أحمد المصري
“مصر التي في خاطري”… همست بها لنفسي وأنا في هذا الافتتاح المهيب لمنتدى شباب العالم وقد استضافته مصر، برعاية شخصية من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
الحدث الضخم، أخذ مكانه في شرم الشيخ، وبعجالة تاريخية مهمة، فإن شرم الشيخ، هي ذاتها التي كان منصوبا في صحرائها البحرية مدافع عسكرية، وهي المشرفة على مضائق تيران، تلك التي كان إغلاقها عام 1967، شرارة حرب حزيران التي انتهت بالنكسة، ثم عودتها الى السيادة المصرية عقب حرب اكتوبر 1973 والتي كانت انتصارا لمصر في الحرب كما في السلام.
كفلسطيني عاش مطلع حياته وأغلب دراسته في مصر حيث أخوالي وأمي التي من هناك، كانت الأفكار تتلاحق بشكل بانورامي تمتزج فيه العاطفة الجياشة مع المعرفة المتراكمة كصحفي، فها انا في مؤتمر للشباب في العالم، يجتمع على أرض مصر التي أحبها، وفي نقطة تشكل مفارقة في الجغرافيا والتاريخ، منها انطلقت شرارة الحروب، واليوم هي بؤرة سلام العالم، يستهدف صحراءها الإرهاب كلما سنحت له فرصة.
بصدق، في هذا التجمع العالمي الضخم، شعرت بالفرح، هذا عالم لهم… لهؤلاء الشباب الحالم، والحلم يأخذ صيغة الواقع لو امتلكنا الإرادة.
مشاركتي الاولى في هذا المنتدى اختلطت فيه مشاعري بين نقد بناء يحركه الحب لتلك البلد التي لا ينكر فضلها احد، ومشاعر شخص يريد لمصر ان تعود لريادة المنطقة على جميع الاصعدة كما كانت وستبقى، وبين رؤية يحملها رئيس رأيته أكثر حرصا ـ وللمفارقة ـ من إعلام بلاده على المكاشفة والنقد الذاتي واعترافات شفافة بمشاكل تواجهها بلاده ويطرح حلولا واقعية ناهيك عن تداعي قوى الظلام والارهاب عليه وعلى بلاده، تلك مفارقة مدهشة، يزاود فيها بعض الإعلام المصري على ذاته، ليكون ملكيا أكثر من “الرئيس” نفسه.
في المنتدى الضخم، كان رئيس مصر في مواجهة الشباب المصري وشباب العالم، وفي احتفالية تجاوزت إلقاء الكلمة الافتتاحية فإنني بلا شك كنت معجبا بهذا التفاعل بين رئيس دولة بحجم مصر مع المجتمعين، تفاعله من خلال الحوارات التي بادر فيها هو نفسه بقبول مطالب تشريعية وقانونية في الدولة المصرية متجاوزا البيروقراطية المعطلة، وتفاعله من خلال المداخلات التي شهدت بعضها وكان مفاجئا بالاستماع للجميع ثم التدخل برأيه في آخر النقاشات وقد أعطاها حقها في الاستماع.
السيسي دعا خلال لقاء مع الصحافة الاجنبية لبناء مساحات مشتركة للعمل الجماعي بين الشباب من مختلف الجنسيات، تتجاوز حدود الدول واختلاف الثقافات وتباين الأعراق وتحقيق أعلى مستوى من الفهم للآخر، بما من شأنه المساهمة في إنهاء النزاعات القائمة في مختلف مناطق العالم، لكنه استثنى من اختار العنف والإرهاب والفكر المتطرف سبيلا لفرض إرادته وسطوته في اشارة الى جماعات الاسلام السياسي والارهاب.
المنتدى نفسه، كان فاعلا في جمع هذا الكم النوعي من الشباب حول العالم، والتوصيات التي خرج بها المنتدى كانت أهم من كل توصيات القمم العربية، وذلك لخلوها من الإنشاء والفضفضة الكلامية، كانت توصيات واضحة وعملية وحاسمة تشكل أرضا خصبة لاستنبات المشاريع العملية منها بوقت قياسي.
سبب نجاح المؤتمر هو تقسيمه إلى لجان عملية متخصصة، وهو ما أنتج في المحصلة توصيات عملية متخصصة وبناءة، سواء في جلسات محور السلام التي أوصت بتنظيم منتدى للشباب الأورومتوسطي كل عام، وتدشين نموذج لمحاكاة الاتحاد من أجل المتوسط، وعقد منتدى اقتصادي أورومتوسطي يعقد كل عام في دولة من دول الشراكة من أجل المتوسط.
أو توصيات جلسات محور المنتدى والتي تلخصت بتنظيم منتدى رواد الأعمال من الشباب الأفريقي، وإطلاق مبادرة “أفريقيا واحد”، لتحقيق التكامل بين الدول الأفريقية المصدرة للمواد الخام والدول المصنعة، وزيادة دور العمل التطوعي.
أو جلسات محور الإبداع والتي أوصت بتشكيل لجنة بحثية تناقش تأثير مواقع التواصل الاجتماعي من كافة الجوانب، ودمج برامج الحماية من الإنترنت في المدارس والجامعات، لحماية الطلاب من الآثار السلبية للإنترنت، وإنشاء المجلس الوطني لريادة الأعمال.
وهذا غيض من فيض ما خرج به المنتدى الذي كان منتدى حقيقيا وفاعلا… شعرت به ببصيص أمل للعالم العربي عبر شبابه الواعد.
وأنا أغادر قافلا إلى مهجري في بريطانيا… همست لنفسي مرة اخرى: مصر التي في خاطري.