السلايدر الرئيسيشمال أفريقيا
استشراء الفساد والتهريب ينعش سوق المخدرات في تونس
– تونس – تؤكد الإحصائيات الرسمية الأخيرة بارتفاع استهلاك المخدرات في تونس وخصوصا القنب الهندي الذي يطلق عليه محليا “الزطلة” والذي يعد المخدر الأكثر شعبية ورواجا في تونس. كما تؤكد الدراسات الاجتماعية أن الفئة الأكثر استهلاكا للمواد المخدرة تتكون من المراهقين والشباب. وكشفت أرقام نشرتها خلية علوم الإجرام بمركز الدراسات القضائية بداية العام الحالي أن نسبة تعاطي المخدرات في الوسط الشبابي قدرت بـ57 بالمئة من بين الفئة العمرية 13 و18 سنة، في حين تجاوزت نسبة التعاطي في الفئات المتراوحة بين 18 و25 سنة 36 بالمئة، وتصل هذه النسبة إلى 4.7 بالمئة بين الفئة ما بين 25 و35 سنة.
ولفت تقرير أعدته إدارة الطب المدرسي والجامعي التابعة لوزارة الصحة التونسية أن 50 بالمائة من تلاميذ المؤسسات التربوية بتونس جربوا مادة مخدرة، علاوة على التدخين والكحول. وأفادت الأرقام أن استهلاك مادة القنب الهندي في صفوف التلاميذ الذين تقل أعمارهم عن 20 سنة، ناهزت نسبة 92.70 بالمئة وقرابة 72 بالمئة يستهلكون الحبوب المخدرة. وكشف البحث أن التلاميذ الذين جربوا المواد المخدرة بالمؤسسات التربوية يتوزعون بين 61.1 بالمئة من الذكور و40.9 بالمئة من الإناث، وأن 12 من بين 30 تلميذا يتعاطون القنب الهندي داخل المعاهد الثانوية والمدارس الإعدادية.
أرقام مفزعة بالنسبة للتونسيين وهي تثير قلقهم وخوفهم على أبنائهم سواء في المدارس أو خارجها، وهي أرقام لها علاقة مباشرة بزيادة نسب الانحراف والجريمة التي باتت لافتة للانتباه خصوصا في فئة المراهقين والشباب. وتفسر القراءات النفسية والاجتماعية ارتفاع استهلاك المواد المخدرة في تونس بتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي أفضت إلى زيادة في نسب البطالة والتسرب المدرسي وغيرها من الظواهر الاجتماعية المتصلة بالشباب، بجانب اضطراب الوضع الأمني الذي خلق نوعا من الاستضعاف لدى فئات واسعة من المجتمع لمؤسسات الدولة ومن بينها الأمن الأمر الذي زاد بمفعوله منسوب التمرد لدي المراهقين والشباب.
وبات التونسيون في مواجهة دائمة مع عصابات ترويج المخدرات بأنواعها والتي توقع بأبنائهم في فخ الاستهلاك والإدمان وبالرغم من سعي جل الأسر إلى الإحاطة بأبنائها وحمايتهم من مخاطر الشارع والمحيط المدرسي إلا أن سهولة وصول المخدرات إليهم حتى عبر الانترنت جعل الأولياء يشعرون وكأنهم يقفون في وجه تيار جارف. وقد كشفت وزارة الداخلية أن عدد القضايا المتعلقة باستهلاك المخدرات ما فتأت تسجل ارتفاعا ملحوظا في السنوات الأخيرة.
وفي مختلف التقارير والبحوث يعبر الشباب والمراهقون ومن بينهم التلاميذ أن دخولهم لعالم المخدرات بدأ في شكل تجربة للتعرف على تأثيرات هذه المواد، أو أنهم اختلطوا بأصحاب سوء عرّفوهم على المواد المخدرة ويقر أغلبهم أن التجربة التي بدأت بمجرد الفضول أو في شكل ردة فعل غاضبة ومتمردة قادتهم لمواصلة الاستهلاك بحكم سهولة الحصول على المادة المطلوبة وبسبب أوضاعهم النفسية والاجتماعية والأسرية التي تضغط عليهم وتجعلهم يشعرون بالرغبة في التمرد على واقعهم الذي لا يتماشى وانتظاراتهم الأمر الذي يجعلهم مع الوقت مدمنين لهذه المواد رغم إدراكهم لخطورتها، وكثير منهم يقعون في فخ المروجين فيصبحون بدورهم مدمنون ومرجون للمواد المخدرة.
