أقلام مختارة

يا مدبّر العربان دبّر نفسك

مشعل السديري

مشعل السديري

وضع أحد المؤلفين الأميركيين، وهو باحث اجتماعي يدعى ستانلي، كتاباً استقصى فيه سير مائة رجل ابتدأوا في شبابهم على مستوى واحد من حيث الفرصة، ولم يكن لهم ما يعولهم سوى عملهم، وكانت أعمارهم كلهم 25 سنة، فلما مضت عشر سنوات مات منهم خمسة وأثرى عشرة وأيسرت حال عشرة أيضاً وكان الأربعون منهم في مناصب حسنة، وبقي خمسة وثلاثون كما ابتدأوا منذ عشر سنوات.
وبعد عشرين سنة مات ستة عشر، وأثرى ثلاثة، وكان خمسة وستون يعولون عائلاتهم، وخمسة عشر منهم يعتمدون على مساعدة أقاربهم.
وبعد ثلاثين سنة مات عشرون وأثرى واحد، وكان ثلاثة في أحوال مالية حسنة، وكان ستة وأربعون يعولون عائلاتهم بكدهم، وبقي ثلاثون يعتمدون على مساعدة عائلاتهم.
وبعد أربعين سنة مات ستة وثلاثون، وبقي الغني منهم على غناه، وثلاثة متيسرون وستة يعولون عائلاتهم بكدهم، وثلاثة وخمسون يعيشون على الهيئة الاجتماعية – أي الضمان الاجتماعي.
وبعد خمسين سنة مات ثلاثة وستون منهم، ستون ماتوا دون أن يخلفوا أي تركة لذريتهم، وازدادت ثروة الغني، أما الباقون فكانوا يعيشون عالة على الضمان أو في دار العجزة – انتهى.
ولو أنني كنت واحداً منهم فلن أقبل إلاّ أن أثري ثراءً فاحشاً أين منه ثراء صاحب (amazon)، وإذا لم يكن هذا (فبالهاوي والذيب العاوي) – أي أن (أتكرفس) في الدرك الأسفل من القبر.
وإذا أردتم أن نترك (الغشمرة) مثلما يقول أشقاؤنا في الكويت، أي أن نترك المزاح الممجوج وندخل بالجد، مع أن الجد مشرّق وأنا مغرب، ومع ذلك سوف أحاول أن أتقمصّ شخصية الفاهم والمصلح الاجتماعي.
فأقول وبالله التوفيق، إن الناس يختلفون في أساليبهم وأهدافهم للوصول للنجاح، فمنهم من يرغب في المال، وآخر في العلم، وثالث في المنصب، ورابع قنوع لا يريد سوى الستر والعافية – وهذا الأخير بشره من الآن (بالفلس) المريح.
والنجاح يا أحبائي وغيرهم يحتاج إلى عدة (صفات ومواصفات)، وليس هو (خذني جيتك) مثلما نقول نحن بالعامية، وهو لا يحتاج فقط للمثابرة والدأب في العمل، ولكنه يحتاج إلى جانب ذلك صحة الجسم والهناء العائلي، فمن المشكوك فيه أن ينجح الإنسان المزاجي المتقلب المشتت الذهن، ولا كذلك المريض المهمل لصحته أو الغارق بالملذات، أو الذي هو على خلاف متصل مع أهله.
ولو أن أحدكم قاطعني الآن وأنا مسترسل وقال لي: (يا مدبّر العربان دبّر نفسك) – لو أنه قال لي ذلك لما أخطأ، بل إنه فوق ذلك سوف يلقمني حجراً أكبر من فمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق