السلايدر الرئيسيتحقيقات

مسيحيو المغرب… أقلية دينية تطالب بالإعتراف بها

فاطمة الزهراء كريم الله

ـ الرباط ـ من فاطمة الزهراء كريم الله ـ عرف المغرب في السنوات الأخيرة انتشارا واسعا للمسيحية في العديد من المدن ووسط شرائح اجتماعية مختلفة، ليكون الشباب هم القطاع الأوسع من المتحولين إلى المسيحية.

صحيح ليست هناك أرقام دقيقة حول نسبة المسيحيين المغاربة، ولكن غالبية التقارير تقدر أن الأرقام تتراوح ما بين أربعة آلاف وثمانية آلاف مسيحي، يعيش غالبيتهم جنوب المغرب، وينحدر معظمهم من أصول أمازيغية. وتتنوع الطوائف المسيحية المغربية ما بين كاثوليك رومانيين وبروتستانت، مع أعداد قليلة من الطائفة الأرثوذكسية في كبرى المدن المغربية مدينة الدار البيضاء.

فبالعودة إلى التاريخ، نجد أن الدين المسيحي دخل المغرب مع الامبراطورية الرومانية، ثم بدأ يختفي مع ظهور الدولة الموحدية التي وحدت المغرب تحت راية الإسلام. أما المسيحية الحديثة، فبدأت في أواسط الأربعينيات، إذ كان أقدم مسيحي مغربي معاصر، المهدي اقصارة، الذي اعتقل في طنجة عام 1998 بتهمة التبشير .

عرف العالم بوجود المسيحيين المغاربة، في سنة 2007، حيث قامت السلطات المغربية باعتقال مجموعة من الشباب المغربي، بدعوى «التعاون مع منظمات مسيحية، تهدف إلى زعزعة إيمان المسلمين المغربيين وزرع الشك في قلوبهم ، ليتبين بعد ذلك أن ثمة ظاهرة جديدة حلت بالبلاد، وهي بروز مغاربة تركوا الإسلام واعتنقوا المسيحية، ومن ثم بدأ الحديث عن أحوالهم، باعتبارهم أقلية في بلد لا يعترف بوجود مسيحيين حاملين لجنسيته.

وبعد سنة 2011، ازداد تسليط الضوء على الأمر، حين نفذت السلطات المغربية هجمات متتالية، على تجمعات لمسيحيين مغاربة، مُعتقلةً أفرادًا منهم، حيث تعرض بعضهم للضرب وللضغط النفسي القاسي أثناء التحقيق. وجرت محاكمات لبعضهم بتهمة تغيير ديانتهم، أو بث الشك في قلوب المسلمين، كما قامت السلطات أيضًا آنذاك، بترحيل عشرات المسيحيين الأجانب من أراضيها، بتهمة التبشير بالدين المسيحي.

مصطفى السوسي، (48 سنة) ابن إحدى العائلات المعروفة في مدينة تارودانت جنوب المغرب، كان أجداده من العلماء والفقهاء وأئمة المساجد. قضى 7 سنوات في المعهد الإسلامي، درس خلالها البلاغة و أصول الفقه والإرث. قرر تغيير ديانته من الإسلام إلى المسيحية سنة 1995. ليصبح قسا وناطق رسميا باسم تنسيقية المسيحيين المغاربة.

في اتصال مع صحيفة “” قال السوسي “ليست هناك أرقام دقيقة، لكن يمكننا القول بأن في كل مدينة من المدن المغربية يوجد عدد كبير من المسيحين حتى أنننا نجد في كل أسرة ثلاثة أو أربعة من المسيحين، على اعتبار أن هناك عددا منهم لا يفصحون عن إيمانهم خوفا من المجتمع والعائلة والمحيطين بهم في العمل”.

وأشار السوسي، إلى أن أكثر المناطق التي يوجد بها المسيحيين بنسبة أكثر هي مناطق الجنوب، مرجعا ذلك لوجود بعض الطقوس المسيحية منذ القدم في بعض هذه المناطق. مؤكدا أن المسيحيون بالمغرب ينتمون لجميع الفئات، فمنهم موظفون ودكاترة ومهندسون وشخصيات مهمة في البلد، وينتمون إلى جميع طبقات المجتمع الفقيرة والغنية والمتوسطة.

في تقريرها عن الحريات الدينية حول العالم، انتقدت وزارة الخارجية الأمريكية السلطات المغربية من جهة التضييق على الحرية الدينية للمسيحيين المغاربة. و أكد التقرير أن المغرب الذي لا يعترف بوجود أقلية مسيحية مغربية على أرضه.

