مشعل السديري
اكد الله سبحانه وتعالى ان بعض (الشعراء يتبعهم الغاوون).
والشعر مثلما هو معروف يعتبر (ديوان العرب)، وله مذاهب عدّة، ومنها مذهب (المديح) الذي يتكسب منه الشعراء، وليس هناك اكذب من ذلك المذهب، ومع ذلك يصفق له الناس، اليس هم من قالوا بما معناه: ان اجمل الشعر هو اكذبه؟!
ورغم انني لا استسيغ شعر المديح، إلاّ ان هذا لا يمنعني من الاعتراف بأن ابلغ الشعراء هم من خاضوا في هذا المجال، واغلبهم قالوا ذلك من اجل التكسب فقط لا غير، والقلة منهم قالوه عن قناعه وصدق.
وها هو (شوقي) يقول مادحاً الرسول عليه الصلاة والسلام:
مدحت المالكين فزدت قدراً
وحين مدحتك اجتزت السحابا
رغم ان الرسول فوق المديح نفسه، فيكفيه ما وصفه به الله سبحانه وتعالى عندما قال عنه في محكم كتابه: (وانك لعلى خلق عظيم).
وحيث ان الممدوح غالباً من اصحاب الجاه والثراء، وما ان يسمع المديح حتى يطرب وتأخذه العزه بالإثم، ويصدق ما يقال عنه، عندها (تحلحل صواميله)، ويغدق على الشاعر بالعطايا. واليكم نموذج من ذلك، فيقال ان شاعراً قصد (خالد بن يزيد) فأنشده مادحاً:
سألت الندى والجود حرّان انتما
فقالا يقيناً إننا لعبيد
فقلت ومن مولاكيا فتطاولا
إلىّ وقالا خالد ويزيد
فقال يزيد: يا غلام أعطه مائة ألف درهم، وقل له: إن زدتنا زدناك فأنشد يقول:
كريم كريم الأمهات مهذب
تدفق يمناه الندى وشمائله
هو البحر من أي الجهات أتيته
فلجته المعروف والجود ساحله
جواد بسيط الكف حتى لو أنه
دعاها لقبض لم تجبه أنامله
فقال يزيد يا غلام: أعطه مائة ألف درهم، وقل له: إن زدتنا زدناك، فأنشد يقول:
تبرعت لي بالجود حتى نعشتني
واعطيتني حتى حسبتك تلعب
وأنبت ريشاً في الجناحين بعدما
تساقط مني الريش أو كاد يذهب
فأنت الندى وابن الندى وأخو الندى
حليف الندى ما للندى عنك مذهب
فقال يزيد يا غلام: أعطه مائة الف درهم وقل له: كفيتنا وكفيناك.
وترجمتها باللهجة الدارجة: خلاص اخرس، انطم، تراك زوّدتها ومصّختها، ومعه حق عندما اخرسه، فمثل شعراء المديح هم والعياذ بالله كالنار التي تقول: هل من مزيد، وهم لا يشبعون ولا يملأ بطونهم غير التراب.
ولكن هل تريدون الصراحة ام بنت عمها؟! إذا كنتم تريدون الصراحة، فلا بد وان اعترف واقول:
يا ليتني كنت شاعراً مداحاً، فساعتها يمين بالله حتى التراب وهو التراب لن يملأ بطني.