السلايدر الرئيسيتحقيقات

النطف المهربة… عبور فلسطيني من السجن إلى الحياة

محمد عبد الرحمن

ـ غزة ـ من محمد عبد الرحمن ـ يبدع الفلسطينيون بابتكار طرقاً لتحدي الاحتلال الإسرائيلي، فإحدى هذه الطرق هى النطف المهربة أو ما تسمى بـ”سفراء الحرية”، فمن خلالها يستطيع الأسير الذي يقضي زهرة شبابه خلق القضبان من الإنجاب، وتم ابتكار طرقاً عدة لتهريب هذه النطف من داخل السجون ومنها، وضعها في غطاء قلم حبر، أو هدية صغيرة مصنوعة يدويا يتم تسليمها لذويهم، كما أن الأطفال صغار السن يمكنهم التواصل المباشر مع والدهم، وهذا يمكنه من تهريب هذه النطفة مخبئة داخل هدية صغيرة منه.
تاريخ الفكرة
وكانت بداية نجاح تهريب النطف من داخل السجون الإسرائيلية، عام (2012)، فاستطاع الأسير الفلسطينيين عام زين الدين من سكان الضفة الغربية، تهريب نطفة لزوجته تمكنت من خلالها، إنجاب طفلاً، وبعد ذلك سلك عشرات الأسرى هذا الطريق، وأنجبوا بنفس الطريقة وفي قطاع غزة، أثمرت الفكرة حتى الآن، عدداً لا بأس به من حالات الإنجاب عبر النطف المهربة.
وعلى الرغم من نجاح النطف المهربة، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى، لتحطيم الحلم الذي حلموا به، حيث ترفض السلطات الإسرائيلية استصدار أرقام بطاقات شخصية لأطفال النطف المهربة، ما يحرمهم من زيارة ذويهم في سجون الاحتلال، أو حتى السفر للخارج.

زوجة الأسير تامر الزعانين من قطاع غزة، تحرص بشكل مستمر على مشاركة طفلها حسن الذي يبلغ أربعة أعوام من عمره في فعاليات يوم الأسير حاملا صورة والده، مرددا ببراءة صوته وملامحه شعارات تدعو الإفراج عن والده ورفاقه، الذي لم يتسنى له حفظ ملامحه سوى من صورة معلقة على جدران البيت.
قلبي يطير فرحا
وتقول “حسن غير حياتي كليا أنارها بالفرح والحياة، فبعد زواجنا بأشهر قليلة سجن زوجي كنت أمضي وقتي وحيدة، أما الآن لدي من يواسيني بغياب زوجي، ويشاركنا فعاليات الأسرى كل اثنين أمام مقر الصليب الأحمر، يحمل صورة والده ولقد لقنته بعض الشعارات والعبارات يرددها معنا، أشعر بأن قلبي يطير فرحا وأن أرى طفلي معي يشاركني كل لحظة يخفف من مرارة بعد والده عني”.
ولم يتمكن الأسير تامر الزانين من رؤية ابنه، لعدم سماح سلطات الاحتلال له بزيارة والده، فاكتفوا بإرسال صورة له، لكل مرحلة عمرية، وعن ذلك تقول زوجة الأسير” كان زوجي ينتظر بفارغ الصبر أن يُسمح لابننا أن يزروه، ولكن الصورة تشفي غليله ويفرح فرحاً شديداً عندما يراها فهو يحضنها، ويقبلها وكأنه يحضنه ويقبله”.
وعن اللحظات التي تمكنت أسرة الأسير تامر الزعانين من إرسال صور طفله البكر “حسن”، تصفها زوجته باللحظات الممزوجة بالفرح والألم، “كان يتمنى أن يسمح له برؤيته وفرصة تقبيله لطفله الذي لم يشاهد مراحل إنجابه، والآن يحرم من رؤيته وتسمح إدارة السجن لصوره فقط خلال زيارتنا كل شهرين مرة”.
سفراء الحرية
في حين يقول الباحث في شؤون الأسرى الأسير المحرر رأفت حمدونة “النطف المهربة من داخل السجون الإسرائيلية، حكاية بدأت بفكرة، وانتهت بحقيقة رغم كل قيود الاحتلال، هى معركة اعتمدت على حرب الأدمغة بين الأسرى والسجان، قوامها التطلع للحياة بعين متفائلة، وأبطالها أشخاص مظلومون عزلوا عن الحياة، ولكنهم امتلكوا سلاح الإرادة والصمود “.
يضيف “يفكرون، ويخططون، ويبتكرون، ويبدعون، في وجه إدارة ظالمة تألقت في صناعة الموت، ورغم كل الممارسات، والقيود، والوسائل الأمنية أخفقت في كسر إرادة الأسرى، وحرمانهم من حقوقهم الأساسية بالإنجاب، وتحقيق غريزة الأبوة مثل باقي البشر”.
ويتابع “ظاهرة تهريب النطف برزت في أوساط الأسرى المتزوجين، ومن أمضوا فترات طويلة، ومن ذوي الأحكام العالية، وممن حرموا من تكوين أسر، وإنجاب ذريه، بسبب اعتقالهم”.
غياب الزوج
ويشير حمدونة إلى أن ما يقارب من نصف الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، متزوجين ومنهم من لم ينجب، وآخرين من أجب طفلاً أو طفلين ومن ثم تم اعتقاله، وهذا يعني حرمانهم من الإنجاب طوال فترة الأسر، وبهذا سيقع العقاب على ما ليس له أي جانب في الفعل، خاصة على الزوجة التي تشعر بالوحدة، بسبب غياب الزوج لسنوات طويلة، ولكن النطف المهربة أتاحت لهم الإنجاب وهم في سجنهم.

يوضح أن عملية تهريب النطف من داخل السجون الإسرائيلية بطريقة سرية رغماً عن أنف السجان هى ثورة إنسانية كبيرة يخوضها الأسرى ضد سياسية المحتل، كان نتاجها قصص نجاح كثيرة جعلت الصعب سهلاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق