أقلام مختارة

جمال خاشقجي والعلاقة السعودية ـ الأميركية

جويس كرم

جويس كرم

تدخل قضية جمال خاشقجي اليوم في أسبوعها الثالث وهي بأبعادها الإنسانية والجيو ـ سياسية تزداد تعقيدا، وباتت محطة في العلاقة السعودية ـ الأميركية وأفقها على المستوى السياسي بل الأهم الشعبي.

سيُكشف مصير جمال خاشقجي وتفاصيل ما حدث في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر إلى العلن عبر التحقيق المشترك بين السعودية وتركيا والتحقيق الداخلي في المملكة. إنما تحولت القضية على المستوى الأميركي، اليوم وقبل الكشف عن نتائج التحقيق، إلى قضية رأي عام بتغطية إعلامية غير مسبوقة لحادثة من هذا النوع، إلى درجة أن جميع قنوات الأخبار المحلية الأميركية، وليس الفضائية فقط، افتتحت أمس نشراتها بالحديث عن القضية.

تعرفت على جمال خاشقجي في نهاية العام 2006 حين كان مستشارا للأمير تركي الفيصل، السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة، وآخر مرة التقيته كانت في نيسان/أبريل الفائت في أمسية ديبلوماسية في العاصمة الأميركية. ليس لدي أدنى شك بأن جمال اليوم، لو كان يراقب التغطية الإعلامية حول قضيته، ليكون مذهولا بحجمها وإطارها. خاشقجي ليس وراء الشهرة وليس معارضا أو منشقا أو عدة ألفاظ يتداولها البعض عنه. هو “سعودي ولكن مختلف” كما كتب في أحد مقالاته؛ ولفترة عام من الإقامة في واشنطن لم يرق له المنفى الاختياري. آلمه ألا يكون في الرياض حين حظيت المرأة بحق القيادة، وأخبر أصدقاء ممن اختلف معهم سياسيا أنه يريد العودة.

طبعا، التسريبات في الإعلام التركي “قطرة قطرة”، واللغز حول مصيره، إلى جانب كونه كاتب رأي في ثاني أكبر صحيفة أميركية اليوم، أي واشنطن بوست، والغضب الإعلامي من تعاطي إدارة الرئيس دونالد ترامب مع الصحافيين، مضافا إلى الانتقادات للسعودية في عدة ملفات أهمها الحرب في اليمن واعتقال الناشطات، كلها عوامل ساهمت في حجم التغطية وتحويل القضية إلى قضية رأي عام أميركي اليوم، بحيث تتراكم وتتداخل فيها أحقاد ومخاوف وأجندات.

تدرك إدارة ترامب هذا الأمر. وهي كثفت اتصالاتها مع الجانب السعودي لتسريع التحقيق، وأرسل الرئيس الأميركي وزير خارجيته مايك بومبيو لهذا الغرض إلى الرياض ليسمح لها بتقديم أجوبة واضحة حول ما جرى. تواجه الإدارة أيضا ضغوطا من الكونغرس من نواب جمهوريين وديموقراطيين يريدون فهم ما حصل، ووقع 22 واحدا منهم رسالة لتفعيل تحقيق تحت قانون “ماغنيتسكي” حول مصير خاشقجي ومحاسبة أي جهة خارجية مسؤولة عن اختفائه أو قتله.

نبض الشارع الأميركي بأكثريته ردة فعل على التسريبات الإعلامية، التي لم تراع يوما، وهذه المرة ليست استثناء، منطق “البراءة إلى حين ثبوت الإدانة”؛ وتركيا، وهي مصدر التسريبات، تدرك ذلك. بدأ هذا الأمر يؤذي العلاقة السعودية ـ الأميركية واستمراره من دون تقديم أجوبة شفافة سيزيد من الضرر. فالجمهوريون في الكونغرس لن يراعوا مطالب الإدارة في حال استمرت الأزمة، وقد يصوتون على عقوبات تحت قانون “ماغنيتسكي”. كما سيعني استمرار هذا الواقع ضغوطا اقتصادية على المملكة، بدأت مع انسحاب أو تعليق كبار الشركات مشاركتها من المؤتمر الاستثماري الأسبوع المقبل في السعودية.

تحتاج العلاقة السعودية ـ الأميركية واستراتيجيتها، على مستوى البلدين، اقتصاديا وأمنيا ومستوى الاستقرار الإقليمي إلى تحقيق شفاف وشامل حول مصير خاشقجي. فالقضية لم تعد فقط قضية شخصية إعلامية، بل باتت منبرا يستغله خصوم المملكة إقليميا وفي الولايات المتحدة. هذا يتم ردمه بكشف ملابسات ما حصل وشفافية في المحاسبة في هذه القضية مع الداخل والخارج.

يطمح جمال خاشقجي في “رؤية مواطن” لدور سعودي بناء في الداخل والخارج وعلاقات متكاملة مع الولايات المتحدة. وأميركا تنتظر اليوم ما ستحمله الساعات والأيام المقبلة من الرياض حول نتائج التحقيق، ليس للعودة بالساعة إلى الوراء، أي ما قبل اختفاء جمال، بل لترسيخ نمط قانوني وأخلاقي وإنساني فاعل في مخاطبة الداخل والخارج، والكشف عما حصل لمواطن سعودي.

الحرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق