السلايدر الرئيسيشمال أفريقيا
التونسيون تحت وطأة الكوارث الطبيعية من جديد.. غضب وانتقادات ساخرة
– تونس – تحولت الأمطار في تونس من نعمة إلى نقمة، وبات هطول المطر مثيرا للرعب في نفوس المواطنين إضافة إلى أنه يتسبب في شلل تام في العديد من القطاعات الحيوية مثل وسائل التنقل العمومي والمؤسسات التعليمية وبعض المرافق الصحية وغيرها. وسواء كانت كميات المياه المتساقطة متوقعة أو غير متوقعة فإنه لا بد من حدوث مشكلات وخسائر مادية وبشرية – أحيانا – بسببها، إلى درجة أن المواطن التونسي أيقن أن البنية التحتية باتت أشبه بالألغام الأرضية القادرة على الانفجار في أي مناسبة. غير أن الجهات الرسمية تؤكد أن سبب وقوع الكوارث ليس فقط البنى التحتية المتدهورة بل الكميات القياسية التي تساقطت في الفترات الأخيرة.
وأعلنت العديد من المدارس والمعهد الثانوية وبعض الجامعات انقطاع الدروس بعد نزول الأمطار وحدوث فيضانات في العديد من المدن بمختلف جهات الجمهورية ما تسبب في سقوط قتلى ومفقودين. وعزلت أيضا العديد من المناطق جراء انقطاع الطرقات المؤدية لها، وتحطم البعض الآخر بالكامل. وأوضحت الادارة العامة للحرس الوطني أنه تم تسجيل انقطاع 42 طريقا في كل من محافظات القصرين وتوزر والكاف وزغوان والقيروان وسليانة وباجة وبن عروس وقفصة وتونس، في حين استؤنفت الحركة في 16 طريق منها. وأفادت أن 9 طرقات وطنية مغلقة حاليا، ودعت مستعملي الطريق إلى عدم المجازفة والامتثال لإشارات أعوان المرور والحرس الوطني.
كما قرّرت اللجنة الجهوية لمجابهة الكوارث في جندوبة تعليق الدروس بكافة المؤسسات التربوية جرّاء الأمطار الغزيرة وفيضان الأودية كما تعمل وحدات الحماية المدنية والحرس والجيش الوطنيين والتجهيز والفلاحة على إجلاء عدد من المواطنين ومواشيهم بعد أن غمرت المياه مقرات سكناهم وحاصرتهم وأغرقت مزارعهم.
من جانبه دعا رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، اللجنة الوطنية لمجابهة الكوارث واللجان الجهوية إلى البقاء بحالة اجتماع مع أخذ الاحتياطات اللازمة ومتابعة الأوضاع في ظل التقلبات المناخية الأخيرة، وأوصى بتوفير الامكانيات لمواجهة الانعكاسات المحتملة لهذه التقلبات المناخية الطارئة، وبتأمين سلامة المواطنين في المناطق المعنية، وذلك بنجدة مستعملي الطريق، وفك العزلة عن المناطق المتضررة عبر تسخير جميع الوسائل والآليات ضمانا للسير الطبيعي للخدمات والمرافق المقدمة للمواطنين.
ولكن حالة التأهب هذه والاستعدادات من جانب الجهات الرسمية والتي تردد في جل المناسبات المماثلة ماعدت قادرة على بث روح الطمأنينة لدى التونسيين وهي لا تبدو كافية لاهدئة غضب الكثيرين من الوضع الذي آلت إليه تونس، فبعد أن كانت الأمطار علامة على الخير وبشرى للمزارعين ولجل الناس باتت اليوم تثير توجسهم وخوفهم بعد أن تبين لهم عجز الدولة بمختلف مؤسساتها وآلياته على حمايتهم وضمان سلامتهم وسلامة مواطن رزقهم، كما اكتشف التونسيون أن وضع البنية التحتية بات خطيرا لا متدهورا فحسب ووجب التدخل العاجل لتحسين الأوضاع وإصلاح ما أمكن وهو ما ينادي به المواطنون في جل مناطق الجمهورية التونسية عبر وسائل الاعلام وعبر منابر التواصل الاجتماعي.
واللافت للنظر أن حالة الغضب والخوف والقلق التي يعيشها التونسيون في جل أنحاء البلاد باتت تتصاعد في كل مرة مع نزول الأمطار وحدوث فيضانات إذ يحاصر كثيرون وتنقطع بهم السبل فيجدون أن حياتهم اليومية توقفت حيث لا عمل لا دراسة لا مرافق حكومية قريبة منهم تساعدهم وتوفر لهم حاجياتهم، ولا طرقات ولا وسائل تنقل تمكنهم من قضاء شؤونهم… وأمام هذا الوضع تصبح وسائل التواصل الاجتماعي منفذا لإيصال المعلومة ونشر الأخبار والفيديوهات والصور والمشاهد في كل المناطق وتبادل المعلومة والتحذيرات، الأمر الذي يجعلها تنافس وسائل الاعلام في دورها الإخباري وكذلك التوعوي وتفتح المجال أيضا أمام الجميع للتعبير عن أوضاعهم ومخاوفهم.
وبالرغم من قساوة المشهد التونسي في ظل الفيضانات ووقوع ضحايا ومفقودين إلا أن الدعابة لم تغب عن التونسيين بمختلف أطيافهم فتجد صفحات الشباب الفيسبوكية خاصة تعج بالصور والأخبار والدعاء وكذلك بالتدوينات المعبرة عن الدهشة والاستغراب وعن الغضب والقلق.. ومن المفارقات أن يستحضر التونسيون روح الدعابة فترى العديد من التدوينات والصور والتعليقات المضحكة والتي يتعمد البعض نشرها للتعبير عن السخرية من الوضع الراهن ومن كل ما يحدث في البلاد بأسلوب هزلي بقدر ما يثير الضحك يستفز مشاعر الغضب ويعبر عن حالة الإحباط التي بلغها التونسيون خصوصا في السنوات الأخيرة.
ويسمى هذا التندر لدى التونسيين “التنبير” الذي يستنكره ويرفضه البعض في جيل الكبار وبعض المتابعين لمواقع التواصل الاجتماعي وللشأن الاجتماعي والثقافي حيث ترى هذه الفئة أن تناول العديد من القضايا الحساسة والمسائل المصيرية والكوارث على هذا المنوال الهزلي يعد علامة على انعدام الاحساس بالمسؤولية ومؤشرا على غياب التكافل بين المواطنين أو دليلا على اللامبالاة والتفاهة التي يسمون بها الشباب الناقد للأوضاع بأسلوب متهكم على الدوام. غير أن “التنبير” وهذه الطريقة الكوميدية في التعبير يعتبرها العديد من الخبراء النفسيين والاجتماعيين علامة على اختلاف بين الأجيال وعلامة أن لجيل المراهقين والشباب اليوم طريقة مختلفة للتعبير عن أفكاره وآراءه عن الأجيال التي سبقته وهو أمر طبيعي بنظرهم وكذلك صحي كونه يعد ترويحا على النفس وإخراجا لحالات الغضب والسخط والتوتر بطريقة هزلية لكنها حمالة لتعبيرات ومعان كثيرة.