رسميا، لا يوجد في المغرب سوى مسلمين مغاربة وبعض اليهود، إذ يعتبر المسيحي في نظر الدولة مُرتد، وتُطبّق عليه أحكام الشريعة الإسلامية الخاصة بذلك، والتي كانت قبل سنتين وفقًا لفتوى المجلس العلمي الأعلى، هي القتل.

من جهتها أكدت تقارير صحفية وحقوقية عديدة، على ضغط السلطات المغربية على مسيحيين مغاربة للتخلي عن معتقدهم إلى الإسلام، فضلًا عن التضييقات التي يتعرض لها المسيحيون المغاربة وصولًا لدرجة الاعتقال على حمل الإنجيل أو اقتنائه.
وسبق لفتوى صادرة سنة 2013 عن المؤسسة الرسمية للإفتاء في المغرب أن أثارت ضجة حينما أباحت إقامة الحد على كل مسلم يترك دينه. و التي اعتبرت أن خروج المسلم عن دينه يعتبر “ارتدادا عن الإسلام وكفرا به.. ويقتضي دعوته للرجوع إلى دينه والثبات عليه، وإلا وجب إقامة الحد عليه”.

قانونيا، ينص قانون الجنائي المغربي على العقوبة الحبسية من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات لكل من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، وذلك باستغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة أو استغلال مؤسسات التعليم أو الصحة أو الملاجئ أو المياتم.

ففي الوقت الذي يرى فيه المسيحيين المغاربة، أنفسهم أنهم طائفة غير معترف بها، نتيجة للحملات الأمنية التي تستهدفهم، اعتبرت منظمة “أبواب مفتوحة”، المنظمة المعنية بأحوال المسيحيين حول العالم، أن المغرب واحدة من البلدان الآمنة، التي لا يشعر فيها المسيحيون باضطهاد أو تضييق. و أن المسيحيين الأجانب في المغرب يتمتعون بحرية فائقة.
فمن الجانب الحكومي، كان قد أعلن وزير العدل والحريات، السابق، مصطفى الرميد، سنة 2015، أن القانون الجنائي المغربي لا يعاقب على تغيير المسلم لدينه، وأنه ينص فقط على معاقبة استعمال العنف أو التهديد لإجبار شخص على ممارسة عبادة ما، أو تركها، أو استعمال وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة المسلمين.

ووعد الرميد، بإجراء تعديلات على على القانون المتعلق بازدراء الأديان، مؤكدًا أنه قانون لا يتمتع بالدقة الكافية، وأنه يجب تعديله حتى يساهم في حماية كل الأديان وليس الإسلام فقط.

مؤكدًا أنه لا حاجة إلى مصادرة حق الناس في الاعتقاد، وهو من حقوقهم الأساسية.

من جانبه أكد أحمد الريسوني رئيس حركة التوحيد والإصلاح السابق، الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية، بأنه لا يعارض التبشير بالمسيحية، ما دام المسلمون يستطيعون أن يبشروا هم أيضًا بدينهم في بقية دول العالم، دون أن يتعرضوا للأذى.
تتمثل الصعوبات التي يواجهها المسيحيون المغاربة، في عدم السماح بممارسة الشعائر الدينية بحريّة، كما أن هناك فراغٌ قانوني، وموقف غير واضح من طرف المسؤولين حول الحق في ممارسة الشعائر الدينية عند المسيحيين المغاربة.

وفي كل مناسبة تجدد تنسيقية المغاربة المسيحيين دعوتها لرئاسة الحكومة، بالاستجابة لمطالب المسيحيين المغاربة، والمتعلقة بحرية العقيدة، تمثل آخرها منذ ثلاثة أشهر حيث طالبت التنسيقية في رسالة مفتوحة بمناسبة انعقاد الدورة الثانية للمؤتمر الدولي لحوار الثقافات والأديان بفاس، بـ”دفن الموتى وتوثيق الزواج وفق عقيدتهم، وباختيار أسماء أبنائهم وفق عقيدتهم”.

في هذا الصدد، قال مصطفى السوسي “نحن نتعرض كل يوم للاضطهاد، سواء من لدن العائلات أو في الشارع أو العمل، وأن الكثير من المسيحيين المغاربة طردوا من عملهم بسبب معتقداتهم الدينية”.

فكل ما نطالب به يضيف السوسي، أن تقوم الدولة المغربية بتمكيننا من حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، نريد إنشاء مقابر للمسيحيين في المغرب، بالاضافة إلى تدريس الدين المسيحي للمسيحيين، بدل التربية الاسلامية. و كل ما نريده هو أن نمارس العبادة في الكنائس وألا تكون سرية. وأن تكون لنا حرية إطلاق أسماء على أبنائنا من عقيدتنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق