام بالتحديد… والخير دائمًا في الشمس والحقيقة من وراء القصد.