د. آمال موسى
يبدو لي أن الحديث الذي أدلى به السيد جيسون غرينبلات، مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام إلى الشرق الأوسط، إلى مجلة «المجلة»، مدججاً بالرسائل وبالتهديدات المقنّعة، ويندرج ضمن خطاب الهيمنة وفرض الأمر الواقع. فما جاء في هذا الحديث السَّبْق والأول من نوعه قد شرح من خلاله السيد غرينبلات نقاطاً عدة لم تكن مجهولة في الحقيقة، ولكن تم تأكيدها. إضافة إلى أن المنطق المعتمَد في صياغة ما تُسمى «خطة السلام» أو «صفقة القرن» بدا مكشوفاً جداً ويبرر إلى حد بعيد أسباب الرفض الفلسطيني والعربي لهذه الخطة قبل الاطلاع عليها، لأن الخطة هي نتاج المنطق المعتمد، والحديث الصحافي للسيد جيسون غرينبلات لم يبخل في إظهار المقاربة «الترمبية» للسلام.
أول رسالة وردت في الحديث هي توصيف الأطراف الرافضة للخطة الأميركية للسلام بأنهم «ضد السلام»، بما أنهم يرفضون خطة لم يطلعوا عليها بعدُ، وتحمل اسم «السلام». وهو توصيف يتضمن مناورة لغوية واضحة تقصي الرافضين وتحاول عزلهم رمزياً من خلال رفضهم المسبق للخطة.
والسؤال هنا: هل فعلاً الجانب الأميركي يجهل أسباب الرفض المسبق؟
لا نظن ذلك. كما أن هذا الموقف من الرفض المسبق يُراد تغليبه على الرفض الذي ستُجابَه به الخطة. بل إن الولايات المتحدة الأميركية برئاسة ترمب قد أعلنت عن مقدمات هذه الخطة، الشيء الذي جعلها معلومة ومتوقَّعة المضامين حتى قبل الإعلان عنها ورؤيتها.
لذلك فنحن وإن لم نرَ الخطة بعد، فقد رأينا مقدماتها المتمثلة في اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، وهو إعلان شكَّل صدمة في نهاية سنة 2017 لغالبية دول العالم حتى غير العربية وغير الإسلامية. ومن المقدمات الأخرى لهذه الخطة أيضاً الجهود التي بذلتها إسرائيل للاعتراف بسيادتها على هضبة الجولان المحتلة منذ 1967 التي أعلنت إسرائيل ضمَّها لأراضيها سنة 1981، دون أن تلقى اعترافاً دولياً لذلك.
فهذه المقدمات أعطت فكرة شافية وضافية عن مقاربة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
وهكذا يمكننا أن نستنتج أن الرفض المسبق للخطة هو نتيجة طبيعية جداً لمقدمات السياسة الأميركية في هذه القضية، ومن ثَم فالمتسبب في الرفض المسبق وعدم الانفتاح مقاربة السيد ترمب وفريقه نفسها.
أيضاً تضمن الحديث الصحافي المشار إليه تهديداً مباشراً للسلطة الفلسطينية، بأنها ستتعرض لحكم قاسٍ إذا رفضت خطة السلام الأميركية، وهذا في حد ذاته ضد السلام الذي تحاول هذه الخطة الإقناع به، خصوصاً أن ما يجري في الأراضي الفلسطينية منذ أسابيع من ارتفاع لوتيرة العدوان يبدو أنه ينضوي ضمن التكتيك غير المباشر للقبول القسري بالخطة، ويمثل انطلاقاً فعلياً في تنفيذ الحكم القاسي ضد السلطة الفلسطينية.
من جهة ثانية، من الواضح أن هذه الخطة ستكون بمثابة كيفية فرض الواقعية على الواقع نفسه. ويقول السيد جيسون غرينبلات في هذا السياق مادحاً خطة السلام الأميركية بأنها «شيء إيجابي للغاية مقارنة بما لديهم اليوم»، أي أن الخطة ليست تسوية توافقية للحقوق، وإنما هي تسوية في ظل موازين القوى الجديدة وشروط الواقع الفلسطيني الراهن، أي أنها خُطّة تقدم ما يمليه الواقع وموازين القوى والهيمنة. وبما أن الواقع الفلسطيني بالعين الأميركية والإسرائيلية هزيل في الوقت الراهن، فليس له ما يتكئ عليه غير هذا الواقع. وهو ما يعني أن خطة أميركية جديدة للسلام انطلقت من الصفر ولا تعترف بما وصفه جيسون غرينبلات نفسه بالإرث القديم من المبادرات السابقة غير الناجحة.
وطبعاً هناك فرق تغاضى عنه ترمب وفريقه بين عدم نجاح المبادرات السابقة وعدم قبولها. إضافة إلى نقص وفقر ما تم قبوله تحت قهر الواقع وموازين القوى.
وكما تستند هذه الخطة إلى منطق وحقائق 2019، استندت الخطط السابقة إلى حقائق لحظاتها التاريخية. ولقد كان الدرس الذي يحاول الأميركان وإسرائيل عدم رؤيته واستيعابه أن السلام الحقيقي لا يُصاغ بواقع القهر، لأنه لا يثبت.
إن من يضع خطة للسلام يجب أن يلبي شروطَ تحقُّق السلام، خصوصاً أن السلام هو من مصلحة الأقوى، باعتبار أن الأضعف هو في وضع الخسارة، ولا يهم الخاسر خسارات جديدة.
أول رسالة وردت في الحديث هي توصيف الأطراف الرافضة للخطة الأميركية للسلام بأنهم «ضد السلام»، بما أنهم يرفضون خطة لم يطلعوا عليها بعدُ، وتحمل اسم «السلام». وهو توصيف يتضمن مناورة لغوية واضحة تقصي الرافضين وتحاول عزلهم رمزياً من خلال رفضهم المسبق للخطة.
والسؤال هنا: هل فعلاً الجانب الأميركي يجهل أسباب الرفض المسبق؟
لا نظن ذلك. كما أن هذا الموقف من الرفض المسبق يُراد تغليبه على الرفض الذي ستُجابَه به الخطة. بل إن الولايات المتحدة الأميركية برئاسة ترمب قد أعلنت عن مقدمات هذه الخطة، الشيء الذي جعلها معلومة ومتوقَّعة المضامين حتى قبل الإعلان عنها ورؤيتها.
لذلك فنحن وإن لم نرَ الخطة بعد، فقد رأينا مقدماتها المتمثلة في اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، وهو إعلان شكَّل صدمة في نهاية سنة 2017 لغالبية دول العالم حتى غير العربية وغير الإسلامية. ومن المقدمات الأخرى لهذه الخطة أيضاً الجهود التي بذلتها إسرائيل للاعتراف بسيادتها على هضبة الجولان المحتلة منذ 1967 التي أعلنت إسرائيل ضمَّها لأراضيها سنة 1981، دون أن تلقى اعترافاً دولياً لذلك.
فهذه المقدمات أعطت فكرة شافية وضافية عن مقاربة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
وهكذا يمكننا أن نستنتج أن الرفض المسبق للخطة هو نتيجة طبيعية جداً لمقدمات السياسة الأميركية في هذه القضية، ومن ثَم فالمتسبب في الرفض المسبق وعدم الانفتاح مقاربة السيد ترمب وفريقه نفسها.
أيضاً تضمن الحديث الصحافي المشار إليه تهديداً مباشراً للسلطة الفلسطينية، بأنها ستتعرض لحكم قاسٍ إذا رفضت خطة السلام الأميركية، وهذا في حد ذاته ضد السلام الذي تحاول هذه الخطة الإقناع به، خصوصاً أن ما يجري في الأراضي الفلسطينية منذ أسابيع من ارتفاع لوتيرة العدوان يبدو أنه ينضوي ضمن التكتيك غير المباشر للقبول القسري بالخطة، ويمثل انطلاقاً فعلياً في تنفيذ الحكم القاسي ضد السلطة الفلسطينية.
من جهة ثانية، من الواضح أن هذه الخطة ستكون بمثابة كيفية فرض الواقعية على الواقع نفسه. ويقول السيد جيسون غرينبلات في هذا السياق مادحاً خطة السلام الأميركية بأنها «شيء إيجابي للغاية مقارنة بما لديهم اليوم»، أي أن الخطة ليست تسوية توافقية للحقوق، وإنما هي تسوية في ظل موازين القوى الجديدة وشروط الواقع الفلسطيني الراهن، أي أنها خُطّة تقدم ما يمليه الواقع وموازين القوى والهيمنة. وبما أن الواقع الفلسطيني بالعين الأميركية والإسرائيلية هزيل في الوقت الراهن، فليس له ما يتكئ عليه غير هذا الواقع. وهو ما يعني أن خطة أميركية جديدة للسلام انطلقت من الصفر ولا تعترف بما وصفه جيسون غرينبلات نفسه بالإرث القديم من المبادرات السابقة غير الناجحة.
وطبعاً هناك فرق تغاضى عنه ترمب وفريقه بين عدم نجاح المبادرات السابقة وعدم قبولها. إضافة إلى نقص وفقر ما تم قبوله تحت قهر الواقع وموازين القوى.
وكما تستند هذه الخطة إلى منطق وحقائق 2019، استندت الخطط السابقة إلى حقائق لحظاتها التاريخية. ولقد كان الدرس الذي يحاول الأميركان وإسرائيل عدم رؤيته واستيعابه أن السلام الحقيقي لا يُصاغ بواقع القهر، لأنه لا يثبت.
إن من يضع خطة للسلام يجب أن يلبي شروطَ تحقُّق السلام، خصوصاً أن السلام هو من مصلحة الأقوى، باعتبار أن الأضعف هو في وضع الخسارة، ولا يهم الخاسر خسارات جديدة.
الشرق الأوسط