السلايدر الرئيسيحقوق إنسان
غزة: هبة تبتكر طرق جديدة لتدريس أقرانها المصابين بمتلازمة داون
محمد عبد الرحمن
– غزة – بالقرب من “منطقة الموت”، تتواجد يومياً في الجمعية متنقلة بين مقاعد أقرانها المصابين “بمتلازمة داون” وبيدها طابة صغيرة، تحاول من خلالها إيصال المعلومات بشكل يتناسب مع قدراتهم العقلية حتى يندمجوا في المجتمع، ويكونوا قادرين بعمل احتياجاتهم الخاصة، بأنفسهم دون طلب مساعدة أحد كما تفعل هي.
فالمرض لم يقف عائقاً أمام هبة الشرفا “29”عاماً بتحقيق طموحها بأن تصبح معلمة “متلازمة داون” الأولى، فهي تحلم منذ نعومة أظافرها بأن تقف أمام الطلاب، وتشرح لهم الدروس وهي اليوم تتغلب على ظروفها، وتحقق حلمها بجدارة فهي لم تشبه أحداً من المصابين بإعاقتها منذ أن كانت طفلة، حيث كانت تصنع كل ما تريد في الوقت الذي تشاء دون طلب مساعدة أحد.
فجمعية “الحق في الحياة” الواقعة على الحدود الشرقية المحاذية للاحتلال الإسرائيلي تولت الاهتمام بالأطفال ذوي متلازمة داون، من خلال برامج خاصة لتعليمهم وتأهيلهم ودمجهم في المجتمع، لتكون المدرسة “هبة الشرفا” أول مدرسة من هذه الفئة.
تقول هبة والابتسامة تعتلي محياها” وأنا في الصف الخامس الابتدائي أصدر قرار بعدم إيواء الطلاب المصابين بمتلازمة دوان بالمدارس العادية ونقلهم بمدارس خاصة لهم، تم نقلي على جمعية الحق في الحياة، لكي أتلقى البرامج التأهيلية وأندمج مع اقراني المصابين بالمرض ذاته”.
طموح
وتتابع” عندما انتقلت من المدرسة إلى الجمعية واندمجت مع المصابين بنفس المرض الذي أعاني منه، أصبح لدى طموح بأن أصبح مدرسة لأدرس أقراني عندما أكبر، وأساعدهم لتعلم طرق تساعدهم في الاندماج داخل المجتمع، والتغلب على مرضهم، مشيرة إلى أنها لا تتعامل معهم كطلاب عندها داخل الفصل، بل تعاملهم وكأنهم إخوة لها.
وتضيف” ظروف إصابتي ب “متلازمة دوان” هي التي مكنتني بأن أكون قريبة من الطلاب، فأنا في يوم من الأيام كنت طالبة مثلهم وأجلس على المقاعد التي يجلسون عليها، فأعرف ماذا يدور بداخلهم وما هي الطريقة التي من خلالها تصل المعلومة إلى أذهانهم.
ابتكار طرق جديدة
وتوضح معلمة “متلازمة داون” الأولى أنها تستخدم في تدريسها لطلابها “طابة صغيرة” حتى تصل المعلومات إلى أذهانهم بشكل سريع، فمن خلال هذه الطابة أرادت أن تخرج عن الإطار التقليدي للتدريس، وابتكار طرق جديدة لتتماشي مع الحالة المرضية لهم.
أدوات مساعدة
وتشير إلى أنها تساعد الطلاب والطالبات في إنجاز خططهم الفردية للدراسة، وتوفر لهم أدوات مساعدة كالكرات الصغيرة اللينة، والطينة الشمعية والتي تمكنهم من القدرة على الكتابة بشكل سليم.
وتؤكد الشرفا أنها شاركت برفقة وفد من الجمعية في مسابقات رياضية مختصة بمرضى “متلازمة داون “محلية ودولية، في كل من لبنان واليونان وسوريا والضفة الغربية وحصلت على جوائز.
وإبداع هبة وتميزها لم يقتصر على كونها مدرسة فحسب، فهي أيضا تنتج المشغولات اليدوية مثل تطريز القماش والصوف، بالإضافة إلى ذلك فهي تعزف على الألات الموسيقية، وتتقن رسم جميع الأشكال.
عائلة هبة كانت مساندة لها منذ الصغر، فبعد نقلها على جمعية الحق في الحياة تطوعت والدتها في الجمعية لتدرس في الجمعية، حتى لا تشعر ابنتها بالاستغراب لتكون قريبة منها، واستمرت بذلك أربعة سنوات ومن ثم انقطعت بعد أن وجدتها متأقلمة على الوضع هناك.
وتقول” أم رائد والدة المعلمة الموهوبة لـ””: “هبة منذ صغرها وهي متميزة، فرغم إصابتها بمتلازمة داون إلا أنها واثقة بنفسها وكانت مؤمنة أن باستطاعتها التغلب على مرضها، وتخطي الطريق المليء بالثغرات مشيرة إلى أن ابنتها تتقن مهنة التطريز، وتفصيل ملابس الصوف مستخدمة الأسياخ والسنارة، إضافة على ذلك فهي تعزف على الألات الموسيقية وتبدع في الرسم”.
تضيف” على الرغم من مرض هبة إلا أنها تعتمد على نفسها بكل شيء فهي لا تطلب مساعدة أحد عند قيامها وتساعدنا في الأمور المنزلية، فهي تمتلك قدرة الاعتماد على ذاتها والاهتمام بشؤونها، وتقوم بتتريب المنزل وغلى القهوة وأحيانا تشرف على طهى وإعداد الطعام”.
مجد ابنة العاشرة من عمرها والتي لا تفارق معلمتها هبة وتبقى بجانبها بجميع تحركاتها داخل الفصل، وتقلدها بكل شيء تقوم به، فهي تحبها وتريد ان تصبح مثلها عندما تكر وتدرس الطلاب المصابين بمتلازمة داون.
مثلها الأعلى
وتوضح مجد أنها تحب معلمتها هبة كثيراً أكثر من أي معلمة أخرى داخل الجمعية وتعتبرها مثلها الأعلى، لأنها تدرسهم بطرق سهلة وتلعب معهم وتمازحهم، مشيرة إلا أنها في المستقبل تريد أن تصبح مدرسة تدرس أقرانها المصابين ب “متلازمة داون ” وتعاملهم كما هبة تعامل معها ومع زملائها.