محمد صلاح
تفاعل المصريون بشدة وبمنتهي الجدية مع قضية اختفاء جمال خاشقجي وبرعوا بل وتفننوا في التصدي للحملة القطرية والتسريبات التركية والمؤامرات الإخوانية. بديهي أن مكانة أرض الحرمين الشريفين لدى المصريين أحد الأسباب، كما أن العلاقات المتميزة بين البلدين على كافة المستويات سبب آخر، وبالطبع فإن المصريين يثمّنون بشدة موقف السعودية تجاه بلدهم عقب ثورة الشعب المصري ضد حكم «الإخوان» وتصدي المملكة لمحاولات غربية لممارسة ضغوط على مصر من أجل إعادة السلطة إلى «الإخوان» والمقعد الرئاسي إلى محمد مرسي، وجهود وجولات الأمير سعود الفيصل رحمه الله لتحذير الدول الغربية من أي إجراءات ضد مصر، وهم ربما وجدوا أن من واجبهم الآن رد الجميل ودفع الإرهاب القطري والتآمر التركي والأذى الغربي عن السعودية، لكن أحد الأسباب المهمة لموقفهم أنهم ذاقوا كل أنواع المؤامرات والأكاذيب والفبركات والتحريض والأفلام والمسلسلات التي تنفذها المنصات الإعلامية القطرية واللجان الإلكترونية الإخوانية ووسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية الغربية الآن ضد المملكة وتحصنوا ضدها وعرفوا أساليب التعاطي معها لإفشالها. يبدو وكأن المصريين يشاهدون الآن الفيلم مرة أخرى مع بعض التعديلات الطفيفة التي تناسب كون المستهدف تغير لكن الجناة هم أنفسهم والآليات هي نفسها والسيناريو ذاته وحتى المشاهد المضحكة كالخبر الذي روجته المنصات القطرية عن الأغاني التي رغب قتلة خاشقجي في سماعها أثناء تقطيعهم جثمانه مكررة ومقززة، تماماً كالأخبار التي كانت المنصات القطرية تروجها عن الضباط المصريين وهم يتلذذون بتعذيب الثوار والتنكيل بالمعتصمين في ميداني رابعة والنهضة. لا تستغرب إذاً هذا التفاعل والنشاط البالغ في الأوساط المصرية تجاه قضية خاشقجي وحماستهم للدفاع عن السعودية وكشف المؤامرة عليها، فالمصريون كما أدركوا من قبل أن إرهاب «الإخوان» وفُجور المنصات الإعلامية القطرية والأكاذيب والمواقف التركية والابتزاز الغربي لم يكن من أجل شرعية أو ديموقراطية وإنما فقط من أجل تسليم الدولة المصرية إلى «الإخوان» أو إسقاطها وهدمها على من فيها، يعرفون الآن أن الأفلام القطرية والمسلسلات التركية والخيال العلمي الغربي لا علاقة له بحياة خاشقجي أو حرصاً عليه أو تعبر عن رغبة حقيقية في كشف حقيقة ما جرى له، وإنما هي مجرد واجهات وادعاءات ومزاعم تخفي وراءها دوافع للنيل من بلد عربي ساند مصر ووقف مع إرادة شعبها ثم أعلن تصديه لدعم قطر للإرهاب واتخذ إجراءات تحول دون تغلغل «الإخوان» وتسرطنهم في منطقة الخليج. المدهش أيضاً أن المصريين أكثر الناس اطمئناناً على السعودية وهم مقتنعون تماماً بأن المسعى القطري سيفشل والحيل التركية ستخيب والأذى الإخواني سيرتد إلى الجماعة فهم عاشوا التجربة من قبل ويعرفون نتائجها، ويمارسون حياتهم الآن بشكل طبيعي بينما كل الأموال التي أنفقتها الدوحة والدعم اللوجستي الذي قدمته أنقرة والاستنفار الإخواني في أنحاء العالم أفضى إلى فشل حلف الشر في إسقاط الدولة المصرية ونشر الفوضى في ربوع مصر أو حتى تبييض وجه «الإخوان» وغسل سمعة الجماعة.
يكفي للذاكرة استعادة واحدة من عشرات الدعوات التي أطلقها «الإخوان» وتبنتها تركيا وروجت لها قطر وأنفقت عليها لحث المصريين على الثورة والتظاهر والاحتشاد والخروج إلى الشوارع تحت مسمى «ثورة الجياع» أو «إعادة الشرعية» أو أي لافتة أخرى والكثافة التي جرى التعامل بها لتلك الدعوة أو تلك وترقب العالم ووسائل الإعلام الحدث الكبير ثم تأتي المفاجأة لهم، وليس للمصريين بالطبع، بمرور اليوم هادئاً أو استثمار فئات الشعب المصري الدعوة الإخوانية للخروج للتنزه نكاية في «الإخوان» وإظهاراً لتمسكهم بأمن وسلامة وطنهم وكشفاً للفشل التركي والخيبة القطرية.
يرصد المصريون أعداداً لا حصر لها من الأخبار والمعلومات المتناقضة التي جرى ترويجها بهدف توريط السعودية بأي شكل، ويلاحظون كيف وضع مراسلو وسائل الإعلام القطرية العبارات على ألسنة كل مسؤول غربي أو شخصية عامة في أي مكان للإيحاء بموقف دولي ضد المملكة، ولم يغب عنهم بعد قاموس الفبركات الذي استخدمه «الإخوان» ضد مصر من قبل ويُستخدم الآن ضد السعودية ويعرفون أن غالبية ما يتداوله الإعلام الآن حول قضية خاشقجي أمنيات قطرية وأمال تركية وأحلام غربية ستنتهي إلى كابوس كبير يضرب المتآمرين، خصوصاً أن الزمن تغير ولم يعد الناس يثقون في المنصات الإعلامية القطرية التي لم تعد تعرض أخباراً أو تقارير وإنما أفلاماً كوميدية بينما تبدل الذوق العام وصار لا يتحمل ملل ورتابة وفبركات المسلسلات التركية.
الحياة اللندنية