ويقول باحثون في علم الاجتماع أن مختلف الدراسات تفسر ارتفاع نسب استهلاك المخدرات في الأوساط الشبابية في تونس بتظافر للعديد من العوامل من أهمها أن ثقافة استهلاك هذه المواد بدأت ترسخ شيئا فشيئا في وعي الشباب التونسي فترى بعضهم يتهكم على من لم يجربها ومن لا يتعاطاها وكأنها مواد من الضروري أن يتعاطاها الشاب أو الفتاة لكي يعترف له من جانبهم بأنه منفتح ومتحرر وحداثي أو مواكب لعصره.
وتطورت سوق المخدرات في تونس فلم تعد الحبوب والقنب الهندي فقط تروج وتستهلك بل شملت الأدوية المخدرة وصناعة أنواع مختلفة من المواد الكيميائية أو الطبيعية وهي صناعة باتت متطورة تجد منتجاتها رواجا لدى تجار المخدرات الذين يعتبرون من أكبر الفئات التي تنشّط قطاع السوق السوداء وتجارة الممنوعات والذين يستخدمون المروجين الصغار والشباب للوصول إلى بيت الشاب وحيّه ومدرسته وحسابه على الانترنت ومكان الترفيه الذي يقصده.
ويعتبر علماء الاجتماع بأن تعاطي الشباب للمواد المخدرة يفسر بكونه يحاول من خلالها إعطاء معنى لحياته ولتصرفاته من خلال إقدامه على تحدي المنظومة التربوية والأسرية والاجتماعية التي تهيمن عليه وتحاول تسيير حياته بالشكل الذي تراه مناسبا للقيم السائدة. ويحاول المراهقون الذين يتعاطون المخدرات التعبير عن أنفسهم وعن وجودهم فمشاعر الإحباط واليأس باتت طاغية عليهم بسبب التهميش الذي يلقونه من قبل أصحاب القرار وغياب السياسات التي تستهدف الارتقاء بأوضاعهم واعتماد استراتيجيات تقيهم من مخاطر الحاضر وتضمن لهم مستقبلا أفضل يقوم على توفير مواطن العمل لهم وتأمين الوظائف التي يحلمون بتوليها مستقبلا.
وجل هذه الدوافع الاجتماعية والنفسية إلى جانب الرغبة في التحرر من القيود الأسرية والقيمية والاجتماعية التي يرونها عوامل مقيدة لحرياتهم ورغباتهم تجعل الشبان يلجئون إلى المخدرات على اعتبار أنها وسيلة للتعبير وللتحرر والتمرد على الواقع، وهو ما يوقع المدمنين منهم في ارتكاب جرائم مثل السرقة والسلب لتوفير الأموال اللازمة لشراء المادة التي يستهلكونها بجانب ارتكابهم لجرائم مثل القتل والاغتصاب تحت مفعول المخدر الذي يذهب وعيهم ويشل قدراتهم على التفكير والتمييز بين الخطأ والصواب.
ولكن هذه الدوافع سواء كانت نفسية أو اجتماعية لا تقدم تبريرات مقنعة للآباء وللمجتمع لقبول استهلاك أو تعاطي الشباب للمواد المخدرة التي تضر أولا بالصحة العقلية والبدنية وثانيا بالمجتمع على اعتبار أن المخدرات تعد المتهم الأول في ارتكاب الشباب للعديد من الجرائم التي هزت الرأي العام التونسي بجانب الضرر الذي تلحقه باقتصاد البلاد كونها من أكثر المواد المهربة في تونس.
وتعد المخدرات من بين أهم مكونات الاقتصاد الموازي الذي يقوم على التهريب في تونس حيث تزايدت أعداد المهربين والمروجين الكبار والصغار خصوصا في المناطق والأحياء الشعبية مستغلين في ذلك الفساد المستشري في مختلف الأوساط الاجتماعية وداخل المؤسسات الحكومية والخاصة في جل جهات تونس.